كَسر الكلمة - العهد القديم -40- الأحد العاشر من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - العهد القديم -40- الأحد العاشر من زمن العنصرة

الأحد العاشِر من زمن العنصرة
سفر الملوك الثاني 1 / 2 - 8
2 وسَقَطَ أَحَزْيا مِن شُبّاكِ عِلّيَّتِهِ في السَّامِرة، ومَرِضَ، فأرسَلَ رُسُلًا وقالَ لَهم:  "أُمْضوا وٱستَشيروا بَعلَ زَبول، إِلهَ عَقْرون، هل أُشْفى مِن مَرَضي هذا".
3 فخاطَبَ مَلاكُ الرَّبِّ إِيليَّا التّشبِيَّ قائلًا: "قُمْ فٱصعَدْ لِمُلاقاةِ رُسُلِ مَلِكِ السَّامِرَةِ وقُلْ لَهُم: ألَعَلَّه لَيسَ إلهٌ في إِسْرائيلَ حتَّى تَذهَبوا وتَستشيروا بَعلَ زَبوب، إِلهَ عَقرون"؟
4 فلِذلك هكذا يَقولُ الرَّبّ: "إِنَّ السَّريرَ الَّذي عَلَوْتَه لا تَنزِلُ عَنه، بل تَموتُ موتًا.فمَضى إيليَّا.
5 ورَجَعَ الرُّسُلُ إِلى المَلِكِ فقالَ لَهم:"لِماذا رَجَعتُم؟"
6 فقالوا لَه: "إِنَّ رَجلًا صَعِدَ لِمُلاقاتِنا وقالَ لَنا: أُمْضوا راجعينَ إِلى المَلِكِ الَّذي أَرسَلَكم وقولوا له: هكذَا قالَ الرَّبّ: أَلَعَلَّه لَيسَ إلهٌ في إسْرائيلَ حتَّى تُرسِلَ وتَستَشيرَ بعَلَ زَبوب، إِلهَ عَقْرون؟ لِذلكَ فالسَّريرُ الَّذي عَلَوتَه لا تَنزِلُ عَنه، بل تَموت مَوتًا".
7 فقالَ لَهم: ما هَيئَةُ الرَّجُلِ الَّذي صَعِدَ لِمُلاقاتِكم وخاطَبَكم بِهذا الكلام؟
8 فقالوا لَه: "رَجُلٌ علَيه لِباسٌ مِن شَعْرٍ وعلى حَقوَيه إِزارٌ مِن جِلْد". فقال:"هو إيليَّا التِّشبِيّ".

مقدّمة
إِنَّ مهمَّةَ الرَّسولِ هيَ إِعلانُ البِشَارَةِ بِاقْتِرابِ حُلولِ مَلكوتِ الرَّب. أَي أَنَّ الحَقيقَةَ التي سَيُعلِنها، بل يَجب أَن يُعلِنها كُلّ رسولٍ، على مسَامعِ ساكِني الأَرض، هي: الـمُلكُ وَالسُّلطانُ هُما لِلرَّبِ، الخَالِقِ وَلَهُ وَحْدَهُ. بَعدَ أَن عَرَّفَتنا كَنيسَتُنا المارونِيَّةُ عَن العَلامَاتِ وَالخَصَائِصَ الّتي تُميِّزُ الرَّسول، نَنتَقِلُ هذا الأَحدَ إِلى التَّعرُّفِ على رِسالَةِ رَسولِ الرَّبِ يَسوع. في قِراءَةِ العهدِ القَديمِ، نَرى النَّبيّ إِيلِيَّا يُنَبِّهُ مَلكَ إِسرائِيلَ-السَّامِرَة، أَحَزيا (853-852 ق.م.)، من كُفرِهِ وَمِن نُكرانِهِ لِقُدرَةِ الرَّب، الَّتي ظَهَرَت جَلِيَّةً في سِفرِ الملوكِ مِن خِلالِ النَّبيّ إِيليّا (راجع 1مل 17 - 18)، إِذ ذَهبَ يَسْتَشيرُ بَعلَ زَبول، رَئيسُ الشَّياطين. وَفي نَصِّ الإِنجيلِ، يَتجَدَّدُ فِعلُ الكُفرِ، عِندَما يَتَّهِمُ الفَرّيسِيُّونَ الرَّبَ يَسوعَ بِأَنَّهُ يُخرِجُ الشَّياطينَ بِرَئيسِ الشَّياطينِ، إِعتِرافًا مِنهُم بِرَفضِهِم لِلرَّبِّ وَلِـمَن أَرْسَلَهُ لِخَلاصِ النَّاس. أَمَّا في نَصِّ الرِّسَالَةِ، فَيُشيرُ الرَّسولُ بولُس إِلى أَهمَّيةِ عمَلِ الرُّوحِ القُدُسِ في الإِنسَانِ المؤْمِنِ، إِذ يَجعَلُهُ رَسولَ الحَقيقَةِ، أَي أَنَّ يسوعَ هوَ ابْنُ اللهِ، وَأَنّهُ بِقُدرَةِ اللهِ وَحدَهُ، يَصنَعُ المعْجِزَاتِ وَالشِّفاءاتِ.
إِنَّ روحَ الرَّبِ هوَ قُدْرَةُ الحَياةِ وَمِلؤُها، فَلْنَطلُبْهُ في كُلِّ وَقتٍ وَمكَانٍ وَحَالٍ.

تفسير الآيات
2 وسَقَطَ أَحَزْيا مِن شُبّاكِ عِلّيَّتِهِ في السَّامِرة، ومَرِضَ، فأرسَلَ رُسُلًا وقالَ لَهم:  "أُمْضوا وٱستَشيروا بَعلَ زَبول، إِلهَ عَقْرون، هل أُشْفى مِن مَرَضي هذا".
في بِدَايَةِ النَّصِ يُذكَرُ اسْمُ أَحَدِ مُلوكِ إِسرائِيلَ، أَحَزيا، وَالغَريبُ بِذكرِهِ، أَنَّهُ مِن غَيرِ لَقَبِهِ "مَلكِ إِسرائِيل"! فَـمَن هوَ أَحَزيا؟ وَلِماذا لا يُذكَرُ أَنَّهُ مَلكُ إِسرائيلَ؟ يُخْبِرنا سِفر الملوكِ الأَوّل، أَنّ أَحَزيا هوَ ابْنُ آحابَ ملكِ إِسرائيلَ، الّذي قيلَ عنهُ: "وَصَنعَ آحابُ بنُ عُمري الشَّرَ في عَينَي الرَّبِّ أَكثرَ مِن كُلِّ مَن تَقدَّمهُ. وزادَ آحابُ في إِسخاطِ الرَّبِ إِلهِ إسرائِيلَ، على كُلِّ مَن تَقدَّمهُ من ملوكِ إِسرائيل" (1مل 16 / 30 . 33؛ راجع 1مل 16 / 29 – 22 / 38). فَملَكَ ابنُهُ أَحزيا سنَتَينِ (853 – 852 ق.م.): "وصَنعَ الشَّرَ في عينيِ الرَّبِ، وَسارَ في طريقِ أَبيهِ وَطريقِ أُمِّه،.. سجدَ لِلبَعلِ وَأَسخطَ الرَّبَ، على حسَبِ كلِّ ما صنَعهُ أَبوه" (1مل 22 / 53 - 54).
تَدورُ أَحداثُ هذهِ القِصَّة في السَّامِرة، أَي في مملكَةِ الشّمال في إِسرائيل. وَهي بُقعةٌ عُرِفَت بِتمرُّدِها، بِسَبَبِ انفِتاحِ ساكِنيها، شَعبِ إِسرائيلَ، على عِبادةِ الأَوثانِ وَالبَعل، كما ورَدَ في قِصَّةِ آحابَ.
بَعدَ موتِ هذا الأَخيرِ، تَجبَّرَ وَقَويَ الموآبيّونَ على إِسرائيلَ (2مل 3 / 4 - 5)، فَحدثَ قِتالٌ بينَ موآبَ وإِسرائيلَ، فَسَقطَ أَحزيا من شُبَّاكِ عِلِّيّتهِ وَمَرِضَ. فَلجَأَ إِلى الآلهةِ الغَريبَةِ، لِمعرِفةِ مُستَقبَلِ مرضِهِ، وَلَم يَأبَهَ بإِلهِ إِسرائيل. لِهذا السَّبَبِ، لم يَسْتَحِقَّ أَحزيا لَقبَ ملكِ إسرائيل، لِأَنَّهُ نبِذَ الرَّبَ. 

3 فخاطَبَ مَلاكُ الرَّبِّ إِيليَّا التّشبِيَّ قائلًا: "قُمْ فٱصعَدْ لِمُلاقاةِ رُسُلِ مَلِكِ السَّامِرَةِ وقُلْ لَهُم: ألَعَلَّه لَيسَ إلهٌ في إِسْرائيلَ حتَّى تَذهَبوا وتَستشيروا بَعلَ زَبوب، إِلهَ عَقرون"؟
فَتدخَّلَ الرَّبُ مُباشَرةً، لِيوقِفَ أَحزيا عن رَغبَتهِ العَقيمَةِ، بِطلبِ المعونَةِ من أَصنامٍ بُكمٍ وَعُميٍ لا روحَ لها. هذا يَدلُّ على أَنَّ مَلكَ إِسرائيلَ الحَقيقيَّ هوَ الرَّبُ إِلهُ إِسرائيلَ، هوَ وحدَهُ يَحقُّ لهُ هذا اللَّقب. أَرسَلَ الرَّبُ نبيَّهُ إِيليّا لِإِيقاظِ أَحزيا من سَقطَتهِ.
بعلَ زَبول أَو بعلَ زَبوبَ هما اسمانِ لِوثنٍ واحدٍ هوَ إلهُ عقرونَ. عَقرونُ هيَ مسَاحةٌ كَبيرةٌ لِلشَّعبِ الفِلسطينيّ الّذي كانَ عَدوُّ إِسرائيلَ، إِلاّ أَنَّ أَحَزيا، كَأُمِّهِ إيزابَل وَأَبيهِ آحاب، مَالا قَلبَيهِما إِلى الغُرباءِ فَعبَدا الأَوثانَ. وَمعنى اسْمُ بَعلَ زَبوب "إلهُ الذّباب" أَو "سيِّدُ الأعالي وَسيِّدُ الـبَيت أو الـمَسْكِن" وَهذا الصَّنم كَانَ في العَهدِ القَديمِ عَدوًّا لِإِلهِ إِسرائيلَ وَبشَكلٍ خاصٍّ في سِفرَي الملوك. لأَنَّ الشُّعوبَ القَديمَةَ وَمن بينِهم إِسرائيلَ، كانُوا يَظنّونَ أَنَّ الآلِهةَ التي صَوَّرتها الشُّعوبُ بِالأَصنامِ المختَلِفة، وَمن بَينهم يَهوه، كَانوا في حَربٍ دائِمَة وَتحَدٍّ لا يَنتَهي. أَمّا الإِنسانُ فكانَ عَليهِ أَن يُقدّم عبادَتهُ لِلإِلهِ الأَقوى، لِهذا السَّبَبِ كانَ ملوكُ إِسرائيلَ يَعبُدونَ آلهةً غريبَةً، حَقَّقَت انتِصاراتٍ لِشُعوبِها. أَمَّا فِكرةُ الإِيمانُ بِالإِلهِ الأَحَدِ، فقَد تطَلَّبَ مَسيرةً طويلَةً وَعَناءً كَبيرًا للِأنبياءِ رُسُلِ الرَّب.
نلاحِظُ أَنَّ الرَّبَ يُعيدُ لِأَحزيا لقبَهُ وَصِفتهُ كمَلكِ السَّامرة، مَحاولةً منهُ لِإنقاذهِ من ضَلالِهِ وَخُبْثهِ. لِأنَّ الرَّبَ يَعتني بِشَعبِهِ من خِلالِ شَخصِ الملِك، فَإذا ضلَّ هذا، تَبِعهُ هَؤُلاء، وَحلَّ غَضَبُ الرَّبِ من جَديد (راجع 1مل 17).

4 فلِذلك هكذا يَقولُ الرَّبّ: "إِنَّ السَّريرَ الذي عَلَوْتَه لا تَنزِلُ عَنه، بل تَموتُ موتًا.فمَضى إيليَّا.
هُنا، يُوجِّهُ الرَّبُ لَعنَةً لِأَحَزيا، نازِعًا عَنهُ لا الـمُلكَ وَحَسبُ بَل حَياتَهُ، لِأَنَّهُ وَحدَهُ ربُّ الحَياةِ وَالقادِرُ على الشِّفاءِ. أَمَّا إِيليَّا، فَيَظهرُ بَعدَ لِقائِهِ بالرَّبِ في جبَلِ حوريبَ (راجع 1 مل 19)، أَكثَرَ هدوءًا وَأَقلَّ مُبادَرةً، إِذ نَراهُ هُنا يَخرُجُ من مَكَانهِ فقَط بِأَمرٍ منَ الرَّبِ، وَيتكلَّم بِكلِّ ما يَقولهُ لهُ، ثمَّ يعودُ إِلى عُزلَتهِ معَ الرَّب. إِنَّهُ صورةٌ أَمينةٌ لِرَسولُ الرَّبِ الأَمينِ وَالمطيعِ.
مَوتُ آحازَ يُشبِهُ موتَ أَبيهِ، إِذ الْتَقى إيليّا النَّبيّ الّذي أَعلَنَ لهُ عن مَوتِهِ (راجع 1مل 21 / 17 - 26 ؛ 22 / 29 - 38).

5 ورَجَعَ الرُّسُلُ إِلى المَلِكِ فقالَ لَهم:"لِماذا رَجَعتُم؟"
6 فقالوا لَه: "إِنَّ رَجلًا صَعِدَ لِمُلاقاتِنا وقالَ لَنا: أُمْضوا راجعينَ إِلى المَلِكِ الَّذي أَرسَلَكم وقولوا له: هكذَا قالَ الرَّبّ: أَلَعَلَّه لَيسَ إلهٌ في إسْرائيلَ حتَّى تُرسِلَ وتَستَشيرَ بعَلَ زَبوب، إِلهَ عَقْرون؟ لِذلكَ فالسَّريرُ الَّذي عَلَوتَه لا تَنزِلُ عَنه، بل تَموت مَوتًا".

نلاحِظُ أَمانَةَ رُسُلِ الملِكِ بِنَقلِ كَلماتِ الرَّبِ وَنَبيَّهُ إيليَّا، فلَم يَزيدوا وَلَم يُنقِصُوا في الكَلامِ، بَل كانوا أُمناءَ في كُلِّ شيءٍ. هؤُلاءِ الرُّسلِ هم أَبناءُ الشَّعبِ الإِسرائيلِيّ الأَبرياء، الّذينَ يَشْهَدونَ على ضَلالِ مَلكِهم وَالّذي سَيؤدّي بِهم هم أَيضًا إِلى الضَّلال، إِذا تَبِعوهُ وَلَم يَسمعوا إِلى النَّبيّ إيليّا. 

7 فقالَ لَهم: ما هَيئَةُ الرَّجُلِ الَّذي صَعِدَ لِمُلاقاتِكم وخاطَبَكم بِهذا الكلام؟
8 فقالوا لَه: "رَجُلٌ علَيه لِباسٌ مِن شَعْرٍ وعلى حَقوَيه إِزارٌ مِن جِلْد". فقال:"هو إيليَّا التِّشبِيّ".

عَرفَ الملِكُ أَنَّ رُسلهُ يَحمِلونَ لهُ كلمةَ الرَّب، لِهذا سَألَهم عن مَظهرِ الرَّجل النّبيّ إِيليّا. كَانَ هذا النَّبيّ مُختَلفًا عن سُكّانِ السّامرةِ بِلبَاسِه، الذي هو لِباسُ الأنبياءِ جميعًا وهو عِبارةٌ عن إِزارٍ وَمعطفٍ مُبطَّنٍ بِفَرو. فَعرَفهُ آحازُ.

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
إِنَّ ملكَ إِسرائيلَ جَدَّفَ على الرَّبِ بِاتِباعِهِ بَعلَ زبولَ، فَاعتَرفَ أَنَّ الرّوحَ العَاملَ فيهِ لَيسَ روحُ الرَّبِ بَل الرّوح الغَريبُ، الّذي يَقودُ الى الإثمِ وَالخَطيئَةِ العَظيمة، أَي الكُفرُ وَالتَّجديفُ على الرَّب (1قو 12 / 1 -11). لِنَنتَبِه إِذًا، لِتَعليمِ هذه القراءةِ من العهد القَديمِ. العِبادةُ الحَقيقيَّةُ لَيسَت فَصلِيَّةً وَلا مَنوطَةً بِأَحداثٍ يُظهرُ فيها اللهُ قُدرَتهُ، فَالعِبادةُ الحَقيقيَّةُ تَقومُ على الأَمانةِ للرَّبِ الواحِدِ. لِنَحذَرْ منَ الأَصنامِ! لِنَختَبِر الحياةَ بِالرَّبِ ومَعهُ.
كما تُعلِّمنا هذه القِراءَة أَن نُميِّزَ بينَ صَوتِ رَسولِ الرَّب وَصَوتِ رَسولِ الغَريب. فَالأوَّلُ يَعتَرفُ بالرَّبِ وَبقُدرَتهِ، أَمّا الثاني فهو روحُ الفرّيسيّينَ الذي يَنسِبُ عمَلَ الرَّبِ إِلى بَعل زَبول إلهِ الشَّياطين (متى 12 / 22 – 32).
وفي النّهايَةِ، يَدعونا هذا النَّص إِلى الإِصغاءِ إلى أَصواتِ رُسلِ الرَّب، هنا إِيليَّا، أَمّا في أَيّامِنا، فَلَدينا أَقوال وَعظات البابا فرنسيس، كلمةَ الرَّبِ في الكتاب المقدَّس، الرّسائِل الباباويّة.


تحميل المنشور