الأخت راغدة عبيد ر.ل.م.
مقالات/ 2023-05-19
11 لا تَسرِقوا ولا تَكذِبوا ولا يَخدَعْ أَحَدٌ قَريبَه.
12 ولا تَحلِفوا بِٱسْمي كَذِبًا، فتُدَنِّسَ ٱسمَ إِلهِكَ: أَنا الرَّبّ.
وَالآنَ، يَعْرِضُ الكَاتِبُ بَعْضَ الشَّرائِعِ الّتي على الشَّعبِ أَن يَتجَنَّبَها لِكَي يُحافِظَ على عَلاقَتِهِ بِالرَّب. نُلاحِظُ أَنَّ هذِهِ المجموعَةُ منَ الأَحكامِ تُشْبِهُ بِوضوحٍ مَجموعَة الوَصايا العَشْر، بِاسْتِعمالِ صيغَةِ الـمَنْع أَو الرَّفضِ التَّام وَالنِّهائِيّ "لا" الجَذريَّة، كَما عَلَّمَنا الرَّبُ يسوعُ بِقَولِهِ : "لِيَكُنْ كَلامُكُم نعَم نعَم وَلا لا" (متى 5 / 37) وَتُشْبِهُ الوَصايا أَيضًا بِالـمَضمونِ. كَما نُلاحِظُ التَّرتيبَ لِهَذهِ الشَّرائِع، بِتَحديدِ أَقسامِها الـمُتَساوِيَةِ 2 - 2... بِواسِطَة اللاَّزِمة النِّهائِيَّة: "أَنا الرَّبّ".
فَمجموعَةُ الوَصَايا هذِهِ مُؤَلَّفةٌ على سُلَّمِ الوَصَايا العَشر:
فَالآيَةُ (آ 11) "لا تَسْرِقوا" تُعادِل (خر 20 / 15) وَ"لا يَخدَعْ أَحدٌ قَريبَهُ" تُعادِل "إِنْ وُجِدَ إِنسانٌ قَد خَطِفَ نَفسًا مِنْ إِخوَتِهِ مِن بَني إِسرائِيل، فَعامَلَها كَالعَبدِ أَو بَاعَها، ..." (تث 24 / 7، راجع أَيضًا تث 19 / 16 – 21؛ 24 / 14 - 15).
أَمَّا (آ 12) فَهيَ الشَّريعَةُ الخَاصَّةُ بِاسْمِ الرَّبِ القُدُّوسِ (خر 19 / 7؛ تث 5 / 11). وَهيَ تَدُلُّ بِصيغَتِها العِبرِيَّةِ على زَمَنِ الجَلاءِ، إِذ مِن أَحَدِ أَسبابِ سَبيِ الشَّعبِ الإِسرائيلِيِّ عَن أَرضِهِ، كَاتَ تَدْنيسُ إِسمِ الرَّبّ بينَ الأُمَم مِنْ قِبَلِ الأَنبياءِ الكَذَبَةِ بِشَكلٍ خاصّ (راجع إر 27 / 15).
هَذا القِسْمُ منَ الشَّرائِعِ يَطَالُ دَاخِلَ الإِنسَانِ أَي مَا يَفعَلُهُ في الخَفَاءِ، في قَلبِهِ سِرًّا. فَالرَّبُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ بِهَكذا تَصرُّفاتٍ خَفيَّة وَخَبيثَةٍ، السَّرِقَةَ وَالكَذِب. وَهَاتانِ الآفَتانِ تَقضِيانِ على الجَماعَةِ فَتُفَكِّكِها وَتَقطَعَ أَوصَالَها.
13 لا تَظلِمْ قَريبَكَ ولا تَسلِبْه، ولا تُبِتْ أُجرَةَ الأَجيرِ عِندَكَ إِلى الغَد.
14 لا تَلعَنِ الأصَمّ، وأَمامَ الأَعْمى لا تَضَعْ مَعثَرَةً، واتَّقِ إِلهَـــكَ: أَنا الرَّبّ.
(آ 13) تُعادِلُ: "لا تَسْتَغِلَّ أَجيرًا مِسكينًا أَو فَقيرًا مِن إِخوَتِكَ، .. بَل اِدْفَع إِليهِ أُجرَتَهُ في يَومِهِ وَلا تَغِبْ عَلَيها الشَّمس..." (تث 24 / 14 - 15). نُلاحِظُ أَنَّ نصَّ سِفرِ التَّثنيَة يَشْرَحُ بِالتَّفصيلِ هَذهِ الشَّرائِع، لِأَنَّها اخْتُبِرَت حَقيقَةً وَهيَ مُؤَلَّفةٌ إِنطِلاقًا منَ الواقِعِ الإِجتماعِيِّ في ذاكَ الزَّمان. خِلالَ زَمنِ الجَلاءِ وَبَعدَهُ، صَارَ هَمُّ اللاَّوِيّينَ، وَكَانُوا قادَةُ الشَّعبِ الرُّوحِيّينَ آنَذاك، الحِفَاظَ على وِحْدَةِ الشَّعبِ وَإِيمَانِهِ من خِلالِ التَّذكيرِ بِالشَّريعَةِ وَتَفسيرِهَا.
أَمّا (آ 15) فَهيَ مُفْرَدةٌ بينَ جَميعِ الشَّرائِع وَمُرتَبِطَةٌ بِالتَّقوَى أَي بِـمَخافَةِ الرَّبّ. إِذ هوَ الرَّبُ خَلَقَ الأَصَمَّ وَالأَعمَى (خر 4 / 11)، وَعِلَّاتِهِما لَيسَتا لِلهُزءِ بَل لِتَمجيدِ الرَّب: "كَانَ ذَلكَ لِتَظهَرَ فيهِ أَعمالُ الله" (يو 9 / 1 - 3).
هَذهِ الشَّريعَةُ تَدُلُّ عَلى طَريقَةِ التَّصرُّفِ الّتي كَانَت مُنتَشِرةً في إِسرائِيلَ تُجاهَ الصُمِّ وَالعُميَانِ، إِذْ كَانَ الفرِّيسيّونَ يَعتَبِرونَ هَذهِ الأَنواعَ منَ العِلَلِ الجسَديَّةِ سَبَبَ خَطيئَةٍ، فَكَانُوا يَهزَأُونَ مِنهُم: "أَتُعلِّمَنا أَنتَ وَقَد وُلِدتَ كُلُّكَ في الخَطايَا؟" (يو 9 / 34). في هَذِه الشَّرائِعِ تَسُودُ الـمحبَّةُ وَالرَّحْمَةُ على الضُّعَفاءِ وَالـمَرضَى، لا كَشَرائِعِ الفَرّيسيِّينَ القَاسِيَةِ.
15 لا تَجوروا في الحُكْم، ولا تُحابِ وَجهَ الفقير ولا تُكرِمْ وَجهَ العَظيم، بَل بِالعَدْلِ تَحكُمُ لِقَريبِكَ.
16 ولا تَسعَ بِالنَّميمةِ بَينَ شَعبِكَ، ولا تُطالِبْ بِدَمِ قَريبِكَ: أَنا الرَّبّ.
هَاتانِ الآيَتانِ تُذَكِّرانِ بسفرِ الخروج 23 / 1 – 8: "لا تَنقُل خَبَرًا كَاذِبًا، وَلا تَضَعْ يَدَكَ معَ الشِّريرِ لِشَهادَةِ زُور ...". أَلعَدلُ هيَ صِفةٌ إلَهيَّةٌ فيها الـمحبَّةُ وَالإِنصافُ بينَ الجَميع. إِنَّ هذهِ الشَّرائِعَ تَدعو إِلى الـمَغفِرَةِ لِلقَريب، فَكمَا الرَّبُ يُعامِلُ الخَاطِئَ بِالرَّحمَةِ وَالعَدلِ، هَكذا كُلُّ إسرائيليٍّ عليهِ أَن يُعامِلَ قَريبَهُ.
أَمَّا بِما يَختَصُّ بِالنَّميمَةِ، فَالنَّبيُّ إِرميا يَترُكُ لنَا أَحداثًا عن الفَسَادِ الأَخلاقيِّ الَّذي كانَ مُنتَشِرًا في زَمَنِ الجَلاءِ وَبِخاصَّةٍ النَّميمَة: "لِيَحْذَر كُلُّ واحِدٍ من صَديقِهِ، وَلا يَتَّكِلْ عَلى أَحدٍ من إِخْوَتِعِ، فَإِنَّ كُلَّ أَخٍ يُريدُ أَن يَأخُذَ مَكانَ أَخيهِ، وَكُلَّ صَديقٍ يَسْعى بِالنَّميمَة" (إر 9 / 3؛ راجع 6 / 28؛ 9 / 1 - 9). كُلُّ هَذهِ الشَّرائِعِ تُوصِي الشَّعبَ بِالـمَحبَّةِ بَعضِهِم لِبَعض، بِطريقَةٍ غيرِ مُباشَرَةٍ.
17 لا تُبغِضْ أَخاكَ في قَلبِكَ، بل عاتِبْ قَريبَكَ عِتابًا، فلا تَحمِلَ خَطيئَةً بِسَبَبِه.
18 لا تَنْتَقِمْ ولا تَحقِدْ على أَبْناءِ شَعبِكَ، وأَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ: أَنا الرَّب".
معَ هَاتانِ الشَّريعَتانِ تُخْتَتَمُ الـمَجموعَةُ (1 - 16)، إِذ نُلاحِظُ تَغيِيرًا في صيغَةِ التَّعبيرِ وَفي الأُسلوبِ بِذِكْرِ التَّعويضِ: لا تُبْغِضْ، بَلْ عَاتِبْ وَلا تَحْقِدْ، بَلْ/وَأَحْبِبْ. هَكذا تَعيشُ الجَماعَةُ بِسَلامٍ وَتَسودُ بينَ أَعضَائِها المحبَّةُ وَالسَّلام (مز 133). لَقَد حَاوَلَ اللاَّوِيُّونَ أَنْ يَجْمَعوا بينَ أَفرادِ الشَّعبِ الإِسرائيلِيّ فَيُكَوِّنوا مِنهُم جَماعَةً واحِدَةً، يَحْتَرِمُ أَعضَاؤُها بَعضِهم البَعض وَيَحمِلونَ ضُعْفَ بَعضِهِم بِصَبرٍ وَتَكونُ العَدالَةُ ميزَانُ الحُكم بَينَهُم. يَنتَهي سُلَّمُ هذهِ الوَصَايا بِالوَصِيَّةِ الَّتي تُلَخِّصُ القِسمَ الثَاني منَ الوَصايا العَشرِ الـمُرتَبِطَةِ بِالقَريب: "أَحْبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ" (متّى 22 / 39). كَما لاحَظْنا، هذهِ الشَّرائِعُ مُوَجَّهةٌ لِلقَريبِ، وَالقَريبُ في العَهدِ القَديمِ كَانَ يَعني القَريبَ في الإِيمانِ أي الشَّعبَ اليهوديّ، أَمَّا البَاقونَ منَ الأُمَمِ فَهُم غُرَباءُ وَأَسفارُ التَّوراةِ كَانَت تُحَذِّرُ من مُعاشَرَةِ عابِدي الأَوثَان. أَمَّا العَهدُ الجَديدُ فَيَجعَلُ القَريبَ، كُلُّ إِنسَانٍ مَهما كَانت دِياناتهُ أَو مَرَضَهُ أَو انتِماءَهُ، لِأَنَّ ابْنَ اللهِ يَسوعَ الـمَسيحِ رَبِّنا جَاءَ لِيَدعو الجَميعَ إِلى مَعرِفَةِ الرَّبِّ وَإِلى الخَلاص.