كَسر الكلمة - العهد القديم -35- الأحد الخامس من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - العهد القديم -35- الأحد الخامس من زمن العنصرة

الأحد الخامس من زمن العنصرة
سفر الخروج: 1 / 1 - 7
1 هذه أَسْمَاءُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ دَخَلوا مِصرَ مع يَعْقوب، كُلُّ واحِدٍ مع بَيتِه دَخَلوا:
2 رأُوبين وشِمْعون ولاوي وَيَهوذا،
3 ويَسَّاكَر وزَبولون وبَنْيامين،
4 ودان ونَفْتالي وجاد وأَشير.
5 وكان مَجْموعُ الْنُّفوسِ الخارجةِ مِن صُلْبِ يَعْقوبَ خَمسَةً وسَبْعين نَفْسًا. وَأَمَّا يُوسُفُ فكانَ في مِصْر.
6 وماتَ يُوسُفُ وجَميعُ إِخوَتِه وسائِرُ ذلك الجيل.
7 وَنمى بَنو إِسْرائيلَ وتوالَدوا وكَثُروا وعَظُموا جِدًّا جِدًّا، وٱمتَلأَتِ الأَرضُ مِنهم.

مقدّمة
تحتفلُ كنيسَتنا المارونيّة اليومَ بِدعوةِ الرّبِ يسوعَ المسيحِ إلى تلاميذِه الاثنَي عشَر، لِيُرسِلَهم لِإِعلانِ البِشَارة: "وفِيمَا أَنْتُم ذَاهِبُون، نَادُوا قَائِلين: لَقَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَمَاوَات" (متى 10 / 7). وَأَصدَقَ شَهادَةٍ عنِ الرَّسُول الحَقّ، هو نَصُّ رسالَةِ بولُسَ الرَّسول إلى أهلِ فيليبّي، فيها، يَكتُبُ دُستورَ إِيمَانِهِ الخاصِّ النّابِعِ من اخْتِبارِهِ الشّخصيّ للرَّبّ يسوع المسيح: "إِنَّ كُلَّ الأُمُورِ الَّتي كَانَتْ لِي رِبْحًا، حَسِبْتُهَا مِن أَجْلِ الـمَسيحِ خُسْرَانًا. لِكَي أَعْرِفَهُ وأَعْرِفَ قُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وأَشتَرِكَ في آلامِهِ، مُتَشَبِّهًا بِهِ في مَوتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ القِيَامَةَ مِن بَيْنِ الأَمْوَات" (فيل 3 / 7 . 10 - 11). فَاللهُ منذُ البَدءِ، اختارَ أَشخاصًا لِيُرسِلَهُم في مهَمَّاتٍ مُختَلِفةٍ، إلاَّ أَنَّ الهَدَفَ الوَحيدَ هوَ "مَعرِفَةُ الرَّب" وَالّتي هيَ غَايَةُ الإِنْسَانِ الوَحيدَةِ وَرَغْبَتُهُ الدَّفينَةُ. فَـمِنَ العَهدِ القَديمِ، تَخْتارُ كَنيسَتُنا قِراءَةً من سِفرِ الخُروجِ، فيها تُتْلَى أَسماءُ الأَسباطِ الإِثنا عَشَر، الّذينَ بَعَثَهُمُ الرَّبُ إِلى مِصرَ خِلالَ سِنِي الـمَجاعَةِ التي حَلَّت في الأَرضِ كُلِّها. إِلاَّ أنَّ يوسُفَ نَجَّى شَعبَ إسرائيلَ وَمِصرَ من هَذهِ الكَارِثَة، وَتَكاثَرَ الإِسرائيلِيُّونَ في مِصرَ، مِـمّا أَدَّى إِلى اضطِّهادِ الـمِصريِّينَ لَهم.

تفسير الآيات
1 هذه أَسْمَاءُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ دَخَلوا مِصرَ مع يَعْقوب، كُلُّ واحِدٍ مع بَيتِه دَخَلوا:
مَعَ هَذا النَّصِّ، يُفْتَتَحُ سِفرُ الخُروج لِيَذْكُرَ جيلَ الآبَاءِ الأوّلِين، آباءِ الأَسباطِ الاثنَي عَشَر الـمُتحَدِّرينَ من يَعقوب. دَخَلَ هذا الجيلُ أَرضَ مِصرَ، بَحثًا عنِ القُوتِ في زَمَانِ الـمَجاعَةِ، فَاسْتَقبَلَهُمُ الـمِصرِيُّونَ آنَذاكَ، على كَونِهِم إِخوَةُ يوسُفَ، وَمَلَّكوهُم أَراضٍ وَخَيراتٍ كَثيرَةٍ. إِلاَّ أَنَّ سُكْنى إِسرائيلَ في أَرضِ الوَثَنِيِّينَ، أَصْبَحَ بَعدَ مَوتِ يوسُفَ، جَحيمًا لا تُطَاق، إِذ انْتَقَلَ الحُكْمُ إِلى فِرعَونٍ ظالِمٍ لَم يَعْرِف يوسُفَ ولا مَا فَعَلهُ لِخَلاصِ مِصرَ وَازْدِهَارِها، فَاضطَّهَدَ الشَّعبِ الإِسرائِيليَّ.
نُلاحِظُ إِطارَ هَذا النَّص (خر 1 / 8 - 22) الَّذي يُشبِهُ إِطَارَ نَصِّ الإِنجيلِ في متّى 10 (متى 10 / 16 - 42)، إِذْ بَعدَ تَعْدَادِ أَسمَاءِ وَعَدَد الأَسْباط من جِهَة، وَأَسماءِ وَعَدَد التَّلاميذِ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَة، يَنْتَقِلُ الـمَشْهَدُ إِلى جَوِّ إِعْلانِ اضطِّهادٍ ضِدَّ كُلُّ مَنْ يُؤْمِن بِالرَّب. فَالإِسرائِيلِيُّونَ يُضطَّهَدونَ من فِرعَونَ مِصر، لِأَجلِ نُمُـوِّهِم الكَبِير، وَهوَ علامَةٌ لِبَرَكةِ الرَّب لِشَعبِهِ: قالَ الرَّبُ لِيَعقوبَ في الحُلم: "ويَكونُ نَسْلُكَ كَتُرابِ الأَرضِ، فَتنْتَشِرُ غَربًا وَشَرقًا وَشَمالاً وَجنوبًا، وَيَتبارَكُ بِكَ وَبِنَسلِكَ جَميعُ عَشَائِرِ الأَرض" (تك 28 / 14). وَالتَّلاميذُ الاثْنَي عَشَر يُضطَّهَدونَ لأَجلِ إِيمَانِهِم بِالرَّب يَسوعَ المسِيح، وَلِأَنَّهم يُعلِنونَ بِاسمِهِ شِفاءَ الـمَرضَى وَالـمَمْسُوسِين.
فَفي هَذهِ الآيَةُ ذِكْرٌ لِاسْمَينِ يَدُلاَّنِ عَلى الشَّخْصِ نِفْسِهِ، أَي يَعقوبَ وَإِسرائِيلَ. فَفي هَذا، ذِكْرٌ لِـمُصارَعَةِ يَعقُوبَ لِـمَلاكِ الرَّب في مَخاضَةِ يَبّوق. حينَذاكَ، غَيَّرَ مَلاكُ الرَّبِ اسْمَ يَعقوبَ بِاسمِ "إِسرائِيلَ"، لِأَنَّهُ قَوِيَ على النَّاسِ وَعلى الله (راجِع تك 32 / 28 - 29). إِلاَّ أَنَّ دُخولَ بَني إِسرائِيلَ إِلى مِصرَ، كانَ عَلى يَدِ يوسُفَ، إِلاّ أَنَّ الكَاتِبَ يُسَلِّطُ الضَّوءَ عَلى يَعقُوبَ، لِأَنَّ بِنَسْلِهِ، حَقَّقَ الرَّب وُعودَهُ لِإسرائِيلَ.

2 رأُوبين وشِمْعون ولاوي وَيَهوذا،
3 ويَسَّاكَر وزَبولون وبَنْيامين،
4 ودان ونَفْتالي وجاد وأَشير.

لائِحَةُ أَسماءِ بَني إِسرائيلَ هَذه، مَأخوذَةٌ من نَصِّ سِفرِ التَّكوين (35 / 23 - 26)،  وَلها نَفسَ التَّرتيبِ أَي منِ البِكر إِلى الأَصغَر. إِلاَّ أَنَّ مَرجَع سِفرِ التَّكوين يَذكُرُ اسْمَ الأُمّ، لأَنَّ الأَولادَ اليَهود يُسَمَّونَ بِاسمِ الأُمّ.

5 وكان مَجْموعُ الْنُّفوسِ الخارجةِ مِن صُلْبِ يَعْقوبَ خَمسَةً وسَبْعين نَفْسًا. وَأَمَّا يُوسُفُ فكانَ في مِصْر.
6 وماتَ يُوسُفُ وجَميعُ إِخوَتِه وسائِرُ ذلك الجيل.

في الآيَةِ 5 نُلاحِظُ العَلاقَةَ بينَ هذا النَّصّ وَنصّ سفرِ التَّكوين (46 / 26 - 27)، الّذي يَحوي نَفسَ الـمَعلومَاتِ عن عَدَدِ بَني إِسرائيل. وَالرَّقم 75 يَرِدُ أَيضًا، في خِطابِ إِسطِفان يَومَ استِشْهادِهِ (راجِع أع 7 / 14).
أَمّا يوسُف، الّذي كانَ السَّبَبَ بِدخولِ بَني إِسرائِيلَ أَرضَ مِصرَ، يُذكَرُ اسمُهُ في نِهايَةِ اللاَّئِحَة، وَيُختَتَمُ مَعهُ جيلُ بَني يَعقوبَ، لِيَبْدَأَ النَّصُ بِقِصَّةٍ جَديدَةٍ معَ إِطارٍ مُختَلفٍ.

7 وَنمى بَنو إِسْرائيلَ وتوالَدوا وكَثُروا وعَظُموا جِدًّا جِدًّا، وٱمتَلأَتِ الأَرضُ مِنهم.
هَذِهِ الآيَةُ تُعْلِنُ صِدْقَ الرَّبِ بِـمَواعِدِهِ وَوُعودِهِ لِيَعقُوب: "وَيَكونُ نَسْلُكَ كَتُرابِ الأَرض، فَتَنْتَشِرُ غَرْبًا وَشَرقًا، وَشَمالاً وَجَنوبًا،..." (راجِع تك 20 / 14). نُموُّ شَعْبِ الرَّب سَيُوَلِّدُ في قَلبِ فِرعَونَ الظَّالِمِ الرَّغْبَةَ بِالانتِقَامِ خَوفًا عَلى السُّلطَة.
هَذهِ الآيَةُ تُصَوِّرُ شَعبَ الرَّبِ الكَبير وَتَميُّزَهُ بينَ الـمِصرِيِّينَ، لا فقَط بِكَثرَتِهِم بَل أَيضًا بِعَظمَتِهم وَقُوَّتِهِم. هكذا كانَ الـمُؤمِنونَ بِالرَّبِ يَسوعَ المسِيحِ يَتزايَدونَ كَثرَةً وَإِيمانًا، وَامتلأتِ الأَرضُ من أَصواتِهِم وَمنَ البِشَارةِ بِسرِّ قيامَةِ الرَّب منَ الأَموات.

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
إِنَّ هذا النَّصِ يُحَاكِي وَاقِعَنا اليَومَ، إِذ نُلاحِظُ أَنَّ حُبَّ السُّلطَةِ يُقَسِّي قَلبَ الإِنسَانِ، وَيَنشُرُ في أَرجَائِهِ الخَوفَ، فَيُبَاشِرُ بِاضطِّهَادِ الشَّعْبِ.
 كَما أَنَّ هذا النَّص يُبَيِّنُ واقِعَ دَعوَةِ الرَّب لِلإِنسَانِ بِاتِّبَاعِهِ، فَهوَ واقِعٌ صَعبٌ، وَالـمَدعوّ مُعرَّضٌ للاضطِّهادِ، إِذ حَيثُ يَكونُ الرَّبُ حاضِرًا، تَكثُرُ التَّجارِب (راجع سي2 / 1).



تحميل المنشور