المشروع الكهنوتي للخوري حبيب قزحيا

المشروع الكهنوتي للخوري حبيب قزحيا

قال المسيح لتلاميذه: "ما من حبٍ أعظمَ من أن يبذلَ الإنسانُ نفسَهُ في سبيلِ أحبّائِه". إنّ أساسَ دعوتي هو محبة الله لي، الذي أحبّني أوّلاً. وما يكوّن خدمتي الكهنوتيّة ورسالتي في حقل الكنيسة، هو جوابي على حبِّهِ، ببذل الذات. لقد دعاني المسيحُ لأبذلَ نفسي في سبيل الآخرين، وأوكلني على رعايتهم وعلى محبّتهم بشدّة كما صنع أمامي ودعاني لأتشبّه به. 

في خدمتي الكهنوتية، أريدُ أن أكونَ أمينًا لثلاثِ خدَم، وأن أعيشَها بعمقٍ وشفافيّة: 

الأولى، هي خدمة المائدة : مائدة الكلمة ومائدة المذبح. هاءنذا حاضرٌ لأكسرَ الكلمة الإلهيّة وأقدّمها للمؤمنين لتغذّيهم وتحييهم، في الوعظ، في السهرات الإنجيليّة، في اللقاءات الرعويّة، في المنظّمات والحركات الرسوليّة والأخويّات والكشّاف ... وحيثُ تدعوني الكنيسة لأعّلم. 

هاءنذا حاضرٌ لأتقدّم من الذبيحة الإلهية بطهارة، وأصلّي على الدوام من أجل كنيسة المسيح المنتشرة في العالم أجمع، وأقدّم الخبز الحيّ للمؤمنين بأمانة. 

هاءنذا حاضرٌ لأقدّس رعيّتي وأتقدّس بها من خلال خدمة الذبيحة الإلهية بخشوع ووقار؛ لأساعد الناس على فهم هذا السرّ وعيشه بعمق وإيمان، من خلال متابعة الجوقة في اختيارها للتراتيل المناسبة في الإحتفالات، وخُدّام المذبح لتكون خدمتهم لائقة ببيت الرب، والأزمنة الطقسيّة والصلوات الليتورجيّة المناسبة، لتظهر الإفخارستيا احتفالاً بالقيامة، لا مهرجانًا أو حفلاً نُسَخِّفُ فيه جوهر هذا السرّ وعمقه.

الثانية، هي خدمة الوحدة عملاً بما طلبهُ المسيح في صلاته الكهنوتيّة "ليكونوا واحدًا كما أنا وأنت واحد" (يو 17، 22). 

فهاءنذا حاضرٌ لأسهرَ على وحدة أبناء الرعيّة بالمسيح أوّلاً، ليتّحد الإخوة فيما بينهم ويكونوا "على فكر المسيح يسوع" (فيلبي 2، 5). وهذه الوحدة بالمسيح تنبع من الأسرار. لذلك، هاءنذا حاضرٌ لأنشّئ أبناء رعيّتي على فهم الأسرار وعيشها بجدّية، ليتنقّى إيمانهم وتتضّح أمامهم رؤية المسيح الذي يسكبُ ذاته في الأسرار مع الآب والروح القدس. 

ففي سرّي المعمودية والتثبيت، أشرح للوالدين والعرابين قبل الإحتفال، معنى هذا السرّ وأهمّيتُهُ، ليعوا مدى مسؤوليّة التزامهم الروحي والديني تجاه الولد. وفي الإحتفال، أساعد الناس على الصلاة، ليتخطّوا المظاهر الخارجيّة والأضواء اللامعة والثياب البرّاقة. 

وفي سرّ التوبة، هاءنذا حاضرٌ لأبحث عن الضائع وأردّه إلى بيت الآب، وأرشدَ الضعيف وأقوّيه، ليشعر من جديد بانتمائه إلى الكنيسة، جسد المسيح السرّي، ويتّحد مع الجماعة بالمسيح يسوع. فمن خلال تواجدي بكرسي الإعتراف بشكل كبير، أشجّع المؤمنين على التقدّم من هذا السرّ بحريّة أبناء الله، متحرّرين من عقدة الذنب والخوف من الدينونة والرغبة بالشعور بالراحة فقط، لتكون ندامتهم إنطلاقةً جديدةً لاتّباع المسيح بثبات أكبر ومحبة أعمق. 

وفي سرّ الزواج، هاءنذا حاضرٌ لأرافق المخطوبين وكل من يتحضّر للإقتران، للتعرّف إليهم، ومساعدتهم على تعميق معرفتهم بسرّ الزواج وديمومته وتشجيعهم على بناء عائلتهم المسيحيّة بإيمان ورجاء كبيرين، مدركين أنَّ الله هو ثالثهما في هذه العلاقة، وتحفيزهم على بذل الذات والصدق والأمانة والإلتزام الأبديّ بحرية ومسؤوليّة. هاءنذا حاضرٌ أيضًا لأرافق العائلات في الرعيّة لتشبه عائلة الناصرة، في التسليم لإرادة الله وعمله في حياتهم.

أمّا فيما يتعلّق باتّحاد الإخوة فيما بينهم، فلا بدَّ لي من الاجتهاد ليعملَ الكلّ "من غير تذمّر ولا خصام" (فيلبي 2، 14)، فيكونوا "أنقياء لا لوم عليهم وأبناء الله بلا عيب في جيل ضالٍ فاسد، يضيئون فيه كالكواكب في الكون". (فيلبي 2، 15)

الثالثة، هي خدمة المحبة. لا معنى لكهنوتي بلا المحبة. لقد أوكلني الربّ لأدبّر رعيّته بمحبّة صادقة لا زغل فيها ولا رياء. أحبُّ كنيستي وأريد أن أخدمها بمحبّة الراعي الذي يسهرَ على رعيّته، وأعيش الأخوّة مع كل من أعاون من كهنة ومكرّسين، وأن أكون طائعًا لسلطة الكنيسة من خلال الأسقف، وأن أتعرّف على أبناء رعيّتي "لأنّ الراعي يعرف خرافه"، وأن أبادر إلى مصالحة المتخاصمين، أن أزور المرضى وأفتقد الأرامل والفقراء في رعيّتي، وأن أجذب الشبيبة للمسيح، في عالمٍ بات يقدّمُ لهم كلّ لّذة آنيّة ويسلبهم القيم الإنسانيّة والروحيّة. وأن أشهدَ لمجانيّة الحب المعطاء وبذل الذات، وأن أكون أمام أبناء رعيّتي محبًّا للجميع وأن أحترم الكلّ دون تفرقة، وأن أسعى جاهدًا إلى أن أقود الملتزمين على عيش هذه المحبة مع بعضهم، ليصبحوا جماعة واحدة، وقلب واحد، فهكذا ازداد عدد المؤمنين في أيام الرسل، لا بفضل تعليمهم، ولا بفضل إيمانهم بقيامة المسيح، بل بفضل شهادتهم بعيش المحبة مع بعضهم البعض. وأن أحتضنَ في رعيتي كلّ المواهب، وأجد لها مكانًا تساهم فيه في خدمة المسيح وإعلان إنجيله، لتكون على تنوّعها منسجمةً كأوركسترا تعزفُ موسيقاها في حفلة، لتصبح الرعية الشاهدة الأمينة لقيامة المسيح والرسولة النشيطة في إعلان البشرى السارة.

نعم، لم ننل الروح القدس لننغلق على أنفسنا، بل لننطلق ببشارتنا إلى إخوتنا البشر بلا حدود. وها أنا اليوم، أعاهد نفسي وأعاهد كنيستي وأعاهد الله بأنني لن أسمح بأن يبقى المسيحُ مختبئًا بين جدران الكنيسة الحجر، بل كالشعاع يسطع في نفوس أبناء الرعية، رعية المسيح.