كَسر الكلمة - العهد القديم -36- الأحد السادس من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - العهد القديم -36- الأحد السادس من زمن العنصرة

الأحد السّادس من زمن العنصرة
سفر حزقيال: 2 / 1 – 6 + 3 / 10 - 12
2 / 1 فقالَ لي:"يا ابنَ الإِنسان، قُمْ على قَدَمَيكَ فأَتَكلَمَ معَك".
2 فدَخَلَ فِيَّ الرُّوح، لَمَّا تَكَلَّمَ معي وأَقامَني على قَدَمَيَّ؛ وسَمِعتُ المُتكَلِّمَ معي،
3 فقالَ لي:"يا ابنَ الإِنْسان، إِّني مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُناسٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمرَدوا عَلَّي، فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هذا اليَومِ نَفْسِه،
4 فأُرسِلُكَ إِلى البَنينَ الصِّلابِ الوُجوهِ القُساةِ القلوب، فتَقولُ لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ:
5 سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، - فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - سيَعلَمونَ أَنَّ بَينَهم نَبِيًّا.
6 وأَنتَ يا ابنَ الإِنْسان، فلا تَخَفْ مِنهم ولا تَخَفْ مِن كَلامِهم، لأَنَّهم يَكونونَ معَكَ عُلَّيقًا وشَوكًا، ويَكونُ جُلوسُكَ على العقارِب. مِن كَلامِهم لا تَخَفْ ومِنُ وجوهِهم لا تَرتَعِبْ، فإِنَّهم بَيتُ تَمَرّد".
3 / 10 وقالَ لي: "يا ابنَ الإِنْسان، جَميعُ الكَلام الَّذي أُكُلِّمكَ به خُذْه في قَلبِكَ واسمَعْه بأُذُنَيكَ،
11 واذهَبْ وامْضِ إِلى المَجلُوِّين، إِلى بَني شَعبِكَ، وكَلِّمْهم وقُل لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ، سَواءٌ أَسَمِعوا أم لم يَسمَعوا".
12 ثُمَّ رفعني الرُّوح، فسَمِعتُ خَلْفي صَوتَ جَلَبَةٍ عَظيمة: تبارَكَ مَجدُ الرَّبِّ في مَكانِه.

مقدّمة
إِنَّ الدَّعوةَ وَالإِرسال هُما واقِعًا واحِدًا، إِلاَّ أَنَّ كَنيسَتنا تَدْعُونا لِلتَّأمُّلِ في كُلِّ موضوعٍ على حِدَى. فَالأَحدَ الماضي تَأَمَّلنا في دَعوَةِ الرُّسُلِ الاثنَي عَشَر (راجع متى 10/ 1 - 7)، إِذ دَعاهُم الرَّبُ بِأَسمائِهِم كمَا دَعَا في الماضي يَعقوبَ ابْنِ إِسحَقَ الَّذي منهُ انْحَدَرَ أَسباطُ إِسرائيلَ الاثنَي عَشَر (خر 1 / 1 - 7). وَاليَومَ، تَدعونَا كَنيسَتُنا لِلدُّخولِ في سِرِّ الرِّسَالَةِ وَإِعلانِ البِشَارَة وَمُتطَلِّبَاتِهِما، من خِلالِ:
- نَصِّ حَزقيّالَ النَّبيّ الَّذي يَصِفُ صُعوبَةَ نَشْرِ كَلِمَةِ الرَّبِ في وَسَطِ شَعبٍ مُتمَرِّدٍ: قًالَ الرَّبُ " إِّني مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُناسٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمرَدوا عَلَّي، فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هذا اليَومِ نَفْسِه "،
- وَنَصِّ الإِنجيلِيّ مَتَّى "هَا أَنَا أُرْسِلُكُم كَالخِرَافِ بَيْنَ الذِئَاب. فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّات، ووُدَعَاءَ كَالْحَمَام. إِحْذَرُوا النَاس!" (متى 10/ 16 - 17).
هَذهِ النُّصوصُ الـمُختارَةُ لِلمُناسَبَة، تُوقِظُ فينا مَسؤُولِيَّةَ إِعلانِ إِيمانِنَا عَلى مَسَامِعِ الجَميع، فَإِذا سَمِعوا خَلَّصُوا أَنفُسَهم وَإِن لَم يَسمَعوا تَمَرَّدُوا وَخَسِرُوا نُفوسَهُم. أَمَّا نَحنُ، تَلاميذَ الرَّبِ وَأَبْناءَهُ، فَمهمَّتُنا هيَ التَّبشير إِعلانُ البِشَارَة في كُلِّ وَقتٍ وَكُلِّ مَكَانٍ.

تفسير الآيات
2 / 1 فقالَ لي:"يا ابنَ الإِنسان، قُمْ على قَدَمَيكَ فأَتَكلَمَ معَك".
إِنَّ هذا الـمَقطَعَ مِن نصَّنا الرّؤيَوِيّ هوَ قِسمٌ من رُؤيَا تَمتَدُّ عَلى الفُصولِ الثّلاثَةِ الأُولَى من سِفرِ النَّبيّ حَزقيّال (حز 1 – 3 / 14). فَالإِطَارُ هوَ رُؤيَا مَجدِ الرَّبّ الّذي تَجلَّى لِلنّبيّ وهوَ في أَرضِ الجَلاء، بينَ شَعْبِهِ الـمَسبيّ إِلى نهرِ كَبار أَي أَرضِ الكَلدانِيِّين. عَاصَرَ حزقِيَّالُ دَمارَ أُورَشَليمَ على يَدِ نَبوكَدنَصَّر (598 ق.م.) وَرَافَقَ شَعبَهُ إِلى أَرضِ الجَلاء لِيَحمِلَ لَهُم بُشْرَى الخَلاص.
يَبْدَأُ هذا القِسمُ الثّاني منَ الرّؤيا بِدَعْوةِ الرَّبّ لِحزقيّالَ، لإِطْلاقِهِ إِلى الرِّسَالَة. يُسَمّيهِ ملاكُ الرَّبِ "إِبنَ الإِنسان"، وَهوَ لَقَبٌ يَنفَرِدُ فيهِ النَّبيُّ حزقيّال وَيَدُلُّ عَلى حُضورِ النَّبيّ-الإِنسَان أَمامَ الرَّبّ؛ فَالإِنسَانُ في حَضْرَةِ الرَّب يَعِي هُويَّتَهُ البَشَريَّةِ، إِذ هوَ يَنْتَمي إِلى الجَمَاعَةِ البَشَرِيَّة وَيُمَثِّلُها أَمَامَ الرَّب.
يَأْمُرُ الرَّبُ حَزقِيّال بِالوُقوفِ عَلى قَدَمَيهِ، عَلامَةَ الاسْتِعْدَادِ لِقَبُولِ مَسْؤُولِيِّةِ الرِّسَالَة، إِذْ هيَ لا تَتَحمَّلُ الانْتِظَارَ بَعْد. وَيَأْمُرَهُ أَيضًا، بِالإسْتِمَاع مَا يُذَكِّرُنَا بِدَعوَةِ الرَّب لِشَعْبِهِ لِلإِصغَاء "إِسْمَع يا إِسرَائِيل" (تث 5 / 1؛ 6 / 4). هَذهِ الدَّعْوَةُ هِيَ فِعْلُ إِيقَاظٍ لِحَواسِ الإِنْسَانِ بَل لِكُلِّ كِيَانِهِ، لِأَنَّهُ بِالسَّمَاعِ أَو الإِصغاءِ تَنْتَعِشُ ذَاكِرَةُ الإِنسَان، فَيَتذكَّر شَعبُ الرَّبِ جَميلَ الرَّبِ معَهُ وَعِنايَتَهُ الَّتي لَم تَتْرُكهُ حَتَّى في مَعصِيَتهِ لِوصَاياهُ وَاتِّبَاعِهِ آلِهةً أُخرَى.

2 فدَخَلَ فِيَّ الرُّوح، لَمَّا تَكَلَّمَ معي وأَقامَني على قَدَمَيَّ؛ وسَمِعتُ المُتكَلِّمَ معي،
إِلاَّ أَنَّ النَّبيَّ وَجَدَ نَفْسَهُ، أَمَامَ هَذِهِ الرُّؤيا، غَيرَ قَادِرٍ عَلى الوُقوف وَلا عَلى السَّمَاع. فَأَرسَلَ الرَّبُ إِلَيهِ الرُّوحَ، وَهوَ روحُ الحَيَاةِ وَالقُوّة وَالشَّجاعَةِ الَّذي يُشَدِّدُ الـمُرْسَلينَ لِيَقِفوا وَيَنْطَلِقُوا إِلى الرِّسَالَةِ، مُتَزَوِّدينَ مِن كَلِمَةِ الرَّبِ الّتي يَنالُونَها بِالسَّماع. دُخولُ الرُّوحِ في النَّبيّ، جَعَلهُ رَسُولاً كَما جَعَلَ أَيضًا، تَلاميذَ الرَّبِ يَسوعَ رُسُلاً في العَالَم.

3 فقالَ لي:"يا ابنَ الإِنْسان، إِّني مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُناسٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمرَدوا عَلَّي، فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هذا اليَومِ نَفْسِه،
4 فأُرسِلُكَ إِلى البَنينَ الصِّلابِ الوُجوهِ القُساةِ القلوب، فتَقولُ لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ:
5 سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا، - فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - سيَعلَمونَ أَنَّ بَينَهم نَبِيًّا.

بَعدَ أَن مَنَحَ الرَّبُ روحَهُ لِلنَّبيّ وَصَارَ مُسْتَعِدًّا لِقَبولِ الرِّسَالَةِ وَفَهمِها، يُفَسِّرُ الرَّبُ لَهُ مُحْتَوَى الرِّسَالَة وَإِلى مَنْ يَجِبُ عَليهِ أَن يَتَوجَّه. فَالنَّبيُّ مُرْسَلٌ إِلى بَني شَعبِهِ الإِسرائِيلِيِّينَ الـمَعْروفِينَ بِتَمرُّدِهِم وَعُصْيانِهِم لِلرَّب. إِنَّ الرَّبَ يُرسِلُ نَبِيَّهُ في مَهمَّةٍ لامَنطِقِيَّةٍ، إِذْ الـمَقصُودونَ غَيرُ آبِهينَ، وَهُم جِيلٌ عَاصٍ مُنذُ البِدَايَةِ، فَلا أَصْلَ جَيِّدَ لَهم، لأنَّ آبَاءَهُم أَيضًا عَصوا الرَّبَ. أَمَّا هُم الأَبْناءُ، فَمُتصَلِّبونَ وَقُسَاة. هَذا الوَصْفُ لِلجيلِ الجَدِيدِ يُظْهِرُ كَيفَ أَنَّ العُصْيَانَ القَديمَ لِلآبَاءِ يُصبِحُ أَكثَرَ قَسَاوةً مَعَ مُرورِ الوَقتِ، إِذَا لَم يُعَالَجْ بِسُرعَة.
إِنَّ اللاَّزِمَتانِ " سَواءٌ أَسَمِعوا أَم لم يَسمَعوا "، "- فإِنَّهم بَيتُ تَمَرُّد - " خَاصَّتانِ في سِفرِ حَزقِيَّال وَتَرِدَانِ عِدَّةَ مرّات (2 / 5 .7؛ 3 / 11)، (3 / 9؛ 26 – 27؛ 12 / 2 – 3. 9. 26 - 27) كَعلامَةٍ عَلى قَسَاوةِ قُلوبِ شَعْبِ إِسْرائِيلَ وَعَلى لاَمُبَالَاتِهِم: "هَكذا قَالَ الرَّب: مَنْ أَرادَ أَنْ يَسمَع، فَلِيَسْمع، وَمَن أَرادَ أَلاَّ يَسْمَع، فَلا يَسْمَع، فَإِنَّهُم بَيتُ تَمرُّد" (حز 3 / 27). أَمَّا هَدَفُ رِسَالَةِ النَّبيّ حَزقِيَّال، هيَ أَن يَعْرِفَ الشَّعبُ الـمُتمَرِّدُ أَنَّ الرَّبَ أَرسَلَ لَهُم نَبيًّا مِن بَينِهِم، أَي أَنَّ الرَّبَ حَاضِرٌ بَينَهُم مِن خِلالِ نَبيِّهِ. وَحُضُورُ النَّبيّ هُوَ رَمزٌ لِحضُورِ الرَّبِ وَانتِظَارِهِ لِعَودَةِ شَعبِهِ إِلَيهِ مِنْ خِلالِ إِصغَائِهِم لِصَوتِ النَّبيّ وَكَلمَتِهِ. إِلاَّ أَنَّ "بَيتَ تَمرُّد" يَعني -بحَسَبِ سِفرِ حزقيّالَ- "لَهُم عُيونٌ لِيَرَوا وَلا يَرَون، وَلَهُم آذَانٌ لِيَسْمَعوا وَلا يَسْمَعونَ، لأَنَّهُم بَيتُ تَمرُّد" (حز 12 / 2). ما يَعني الرَّفضَ التَّامَ لِشَعبِ الرَّب، لِسَماعِ كَلمةِ الرَّب وَالعَملِ بِها، فقَد وَجَّهوا حَواسَهُم لِرَفضِ كُلِّ ما هوَ منَ الرَّب.
أَمَامَ هَذا الوَاقِعِ، يَتَسَاءَلُ القَارِئُ: مَاذَا يُمكِنُهُ أَنْ يَفعَلَ نَبيُّ الرَّبِ لِهَكذا شَعْب؟

6 وأَنتَ يا ابنَ الإِنْسان، فلا تَخَفْ مِنهم ولا تَخَفْ مِن كَلامِهم، لأَنَّهم يَكونونَ معَكَ عُلَّيقًا وشَوكًا، ويَكونُ جُلوسُكَ على العقارِب. مِن كَلامِهم لا تَخَفْ ومِنُ وجوهِهم لا تَرتَعِبْ، فإِنَّهم بَيتُ تَمَرّد".
تَرِدُ عِبارًةُ "لا تَخَف" عِدَّةَ مرّاتٍ في هذهِ الآيَةِ، وَهيَ الآيَةُ الوَحيدَةُ الَّتي فيها يَأمُرُ الرَّبُ نَبيَّهُ بِعَدَم الخَوف. وَالرَّبُ يُعطِي سَبَبًا لِلنَّبيّ لِعَدمِ وُجودِ أَيِّ سَببٍ لِهذا الخَوف، أَي "فَإِنَّهم بيتَ تَمرُّد". إِذِ الإِنسَانُ الـمُتمَرِّدُ، أَي الَّذي يَرفُضُ الطَّاعَةَ لِصَوتِ الرَّب وَنَبِيَّهُ، هوَ ضَعيفٌ هَزيلُ القُوَّة ِوَلَيسَ قَوِيًّا كَما يُحَاوِلُ أَن يَظْهَر أَو أَن يَقُول. كَما أَنَّ الرَّبَ يَصِفُهم بالعُلَّيقِ وَالشَّوك، اللَّذَينِ لا يَصْمُدَانِ أَمامَ كَلِمةِ الرَّب الَّتي هيَ نَارٌ (راجع حز 1 / 26 - 27).
أَمَّا العِبَارَةَ "فَلا تَخَفْ بَينَهُم وَلا تَرْتَعِب مِن وُجوهِهِم، فَإِنَّهم بَيتُ تَمرُّد" (حز 3 / 9)، فَتظهَرُ في سِفرِ حزقِيّال وَفي سِفرِ إِرمِيا النَّبيّ الـمُعاصِر (إِر 1 / 17)، دَلالَةً عَلى شَعبِ إِسرائِيلَ العَاصِي مُنذُ حَدَاثَتِهِ لِوَصايا الرَّب.

3 / 10 وقالَ لي: "يا ابنَ الإِنْسان، جَميعُ الكَلام الَّذي أُكُلِّمكَ به خُذْه في قَلبِكَ واسمَعْه بأُذُنَيكَ،
يُوَجِّهُ الرَّبُ نَبيَّهُ في حَمْلِ الرِّسَالَةِ، في قَلبِه وَفي أُذُنَيهِ. إِنَّهُ إِختِبَارُ أَنبياءِ العَهدِ القَديم، الـمُعبَّرِ عَنهُ مُبَاشَرةً أَو غَير مُبَاشَر. إِذِ القَلبُ وَالأُذنُ مُتَّصِلانِ (راجع أي 32 / 18 – 20؛ إر 20 / 7 - 9). وَيُشَدِّدُ النَّبيُّ على الإِصغاءِ إِذ تَرِدُ عِبارَةُ "اسْمَعهُ بِأُذُنَيكَ" مَرَّتَينِ أَيضًا (40 / 4؛ 44 / 5)، لأَنَّ السَّماعَ يُوقِظُ الذَّاكِرَةَ.

11 واذهَبْ وامْضِ إِلى المَجلُوِّين، إِلى بَني شَعبِكَ، وكَلِّمْهم وقُل لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ، سَواءٌ أَسَمِعوا أم لم يَسمَعوا".
وَالآنَ، يُطْلِقُ الرَّبُ رَسولَهُ إِلى الرِّسَالَةِ، بَعدَما هَيَّأَهُ بِواسِطَةِ روحِهِ الَّذي يُشَدِّدُهُ، وَبواسِطَةِ كَلمَتِهِ. فَالرَّسُولُ عَليهِ أَن يُبَشِّر غَيرَ آبِهٍ بِرَدَّةِ فِعلِ السَّامِعينَ، لِأَنَّ البِشَارَةَ يَجِبُ أَن تَصِلَ إِلى الجَميعِ بِدونِ تَمييز.

12 ثُمَّ رفعني الرُّوح، فسَمِعتُ خَلْفي صَوتَ جَلَبَةٍ عَظيمة: تبارَكَ مَجدُ الرَّبِّ في مَكانِه.
"ألرُّوحُ" في سِفرِ حَزقيّالَ لَهُ دَورًا أَساسِيًّا، إِذ من دونِهِ لا رَسولَ وَلا رِسَالَةَ، كَما يَقولُ نَصُّ إِنجيلِ متّى "وحِيْنَ يُسْلِمُونَكُم، لا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَو بِمَاذَا تَتَكَلَّمُون، فَإِنَّكُم سَتُعْطَوْنَ في تِلْكَ السَاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ. فَلَسْتُم أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِيْن، بَلْ رُوحُ أَبِيْكُم هُوَ الْمُتَكَلِّمُ فِيْكُم" (متى 10 / 19 - 20)، وَكَما يَشهَدُ الرَّسولُ بولُس عَلى مَوهِبَةِ الرُّوحِ القُدُسِ القَادِرَةِ أَن تُوزِّعَ مهَمَّاتِ الرِّسالَةِ على كَافَّةِ مُعَاوِني الرَّبِ في البِشَارَةِ، كُلٌّ على حَسَبِ دَعوَةِ الرَّبِ لهُ (راجع 1قور 12). 

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
 قَالَ الرَّبُ يَسوعَ مُخْتَصِرًا رِسَالَةَ رَسولِهِ بينَ الشُّعوب: "لَيْسَ تِلْميذٌ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، ولا عَبْدٌ مِنْ سَيِّدِهِ. حَسْبُ التِلْمِيذِ أَنْ يَصِيْرَ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ، والعَبْدِ مِثْلَ سَيِّدِهِ. فَإِنْ كَانَ سَيِّدُ البَيْتِ قَدْ سَمَّوْهُ بَعْلَ زَبُول، فَكَمْ بِالأَحْرَى أَهْلُ بَيْتِهِ؟" (متى 10 / 24 - 25). وَالرَّبُ في العَهدِ القَديمِ، حَضَّرَ أَنبياءَهُ لِواقِعِ الاضْطِّهادِ الَّذي يَنتَظِرُهُم من أَبْناءِ شَعْبِهم، لأَنَّ كَلمَةَ الرَّبِ هيَ الحَقيقَةُ، وَهذا العَالَمُ يَرفُضُ نورَ الحَقيقَة.
قِراءَةُ العَهدِ القَديمِ تُوقِظُ ضَمائِرَنا، بِتَردَادِ عِبارَةِ لامُبالاةِ الشَّعبِ " أَسَمِعوا أم لم يَسمَعوا"، لِتَحُثَّنا جَميعًا على ضَرورَةِ إِعلانِ اقْتِرابِ مَلكوتِ السَّماواتِ بَينَنا، من دونِ الاكْتِراثِ بِلامُبالاةِ السَّامِعينَ. هُنا السّؤال: هَلْ نُبَشِّرُ في كُلِّ آنٍ وَمكان؟ هَلْ نُبَشِّرُ إِخوَتنا الضَّالّينَ عن طَريقِ الإِيمان؟
كمَا تَشْهَدُ هذه القِراءَةُ على مَحبَّةِ الرَّبِ اللاّمُتَناهِيَةِ لِشَعْبِهِ العَاصِي. فَرَغمَ تَمرُّدِهِ، لا يَسْتَسْلِمُ الرَّبُ عَن مَشروعِ خَلاصِهِ لَهُ، بَل يُعيدُ الـمُحاوَلةَ من جَديدٍ بِإِرسَالِهِ نَبيًّا جَديدًا لِـمُحاوَلةٍ جَديدَة.


تحميل المنشور