العذراء مريم... نكرّمها ولا نعبدها

العذراء مريم... نكرّمها ولا نعبدها

تكرِّم الكنيسة العذراء مريم والدة الإله (عقيدة أم الله)، الدائمة البتوليّة (عقيدة البتولية)، الكليّة القداسة (عقيدة الحبل بلا دنس)، التي انتقلت بالنفس والجسد إلى السماء (عقيدة الإنتقال) على مدار السنة حيث تدخل مريم في السنة الطقسيّة الليتورجيّة لكلّ كنيسة. في شهر أيّار يكرمها المسيحيّون في كلّ العالم ويطلبون شفاعتها هي التي كلَّلها الثالوث الأقدس سلطانةً على السماء والأرض.

 فالمسيحيّ يعبد الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس، ويؤدّي السجود للقربان والصليب المقدَّسين. أمَّا مريم العذراء فيكرمها ويطلب شفاعتها ويلتجىء إليها ويتّخذها مثالًا يقتدي بها ويسعى ليتشبّه بإيمانها ورجائها ومحبّتها وجميع فضائلها. مريم العذراء إنسانةٌ مخلوقةٌ اصطفاها الله وأعطاها نعمة خاصّة إذ عَصَمها من الخطيئة الأصليّة ليحضرَّها لتكون أمّ الكلمة الإلهيّ يسوع المسيح الذي سيتجّسد في أحشائها بقدرة الروح القدس ويأخذ الطبيعة البشرية منها.

 وقد أشاد أباؤنا القدّيسون بقداسة مريم العذراء ومنهم مار افرام السريانيّ (+373) الذي يقول أنَّ العذراء مريم هي التابوت المقدّس، والمرأة التي سحقت رأس إبليس، والطاهرة وحدها نفسًا وجسدًا، والكاملة القداسة، وإذ يُقابل بينها وبين حوّاء يقول:

"كلتاهما بريئتان، وكلتاهما قد صُنِعَتا متشابهتين من كلّ وجه، ولكنّ إحداهما صارت من بعد سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا". ويقول في موضعٍ آخر: "في الحقيقة، أنتَ، يا ربّ، وأمّك جميلان وحدُكما من كلّ وجهٍ وعلى كلّ صعيد، إذ ليس فيكَ، يا ربّ، ولا وصمة وليس في أمّك دنس ما البتّة ".

 والقدّيس يوحنا الدّمشقيّ (+ 749) يُعلن أنّ مريم قدّيسة طاهرة البشارة "إذ إنّها حرصت على نقاوة النفس والجسد كما يليق بمن كانت مُعَدّة لتتقبّل الله في أحشائها". "واعتصامها بالقداسة مكنّها أن تصير هيكلاً مقدّسًا رائعًا جديرًا بالله العليّ ".

ومريم طاهرة منذ الحبل بها: "يا لغبطة يواكيم الذي ألقى زرعًا طاهرًا! ويا لعظمة حنّة التي نمت في أحشائها شيئًا فشيئًا ابنة كاملة القداسة ". ويؤكّد أنّ "سهام العدوّ الناريّة لم تقوَ على النفاذ إليها"، "ولا الشهوة وجدت إليها سبيلاً ".

 يحثّ المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي انعقد بين سنة 1962 و 1965، المؤمنين على تكريم مريم العذراء تكريمًا خاصًّا، موضحًا طبيعة هذا التكريم وأساسه والاختلاف الجوهريّ بين التكريم وعبادة الله، فيقول:

" إنَّ مريمَ التي رُفِعَت بنعمةِ الله، بعد إبنها، فوقَ كلِّ الملائكةِ وكلِّ البشر أُمَّاً لله كلّيةَ القداسةِ وعاشت أسرار المسيح، لتكرِّمَها الكنيسة بحقٍ، إكرامًا خاصًّا. وبالواقع قد كُرِّمَت العذراء مريم بلقبِ أمِّ الله منذ أقدم الأجيال، والمؤمنون يلجأون إلى حمايتها ضارعين إليها في كلِّ مخاطرهم وحاجاتهم. لا سيّما منذ المجمع الأفسسي (مجمع أفسس سنة 432 الذي حدَّدَ عقيدة والدة الإله) حيث عَرَفَ تكريم شعب الله لمريم نموًّا غريبًا تحت أشكال الإكرام والمحبّة والتوسُّل إليها والتشبُّه بها حسب كلماتها النبويّة " جميع الأجيال تطوّبني، لأنّ القدير صنع بي العظائم ".
"وإنْ كان هذا الإكرامُ، كما وُجِدَ دومًا في الكنيسة، يحملُ سِمةً فريدةً جدًّا في نوعه، فإنّه يختلف إختلافًا جوهريًّا عن السجود الذي يُؤدَّى بالتساوي للكلمةِ المتجسّد، وللآب، وللروح القدس. والأشكالُ التقويَّة المختلفة نحوَ أم الله التي وافقت عليها الكنيسة ضمن حدود تعليمٍ صحيحٍ ومستقيم، مراعيةً ظروف الزمان والمكان، وميولَ الشعوب المؤمنة ومناقبهم، حملت على أن الإبن يُعرَفُ بحقٍّ، ويُحَبُّ، ويُمَجَّدُ، وتُحفَظُ وصاياهُ عبر إكرامِ أمِّه، الإبن الذي لأجله خُلِقَ الجميع (قول 1 / 15 – 16)، ورضي الآب الأزلي أن يَحلَّ فيه الملء كله (قول 1 / 19) ". (دستور عقائدي في الكنيسة، عدد 66).