الأخت راغدة عبيد ر.ل.م.
مقالات/ 2023-06-30
2 فدَخَلَ فِيَّ الرُّوح، لَمَّا تَكَلَّمَ معي وأَقامَني على قَدَمَيَّ؛ وسَمِعتُ المُتكَلِّمَ معي،
إِلاَّ أَنَّ النَّبيَّ وَجَدَ نَفْسَهُ، أَمَامَ هَذِهِ الرُّؤيا، غَيرَ قَادِرٍ عَلى الوُقوف وَلا عَلى السَّمَاع. فَأَرسَلَ الرَّبُ إِلَيهِ الرُّوحَ، وَهوَ روحُ الحَيَاةِ وَالقُوّة وَالشَّجاعَةِ الَّذي يُشَدِّدُ الـمُرْسَلينَ لِيَقِفوا وَيَنْطَلِقُوا إِلى الرِّسَالَةِ، مُتَزَوِّدينَ مِن كَلِمَةِ الرَّبِ الّتي يَنالُونَها بِالسَّماع. دُخولُ الرُّوحِ في النَّبيّ، جَعَلهُ رَسُولاً كَما جَعَلَ أَيضًا، تَلاميذَ الرَّبِ يَسوعَ رُسُلاً في العَالَم.
3 فقالَ لي:"يا ابنَ الإِنْسان، إِّني مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُناسٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمرَدوا عَلَّي، فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هذا اليَومِ نَفْسِه،
4 فأُرسِلُكَ إِلى البَنينَ الصِّلابِ الوُجوهِ القُساةِ القلوب، فتَقولُ لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ:
5 سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، - فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - سيَعلَمونَ أَنَّ بَينَهم نَبِيًّا.
بَعدَ أَن مَنَحَ الرَّبُ روحَهُ لِلنَّبيّ وَصَارَ مُسْتَعِدًّا لِقَبولِ الرِّسَالَةِ وَفَهمِها، يُفَسِّرُ الرَّبُ لَهُ مُحْتَوَى الرِّسَالَة وَإِلى مَنْ يَجِبُ عَليهِ أَن يَتَوجَّه. فَالنَّبيُّ مُرْسَلٌ إِلى بَني شَعبِهِ الإِسرائِيلِيِّينَ الـمَعْروفِينَ بِتَمرُّدِهِم وَعُصْيانِهِم لِلرَّب. إِنَّ الرَّبَ يُرسِلُ نَبِيَّهُ في مَهمَّةٍ لامَنطِقِيَّةٍ، إِذْ الـمَقصُودونَ غَيرُ آبِهينَ، وَهُم جِيلٌ عَاصٍ مُنذُ البِدَايَةِ، فَلا أَصْلَ جَيِّدَ لَهم، لأنَّ آبَاءَهُم أَيضًا عَصوا الرَّبَ. أَمَّا هُم الأَبْناءُ، فَمُتصَلِّبونَ وَقُسَاة. هَذا الوَصْفُ لِلجيلِ الجَدِيدِ يُظْهِرُ كَيفَ أَنَّ العُصْيَانَ القَديمَ لِلآبَاءِ يُصبِحُ أَكثَرَ قَسَاوةً مَعَ مُرورِ الوَقتِ، إِذَا لَم يُعَالَجْ بِسُرعَة.
إِنَّ اللاَّزِمَتانِ " سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا "، "- فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - " خَاصَّتانِ في سِفرِ حَزقِيَّال وَتَرِدَانِ عِدَّةَ مرّات (2 / 5 .7؛ 3 / 11)، (3 / 9؛ 26 – 27؛ 12 / 2 – 3. 9. 26 - 27) كَعلامَةٍ عَلى قَسَاوةِ قُلوبِ شَعْبِ إِسْرائِيلَ وَعَلى لاَمُبَالَاتِهِم: "هَكذا قَالَ الرَّب: مَنْ أَرادَ أَنْ يَسمَع، فَلِيَسْمع، وَمَن أَرادَ أَلاَّ يَسْمَع، فَلا يَسْمَع، فَإِنَّهُم بَيتُ تَمرُّد" (حز 3 / 27). أَمَّا هَدَفُ رِسَالَةِ النَّبيّ حَزقِيَّال، هيَ أَن يَعْرِفَ الشَّعبُ الـمُتمَرِّدُ أَنَّ الرَّبَ أَرسَلَ لَهُم نَبيًّا مِن بَينِهِم، أَي أَنَّ الرَّبَ حَاضِرٌ بَينَهُم مِن خِلالِ نَبيِّهِ. وَحُضُورُ النَّبيّ هُوَ رَمزٌ لِحضُورِ الرَّبِ وَانتِظَارِهِ لِعَودَةِ شَعبِهِ إِلَيهِ مِنْ خِلالِ إِصغَائِهِم لِصَوتِ النَّبيّ وَكَلمَتِهِ. إِلاَّ أَنَّ "بَيتَ تَمرُّد" يَعني -بحَسَبِ سِفرِ حزقيّالَ- "لَهُم عُيونٌ لِيَرَوا وَلا يَرَون، وَلَهُم آذَانٌ لِيَسْمَعوا وَلا يَسْمَعونَ، لأَنَّهُم بَيتُ تَمرُّد" (حز 12 / 2). ما يَعني الرَّفضَ التَّامَ لِشَعبِ الرَّب، لِسَماعِ كَلمةِ الرَّب وَالعَملِ بِها، فقَد وَجَّهوا حَواسَهُم لِرَفضِ كُلِّ ما هوَ منَ الرَّب.
أَمَامَ هَذا الوَاقِعِ، يَتَسَاءَلُ القَارِئُ: مَاذَا يُمكِنُهُ أَنْ يَفعَلَ نَبيُّ الرَّبِ لِهَكذا شَعْب؟
6 وأَنتَ يا ابنَ الإِنْسان، فلا تَخَفْ مِنهم ولا تَخَفْ مِن كَلامِهم، لأَنَّهم يَكونونَ معَكَ عُلَّيقًا وشَوكًا، ويَكونُ جُلوسُكَ على العقارِب. مِن كَلامِهم لا تَخَفْ ومِنُ وجوهِهم لا تَرتَعِبْ، فإِنَّهم بَيتُ تَمَرّد".
تَرِدُ عِبارًةُ "لا تَخَف" عِدَّةَ مرّاتٍ في هذهِ الآيَةِ، وَهيَ الآيَةُ الوَحيدَةُ الَّتي فيها يَأمُرُ الرَّبُ نَبيَّهُ بِعَدَم الخَوف. وَالرَّبُ يُعطِي سَبَبًا لِلنَّبيّ لِعَدمِ وُجودِ أَيِّ سَببٍ لِهذا الخَوف، أَي "فَإِنَّهم بيتَ تَمرُّد". إِذِ الإِنسَانُ الـمُتمَرِّدُ، أَي الَّذي يَرفُضُ الطَّاعَةَ لِصَوتِ الرَّب وَنَبِيَّهُ، هوَ ضَعيفٌ هَزيلُ القُوَّة ِوَلَيسَ قَوِيًّا كَما يُحَاوِلُ أَن يَظْهَر أَو أَن يَقُول. كَما أَنَّ الرَّبَ يَصِفُهم بالعُلَّيقِ وَالشَّوك، اللَّذَينِ لا يَصْمُدَانِ أَمامَ كَلِمةِ الرَّب الَّتي هيَ نَارٌ (راجع حز 1 / 26 - 27).
أَمَّا العِبَارَةَ "فَلا تَخَفْ بَينَهُم وَلا تَرْتَعِب مِن وُجوهِهِم، فَإِنَّهم بَيتُ تَمرُّد" (حز 3 / 9)، فَتظهَرُ في سِفرِ حزقِيّال وَفي سِفرِ إِرمِيا النَّبيّ الـمُعاصِر (إِر 1 / 17)، دَلالَةً عَلى شَعبِ إِسرائِيلَ العَاصِي مُنذُ حَدَاثَتِهِ لِوَصايا الرَّب.
3 / 10 وقالَ لي: "يا ابنَ الإِنْسان، جَميعُ الكَلام الَّذي أُكُلِّمكَ به خُذْه في قَلبِكَ واسمَعْه بأُذُنَيكَ،
يُوَجِّهُ الرَّبُ نَبيَّهُ في حَمْلِ الرِّسَالَةِ، في قَلبِه وَفي أُذُنَيهِ. إِنَّهُ إِختِبَارُ أَنبياءِ العَهدِ القَديم، الـمُعبَّرِ عَنهُ مُبَاشَرةً أَو غَير مُبَاشَر. إِذِ القَلبُ وَالأُذنُ مُتَّصِلانِ (راجع أي 32 / 18 – 20؛ إر 20 / 7 - 9). وَيُشَدِّدُ النَّبيُّ على الإِصغاءِ إِذ تَرِدُ عِبارَةُ "اسْمَعهُ بِأُذُنَيكَ" مَرَّتَينِ أَيضًا (40 / 4؛ 44 / 5)، لأَنَّ السَّماعَ يُوقِظُ الذَّاكِرَةَ.
11 واذهَبْ وامْضِ إِلى المَجلُوِّين، إِلى بَني شَعبِكَ، وكَلِّمْهم وقُل لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ، سَواءٌ أَسَمِعوا أم لم يَسمَعوا".
وَالآنَ، يُطْلِقُ الرَّبُ رَسولَهُ إِلى الرِّسَالَةِ، بَعدَما هَيَّأَهُ بِواسِطَةِ روحِهِ الَّذي يُشَدِّدُهُ، وَبواسِطَةِ كَلمَتِهِ. فَالرَّسُولُ عَليهِ أَن يُبَشِّر غَيرَ آبِهٍ بِرَدَّةِ فِعلِ السَّامِعينَ، لِأَنَّ البِشَارَةَ يَجِبُ أَن تَصِلَ إِلى الجَميعِ بِدونِ تَمييز.
12 ثُمَّ رفعني الرُّوح، فسَمِعتُ خَلْفي صَوتَ جَلَبَةٍ عَظيمة: تبارَكَ مَجدُ الرَّبِّ في مَكانِه.
"ألرُّوحُ" في سِفرِ حَزقيّالَ لَهُ دَورًا أَساسِيًّا، إِذ من دونِهِ لا رَسولَ وَلا رِسَالَةَ، كَما يَقولُ نَصُّ إِنجيلِ متّى "وحِيْنَ يُسْلِمُونَكُم، لا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَو بِمَاذَا تَتَكَلَّمُون، فَإِنَّكُم سَتُعْطَوْنَ في تِلْكَ السَاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ. فَلَسْتُم أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِيْن، بَلْ رُوحُ أَبِيْكُم هُوَ الْمُتَكَلِّمُ فِيْكُم" (متى 10 / 19 - 20)، وَكَما يَشهَدُ الرَّسولُ بولُس عَلى مَوهِبَةِ الرُّوحِ القُدُسِ القَادِرَةِ أَن تُوزِّعَ مهَمَّاتِ الرِّسالَةِ على كَافَّةِ مُعَاوِني الرَّبِ في البِشَارَةِ، كُلٌّ على حَسَبِ دَعوَةِ الرَّبِ لهُ (راجع 1قور 12).