كَسر الكلمة - العهد القديم -52- الأحد السادس من زمن الصليب

كَسر الكلمة - العهد القديم -52- الأحد السادس من زمن الصليب

الأحد السّادس بعد عيد الصَّليب
سفر الأمثال: 6 / 6 - 11
6 إِذْهَبْ إِلى النَّملَةِ أيّها الكَسْلان أُنظُرْ إِلى طرقِها كنْ حَكيمًا.
7 إِنَّها لَيسَ لها قائِدٌ ولا مُشرِفٌ ولا حاكِم 
8 وتُعِدُّ في الصَّيفِ طَعامَها وتجمعُ في الحَصادِ غِذاءَها.
9 إِلى مَتى تَرقُدُ أَيّها الكَسْلان؟ مَتى تَنهَضُ مِن نَومِكَ؟
10 قَليلٌ مِنَ النَّوم، قَليل من الغَفْوِ قَليلٌ مِنَ التَّكتُّفِ لِلرُّقاد
11 فيَأتي عَوَزُكَ كَجوَّالٍ وفاقَتُكَ كرَجُلٍ مُتَسلِّح.

مقدّمة
في نِطاقِ موضوعِ الانتِظارِ وَالسَّهر تَحضيرًا لِمجيءِ الرَّبِ، تُنبِّهُنا كَنيسَتُنا المارونِيَّةُ من خَطرِ الكَسَلِ وَنُكرانِ نعمةِ الرَّب. فَتختارُ مَثلَ الكسلانِ وَالنِّملةِ من العهدِ القديم، لِتُظهِرَ عُمقَ أَفكارِ العَبدِ الكَسلانِ، صاحِبِ الوزنةِ الواحِدة في نصِّ إِنجيلِ متّى الرَّسول (25 : 14 - 30). وَمعَ الرِّسالَةِ إلى أهلِ غلاطية، تُحمِّلُنا مسؤُولِيَّة إِصلاحِ إِخوَتنا الضُّعفاءِ وَالَّذينَ يسقُطونَ في زلاَّتٍ متنوّعة (غل 6 : 1 - 10).

تفسير الآيات
6 إِذْهَبْ إِلى النَّملَةِ أيّها الكَسْلان أُنظُرْ إِلى طرقِها كنْ حَكيمًا.
عِبْرَةُ هذا الـمَثَلِ مُوَجَّهةٌ للإِنسَانِ الكَسْلان، وَيُعْطَى لَهُ مِثالُ حَشَرةٍ صَغيرَةٍ جِدًّا، غالِبًا ما لا نَنتَبِهُ لَها لِصِغَرِ حَجْمِها. إِلاَ ّأَنَّها تَفوقُ الإِنسَانَ الكَسلانَ حِكمةً وَفهمًا، شَجاعةً وَقوَّةً. النِّملةُ هيَ مِثالُ الحِكمةِ، في طَريقَةِ عَيشِها.
صَاحِبُ الـمَثلِ يَدعو الكَسْلانَ بِفِعلَي أَمر: إِذهَب وَانظُر. ألفِعلُ الأَوَّلُ هو دَعوةٌ لِلنُّهوضِ من حَالةِ الكَسَل. الذَّهابُ يَعني الخُروج، تَغيير المكَان، اسْتِعمال الطَّاقَة الجَسدِيَّة، حَملِ الذَّات على الحَرَكةِ وَالحَياة. أَمَّا الفِعلُ الثّاني، "أُنظُر" فَفيهِ دَعوةٌ لِلخُروجِ منَ الذَّاتِ نحوَ الآخَر، نحوَ الخَليقَة. النَّظَر هوَ مُحَرِّكُ العَقلِ وَالقَلب وَالبَصيرَة.
عِندَما خَلَقَنا، وَهبَنا اللهُ طاقَاتٍ مُختَلِفةٍ وَعَديدَةٍ، وَهيَ عطِيَّةٌ مجّانيَّةٌ منهُ، لِكي نُمجِّدَهُ وَنُسَبِّحَهُ وَلِكي نَفرَحَ بِاشْتِراكِنا في عَملِ الخَلقِ. إِلاَّ أَنَّ الإِنسَانَ بِحُريَّتِهِ، يَختارُ استعْمَالَ هذهِ الطَّاقَاتِ أَو نَبْذَها. خَيرُ مِثالٍ عن الإِنسَانِ الَّذي نَبذَ عَطيَّةَ الرَّبِ هوَ العَبْدُ الكَسلانُ في نصِّ الإِنجيل (متى 25 : 18).

7 إِنَّها لَيسَ لها قائِدٌ ولا مُشرِفٌ ولا حاكِم
النِّملُ يَعيشُ جماعَةً مُتَّحِدةً، من دونِ قائِدٍ أَو حاكِمٍ أَو مَسؤُولٍ. وَهذا يَدُلُّ على اسْتِقلالِيَّةِ هذهِ الحَشَرة وعلى مُبادَرَتِها الحُرَّةَ في العَمل لِأجلِ حُبِّ الحَياةِ. هيَ مِثالٌ في التِّجارَةِ بِعَطايَا الرَّب. فَهيَ ليسَت بِحاجَةٍ لِـمَسؤُولٍ يُنظِّمُ وَيَأمُر، لأَنَّها بِطَبيعَتِها حَكيمَةٌ وَتَعرِفُ بِغريزَتِها، ما يَجِبْ فِعلُهُ.

8 وتُعِدُّ في الصَّيفِ طَعامَها وتجمعُ في الحَصادِ غِذاءَها.
النِّملَةُ بِغريزَتِها، تُميِّزُ الفُصُولَ وَأَوقاتَ الحَصَادِ لِتَجمَعَ غلَّتَها من الطَّعامِ صَيفًا وَشِتاءً، لِتُحافِظَ على حَياتِها.
أَمَّا الكَسلانُ فَيَداهُ تَأبَيانِ الشُّغلَ (مثل 21 : 25) وَهو يَحسَبُ نَفسَهُ أَحكَمَ الحُكماءِ (مثل 26 : 16).

9 إِلى مَتى تَرقُدُ أَيّها الكَسْلان؟ مَتى تَنهَضُ مِن نَومِكَ؟
وَالكَسْلانُ ينامُ، مُسْتَسلِمًا لِوَهنِ الجَسَدِ، لا هِمَّةَ لهُ وَلا حياةَ في جَسَدِهِ أَو في نَفسِهِ. الرُّقادُ علامةٌ لِلموتِ وَالسُّكونِ القَاتِل. ضَميرُ الكَسلانِ نائِمٌ دائِمًا، لا أَمرَ يَجْذِبُ انتِباهَهُ لِأَنَّهُ يَعيشُ وهوَ مَيتٌ، غائِبٌ عن الحياةِ وَعن العالَم. وَالأَسوأُ أَنَّ نَفسَهُ تَشتَهي وَلكِن لا تَحصَل على شَيءٍ لأَنَّهُ لا يَعمَل، وَإِذا اسْتَعطَى لا يُعطَى (مثل 13 : 4؛ 20 : 4).

10 قَليلٌ مِنَ النَّوم، قَليل من الغَفْوِ قَليلٌ مِنَ التَّكتُّفِ لِلرُّقاد
11 فيَأتي عَوَزُكَ كَجوَّالٍ وفاقَتُكَ كرَجُلٍ مُتَسلِّح.

لِذا، هَو مُعرَّضٌ لِهجماتِ أَعدائِهِ. تُهاجِمُهُ التَّجاربُ من كُلِّ الجِهاتِ، وَغايَتُها إِيقاظُهُ من كَسَلِهِ، إِلاّ أنَّهُ إِنسَانٌ ضَعيفٌ جاهِلٌ، في سَاحةِ قِتالٍ وَمن دونِ سِلاح. العَوزُ وَالفَاقَةُ يُهاجِمانِهِ من كُلِّ صَوبٍ كَالسَّارِق وَكَالقاتِل: "شَهوَةُ الكَسلانِ تَقتُلهُ، لأنَّ يَدَيهِ لا تَعمَلان" (مثل 21 : 25). وَنِهايَتُهُ كَئيبَةٌ، لِأَنَّ حيَاتهُ لا نَفعَ منها.
تُعادُ هاتانِ الآيتانِ مرَّةً أُخرى في سفرِ الأَمثال (24 : 33 - 34)، وَهيَ حكمةٌ تَعلَّمها الكاتِبُ عِند مرورِهِ بِحقلِ الكَسلانِ وَالإِنسَانِ الفاقِدِ الرُّشْدِ، وَرأى فإِذا العِوسَجُ قد عَلاّهُ وَالشَّوكُ غطَّى وجههُ، وَجِدارُ حِجارَتهِ قدِ انْهَدَم (مثل 24: 30 - 32).

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
الكَسلُ آفةٌ قاتِلةٌ لِلإِنسانِ نَفسًا وَجسَدًا، تَجعلُ من الإِنسَانِ شَخصًا مَيتًا بينَ الأَحياء. سِفرُ الأمثالِ يَذكُرُ "الكَسلانَ" 12 مرَّةٍ، لِيُنبِّهَ القارِئَ من خُطورةِ الاسْتِسلامِ لِلكَسَل. إِنَّه آفةٌ وَتَعبيرٌ عن تَمرُّدِ الإِنسَان على الرَّب، كَالكُفرِ. إِذ عَطايَا الرَّبِ لا قيمةَ لها عِندَ الكَسلانِ، وَهو بِتَعجرُفِهِ يَعتَبِرُ نفسَهُ فَهيمًا وَعَليمًا.
في اللُّغةِ اللاَّتينيَّة، الكَسلُ هوَ الغَضَب الَّذي يُخرِّب. وَالغَضَبُ لهُ وجهانِ: هو أَوّلاً صفةٌ إلهيَّةٌ يُعبِّرُ بها الرَّبُ في الكتابِ المقدَّس، عن رَأفَتهِ وَحنانِهِ وَغيرَتهِ على خَليقَتهِ المجروحَة. غضبُ الرَّبِ هو انتِفاضةٌ ضِدَّ حُبِّهِ المرذولِ وَالمرفوضِ منَّا، إِلاَّ أَنَّ غضَبهُ يُوَلِّدُ حياةً جديدَةً وَقلوبًا جديدةً. ثانيًا، غضبُ الإِنسَانِ هوَ في أَكثرِ الأَحيانِ مُشَوَّهٌ بِالكَذِبِ، هَلا تَساءَلنا يومًا: لماذا نغضَب؟ علينا قِراءَة غَضَبنا وَأسبابِه وَنهايَته، فَإذا كانتِ النِّهايةُ تولِّدُ الحياةَ وَالفَرح، كانَ غضَبُنا صحيحًا، وإِلاَّ نكونُ قد شوَّهنا هذه الصِّفةَ وَغايَتها.
يَدعونا الرَّسولُ بولُس في رسالَتهِ إلى أهلِ غلاطيَة، لحَملِ أَثقالِ بعضِنا البَعض وإِصلاحِ زَلاّتنا (غل 6 : 1 - 2). وَدعوتُهُ تَشمُلُ الجَماعة بِأَسرِها، إِذ الكَسلانُ أَو أَيّ إنسانٍ أُخِذَ بِزلَّة يَجب إِعادَتهُ إِلى قلبِ الجَماعَة لِإصلاحِهِ.


تحميل المنشور