الخوري إيلي أسعد
مقالات/ 2017-11-01
القداسة بحسب فكر البابا فرنسيس
مَن منّا، إخوتي، لا يرغبُ في أن يكونَ قدّيسًا، ولكن في عالمٍ فيِه الكثير من الحقدِ والبغضِ والأنانيّة، يسعى لجرفنا نحوه، هل ما زالت القداسة اليوم ممكنة؟ نعم، هذا ما نادى به الله لشعبه في العهد القديم : "كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلهَكم قُدُّوس" (أح 19، 2) وما كررّه يسوع: "كونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل" (مت 5، 48). واليوم، ها هو بابا الفقراء، فرنسيس، يذكرّنا بهذه الدعوة من خلالِ تركيزه على 4 مميّزات أساسيّة للقداسة.
1-القداسة ليست حظًّا بل دعوةً للجميع أحيانًا نقولُ عن أحد القدّيسين: "نيالو" إختاره الله ليكون قدّيسًا كأنّ الله فضّلَهُ على باقي الناس. "القداسة ليستِ امتيازًا لقليلين، بل هي دعوةٌ للجميع" بالنسبة للبابا فرنسيس. القدّيسون لم يولدوا كاملين، إنهم أناسٌ عاشوا حياةً مثلنا بكلّ ما فيها من أفرح وأحزان، ولكن ما يميّزهم هو انهم أختبروا محبّة الله، فقرّروا السير في حضرته من خلال خدمة القريب.القداسة هي سِمَةُ كلّ إنسان مسيحيّ.
2- القداسة لا تُشترى بل تُعطى مجّانًا يعتقد البعض أنّ القداسة هي خلاصةُ مجهودِ المؤمنِ وصلاتهِ وتعبهِ. لا، "القداسة ليست شيئًا يمكننا الحصول عليه أو شراؤُه بفضلِ إمكانيّاتنا وقدراتِنا، بل هي هبةٌ مجّانيّةٌ منحنا إيّاها الله الذي هو وحده القدّوس"، بحسب البابا فرنسيس. الله الذي خلقنا على صورته ومثاله، وضع فينا بذرة القداسة فإمّا ننفتح على هذه النعمة وننمّيها بقوّة الروح القدس، وإمّا نرفضُها وندفنُها.
3- القداسة ليست خارج الحياة اليوميّة بل في صميمها يصعُبُ على الكثيرينَ أن يوفّقوا بين القداسة والحياة اليوميّة، كأنّهما متضادّان لا يلتقيان! ولكن هذا لا يتوافقُ ومنطق البابا فرنسيس الذي يركّز على "قداسة الحياة اليوميّة". "فكلّ أوضاع الحياة تحملنا إلى القداسة؛ والطريق نحو القداسة تمرّ بالبيت، بالشارع، بالعمل وبالكنيسة، وأينما كنتَ وفي أيِّ وقت، هي دائمًا مفتوحةٌ". كيف نصبحُ من "قدّيسي الحياة اليوميّة" ؟ من خلال بذلِ الذات والتضحية كلَّ يوم. لذلك، يقول البابا، إنّ الزواج هو الطريق الأسرع لنصبحَ قدّيسين. 4-القداسة ليست غيابَ الخطيئة بل اختبارَ الرحمة "القدّيسون ليسوا أبطالًا خارقين، بل خطأة متواضعين يتبعون يسوع على طريق التواضع والصليب"، فالقداسة هي أن أعي دائمًا أنّني ضعيف وخاطىء، وفي الوقت نفسه مرحومٌ من الله. من هنا، يكشف البابا العقبة الأساسيّة في السير نحو القداسة، وهي النفاق، فيقول: "كلُّنا خطأة، ولكن دعونا نطلب من الربّ ألّا نكونَ منافقينَ. فالمنافقُ لا يعرف معنى الغفران والفرح ومحبّة الله، فهو يظنّ بأنّه يكفي نفسَه بنفسِه ويتنكّر بزيِّ القداسة". لحلّ "داء" النفاق، يذكّرنا البابا ب"مفتاح القداسة" وهو التواضع الذي يجعل المؤمن يختبر الخفاء، فيردّد مع يوحّنا المعمدان "له أن يكبر ولي أن أصغر" (يو3، 30).
"إنتَ كمان فيك تكون قدّيس": إنّها دعوة الربّ يسوع لنا يذكّرنا بها اليوم البابا فرنسيس، فهل سنلبّي النداء فندخل في مغامرة القداسة مهمّا كلّفنا الأمر؟