الأخت راغدة عبيد ر.ل.م.
مقالات/ 2023-08-04
21 والشِّرِّيرُ، إِذا رَجَعَ عن جَميعِ خطاياه الَّتي صَنَعَها وحَفِظَ جَميعَ فرائضي وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يَحْيا حَياةً ولا يَموت.
22 جَميعُ مَعاصيه الَّتي صَنَعَها لا تُذكرُ لَه، وبِبِرِّه الَّذي صَنَعَه يَحْيا.
23 ألعَلَّ هَوايَ في مَوتِ الشِّرَّير؟ يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. أَلَيسَ في أَن يَتوبَ عن طرقِه فيَحْيا؟
27 وإِذا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عن شَرِّه الَّذي صنَعَه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يُحْيِي نَفْسَه.
28 إِنه قد رَأى وتابَ عن جَميعِ مَعاصيه الَّتي صَنَعَها، لِذلك يَحْيا حَياةً ولا يَموت.
نُلاحِظُ في هذه الآيَاتِ، التي اخْتارَتها ليتورْجِيَّتُنا المارونِيَّةُ من الفَصْلِ 18 من حزقيَّال، تَرْدَادَ بَعضِ التَّعَابيرِ وَأَضْدَادَها، فَتَظْهَرُ طَريقَةَ تَكوينِ النَّص. إِنَّ جَذْر كَلمَة "حَياة" يُقَابِلُهُ "الموت"، "الشَّر" يُقَابِلُهُ "البِرّ"، وَ"المعْصِيَة" تُقَابِلُها "التَّوبَة". وَمِحوَرُ النَّصِ، هُو السّؤال في الآية 23.
أَمَّا الآيَة 21، فَتُسَاوِي الآية 27 بِبَعضِ التَّعابيرِ الَّتي تَتكَرَّر: الفِعل "رَجعَ" الَّذي يَدُلُّ على التَّوبَةِ، وَهيَ عَلامَةٌ لِرَحمَةِ الرَّبِ وَغُفْرانِهِ لِكُلِّ خَاطِئٍ يَتوبُ. بِالإِضَافَةِ إِلى الجُملَة "أَجْرَى الحَقَّ وَالبِرَّ" اللَّذَينِ هُما العَلامَةُ الأَكيدَةُ لِتَوبَةِ الخَاطِئِ وَارْتِدَادِهِ، لِأَنَّهُما صِفَتانِ إِلَهيَّتانِ (راجِع أش 33 / 5). وَهَذا الثُّنائِيُ يَرِدُ عِدَّةَ مرَّاتٍ في العَهدِ القَديمِ، وَخاصَّةً في سِفرِ حزقيّال؛ 7 مرَّاتٍ משפט ןץדקה مِشْپَاطْ وْتْصِدَقَاه. هَذا الثُّنائِيّ، يُفَسِّرهُ الكَاتِبُ ثلاثَ مرَّاتٍ مُتَتالِيَاتٍ (راجِع حز 18 / 5 – 9؛ 10 – 13؛ 15 - 17)، مُرَدِّدًا الأَعمالَ البَارَّةَ التي تقودُ إلى حَياةِ الخَاطِئِ التَّائِبِ، وَناقِضَها بِصيغَةِ النَّفي لِإِنذارِ الخَاطِئِ مِنَ الموتِ بِخَطيئَتِهِ. يُشَدِّدُ حَزقِيَّالُ على مُمارَسَةِ هَاتَينِ الفَضِيلَتَينِ البِرَّ وَالحقَّ في وَسَطِ المجتَمَعِ الإِسرائيلِيّ، الَّذي بِسَببِ خَطِيئَتِهِ "الكِبْرِيَاء"، وَارْتِكَابِهِ الشُّرورِ سَيُسَاقُ من أَرضِهِ كَـمَسْبيٍّ. إِنَّ الشَّعْبَ الإِسرائيلِيَّ، في زمنِ إِرميا وَحزقيّال، كَانَ قَد انْغَمَسَ في عِبَادَةِ الأَوثَانِ وَالممارَساتِ الوَثَنيَّة، بِالإِضَافةِ إِلى مُمارَسَةِ الظُّلمِ وَقَهرِ المسَاكينِ وَالفُقراءِ، فَتَحوَّلَت قُلوبُهُم إِلى الإِثمِ وَفَضَّلوا عِبَادةَ الأَصْنامِ على عِبَادَةِ الرَّبِ.
أَمَّا الآيَتانِ 22 وَ 28 فَـمُرتَبِطَتانِ بِالعِبارَةِ "جَميعِ معَاصيهِ الَّتي صَنَعها".
23 ألعَلَّ هَوايَ في مَوتِ الشِّرَّير؟ يَقولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. أَلَيسَ في أَن يَتوبَ عن طرقِه فيَحْيا؟
وَالمحوَرُ في آ 23 هوَ سؤالٌ بِصيغَةِ البَلاغَة، إِذْ قَارئ النَّص يُمكِنُهُ أَن يَجِدَ الجَوابَ بِسُهولَةٍ. إِنَّ صيغةَ البَلاغَةِ المطْروحِ بِها السّؤَال، هيَ طَريقَةٌ فنِّيّةٌ يَسْتعملُها الرَّبُ لِيَرُدَّ على اتِّهامِ شَعبِ إِسْرائِيلَ لهُ بِقَولِهِم: "طَريقُ الرَّبِ ليسَت مُسْتَقيمة" (حز 18 / 25. 29)، مُتَّهِمينَ هَكذا الرَّبَ، بِأَنَّهُ غَير عَادِلٍ وَمُبَرِّئِينَ ذَواتَهُم من خَطَايَاهُم، بِتَرْدَادِهِم لِذاكَ القَولِ المأثُورِ. وَلِهذا الاتِّهامِ صَدًى في نَصِّ إنجيلِ لوقا : " وَرَأَى الجَمِيعُ ذلِكَ فَأَخَذُوا يَتَذَمَّرُونَ قَائِلين: «دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئ»" (لو 19 / 7). أَمّا الرَّبُ فَيُجاوِبُهُم بِالحَقيقَةِ، إِذ جَعَلوا الإِثمَ مَعْثَرةً لَهُم، مُختارِينَ الموتَ وَالمعْصِيَةَ (راجع حز 18 / 29 - 32). لَكنَّ الرَّبَ يُعيدُ المحاوَلةَ بِلا مَلَلٍ وَيَفْتَحُ أَمامَ الشَّعبِ الخَاطِئِ بَابَ التَّوبَةِ وَالحَياةِ، لِيَمنَعهُ عَنْ سُلوكِ دَربِ الشَّرِّ وَالموت "إِصْنَعوا لَكُم قَلبًا جَديدًا وَروحًا جَديدًا. فَلماذا تموتونَ يا بَني إِسْرائِيلَ؟ فَإِنّهُ ليسَ هَوايَ بِموتِ مَنْ يَموت، يَقولُ السّيدُ الرَّب، فَارْجِعُوا وَاحْيَوا" (حز 18 / 31ب - 32).
مَا هيَ إِذًا رِسَالَةُ هذهِ الآيَاتِ، من تَكوينِها الـمُتَشَابِكِ المحوَريِّ؟ إِنَّ النَّبيّ حزقيّال يُعيدُ إِلى ذِهنِ الشَّعبِ تَعليمَ موسَى الأَخيرِ قبلَ مَوتِهِ في سِفر تثنيةِ الاشْتِراع 31 / 15 – 20، عَارِضًا أَمامَهُم طَريقَانِ: طريقَ الحياةِ وَطَريقَ الموتِ، إِلاَّ أَنَّ النَّبيّ هُنا يُرَكِّزُ عَلى طَريقِ التّوبَةِ وَالحَياةِ لِكي لا يَموتَ الخَاطئُ بَل يَحْيَا. إِرْتِدَادُ زكّا العَشَّارِ مَثلاً واضِحًا على انتِقالِ الإِنسانِ من حالَةِ الخَطيئَةِ إلى حَالةِ النِّعمَة، وَمنَ الموتِ إِلى الحياة، ومنَ الشَّرِ إِلى ممارَسَةِ أَعمالِ البرِّ وَالحقّ: " أَمَّا زَكَّا فَوَقَفَ وَقَالَ لِلرَبّ: «يَا رَبّ، هَا أَنَا أُعْطِي نِصْفَ مُقْتَنَياتِي لِلْفُقَرَاء، وَإنْ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ أَحَدًا بِشَيء، فَإِنِّي أَرُدُّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف». فقَالَ لَهُ يَسُوع: «أَليَومَ صَارَ الخَلاصُ لِهذَا البَيْت، لأَنَّ هذَا الرَجُلَ هُوَ أَيْضًا ابْنٌ لإِبْرَاهِيم. فإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ جَاءَ لِيَبْحَثَ عَنِ الضَائِعِ وَيُخَلِّصَهُ»" (لو 19 / 8 - 10).