صونيا السمراني
مقالات/ 2017-06-08
في زمنٍ افتراضيٍّ يعيشُ فيهِ الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، بات من السهلِ تلمّس وحدة الناس وحاجتهم للفت الأنظار، من خلال مشاركتهم تفاصيل حياتهم اليوميّة، وإدمانهم على إعجابات الناس لهم (Likes)، وكأنّ الجميع صاروا شحّاذين يستعطونَ عطف أهل المواقع الاجتماعيّة. والوحدة ليست هي طارئة على الإنسان العصريّ، إنّما هي من أبرز الأحاسيس الّتي يعاني منها الإنسان خلالل حياته منذ البدء وحتّى كتابة أسطرنا هذه. ولأنّ الوحدة هي ألمُ إنسان الأمس واليوم، رأينا أن تكون هي موضوع هذا المقال، علّنا نقدّمُ ولو جوابًا يسيرًا على جوعِ الإنسان الجوهريّ.
أوّل تعريف يخطر في بالنا عند التطرّق إلى موضوع الوحدة هو الوحدة الجسديّة، وهي العزلة أي عدم وجود الأقرباء أم الأصدقاء إلى جانبنا. وقد نظنّ أنّ انعزالنا عن الآخر هو بسبب مكانتنا الإجتماعيّة الّتي لا تسمح بإنشاء علاقات كثيرة، وننظر إلى الأشخاص الأكثر شهرةً ونراهم يتمتّعون بحياةٍ إجتماعيّة عامرةٍ نَحسدهم أحيانًا عليها. هذه الأحكام خاطئة، ودلالةً على ذلك، يقول العالم ألبيرت آينشتاين: "من الغريب أن تكون مشهورًا عالميًا ومع ذلك وحيد". كذلك الممثّل روبن ويليامز، الّذي سلّط الضوء من خلال حياته على مشاعر الحزن الّتي يمر بها الإنسان ومنها الوحدة قائلًا: "لطالما اعتقدت أنّ أسوأ شيءٍ في الحياة هي الوحدة، لكنّني كنت مخطئًا. أسوء الأمور هي أن تكون محاطًا بعددٍ هائلٍ من الناس ومع ذلك تبقى وحيدًا".
هذه التعابير تؤكّد أنّ الوحدة لا ترتبط فقط بعدد الأشخاص أم الأصدقاء في حياتنا أم حتّى بشهرتنا العالميّة، بل هناك أسباب أعمق تُشعر الإنسان بالوحدة.
يقول البابا فرنسيس أنّ "العائلة تُحرّرنا من الوحدة والّلامبالاة، حتّى نتمكّن من أن نكون أبناء الله. في العائلة نتعلّم أن نوثّق علاقات الثقة والإخلاص والتعاون والإحترام الّتي توحّدنا على الرَّغم من وجود بعض الخلافات". من هنا، يُمكننا القول أنّ هناك نوعٌ آخر من الوحدة لا يرتبط بالجسد. تؤكّد لنا الأم تريزا القدّيسة هذا الأمر بقولها: "الوحدة والشعور أنّك غير مرغوب هما من أسوء أنواع الفقر. عندما قال يسوع على الصليب : "أنا عطشان" لم يكن يقصد العطش الجسدي بل العطش إلى النفوس والحبّ. يسوع بنفسه اختبر الوحدة وتجسّد من أجل خاصّته، وخاصّته لم تقبله. الجوع نفسه، الوحدة عينها والشعور بأنّك غير مرغوب ومحبوب جميعها اختبرها يسوع. كلّ واحدٍ منّا يختبر الوحدة، يتشبّه بيسوع وهو الجزء الأصعب ويسمّى : "الجوع الحقيقيّ".
نعم، إنّها الوحدة الروحيّة الّتي تقتل الإنسان وليست الوحدة الجسديّة فقط. عطش القلب إلى الحبّ، إذا لم يُستثمر جيّدًا، يولّد شعور الانغلاق على الذات وهو الإحساس بأنّك غير محبوب... هذه هي الوحدة. فالجسد وإن حرمته من احتياجاته لا يُشعرك بالفراغ لأنّ الماديات تَحجب عنك الملذّات فتُمسي مشرّدًا، أمّا الفراغ الحقيقيّ هو الابتعاد عن حبّ الآب السماوي عنك. عندها تكون فعلًا وحيدًا كئيبًا كما يقول الأديب باولو كولهيو: " يستطيع الإنسان أنّ يبقى دون ماء أو طعام لمدّة أسبوع، وأن يكون مشرّدًا لسنين لكنّه لا يستطيع أن يتحمّل الوحدة. هي أسوء أنواع العذابات".
لذا، نطلب من الرّوح القدس أن يفيض بنعمه علينا ويُساعدنا بتشريع أبواب قلبنا لحبّ أبينا السماويّ، فلا نعرف الوحدة بعد الآن بل البنوّة إلى أبد الآبدين.