كَسر الكلمة - العهد القديم -8- عيد الميلاد

كَسر الكلمة - العهد القديم -8- عيد الميلاد

عيدُ الـميلاد الـمَجيد
سِفْر أشعيا: 8 / 23 + 9 / 1 – 5
23 فلَيسَ لَيلٌ لِلَّتي كانَت في الضِّيق. في الزَّمانِ الأَوَّل أَذَلَّ أَرضَ زَبولونَ وأَرضَ نَفْتالي وأَمَّا في الزَّمانِ الأخير فسيُمَجِّدُ طَريقَ البَحر عِبرَ الأُردُنِّ، جَليلَ الأُمَم.
1 الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نورًا عَظيمًا والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلام أَشرَقَ علَيهم النُّور.
2 كَثَّرتَ لَه الأُمَّة وَفَّرتَ لَها الفَرَح، يَفرَحون أَمامَكَ كالفَرَحِ في الحِصاد، كٱبتِهاجِ الَّذينَ يَتَقاسَمونَ الغَنيمة.
3 لِأَنَّ نيرَ ثِقْلِها وعَصا كَتِفِها وقَضيبَ مُسَخِّرِها قد كسَّرتَها كما في يَومِ مِديَن
4 إِذ كُلُّ حِذاءٍ يُحدِثُ جَلَبَة وكُلُّ ثَوبٍ مُتَلَطِّخٍ بِالدِّماء يَصيرانِ لِلحَرْقِ ووَقودًا لِلنَّار.
5 لِأَنَّه قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا ٱبنٌ  فصارَتِ الرِّئاسةُ على كَتِفِه ودُعِيَ ٱسمُه عَجيبًا مُشيرًا إِلهًا جَبَّارًا، أَبا الأَبَد، رَئيسَ السَّلام.

مقدّمة
إِنَّ كَنِيسَتَنَا الـمَارُونِيَّةَ تَدْعُونَا في عِيدِ مِيلادِ الرَّبِّ يَسُوعَ، إِلى قِرَاءَةِ قِصَّةِ مِيلاَدِ الرَّبِّ بِحَسَبِ إِنْجِيلِ لُوقَا الَّذِي يُخْبِرُنَا عَنْ الرُّعَاةِ البُسَطَاءِ الَّذِينَ أَصْبَحُوا شُهُودَ حَقٍّ لِحَدَثِ تَجَسُّدِ ابْنِ الله. أَمَّا قِرَاءَةُ العَهْدِ القَدِيمِ، فَهِيَ نَصُّ نُبُوءَةٍ مِنَ سِفْرِ النَّبيِ أَشَعيا، كَانَتْ قَدْ أَشَارَت، مُنْذُ 730 سَنَةٍ قَبْلَ الـمَسِيحِ، إِلى مِيلادِ الرَّبِّ يَسُوعَ الإِنْسَانِ وَالإِلَهِ، أَلـمُخَلِّصِ وَالنُّورِ الحَقِّ الآتِي لِيُنِيرَ السَّالِكِينَ في الظُّلْمَةِ. وَنَصُّ الرِّسَالةِ إلى العِبْرَانِيِّينَ يَجْمَعُ بَيْنَ العَهْدَيْنِ القَدِيمِ وَالجَدِيدِ، لِيُظْهِرَ أَنَّ ميلاَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ يُكَمِّلُ النُّبُؤاتَ القَدِيمَةَ وَيَهَبَهَا مَعْنَاهَا الحَقِيقِيَّ.
أَلإِطَارُ الَّذِي يَحْوِي نَصَّنَا، هُوَ مَجْمُوعَةُ نُبُوءَاتٍ عَنْ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِي تَرَكَ الرَّبَّ وَشَرِيعَتَهُ وَاخْتَارَ الِانْقِيَادَ إِلَى الأَشُورِيِّينَ، الَّذِينَ يَشْتَهِرُونَ بِالغِنَى وَالقُوَّةِ وَالسُّلْطَةِ وَبِالخَيْرَاتِ الزَّمَنِيَّةِ (رَاجِعْ أش 8 / 1 - 22). فَالشَّعْبُ الإِسْرَائِيلِيُّ كَانَ آنَذَاكَ ضَعِيفًا، بِسَبَبِ مَلِكِهِ آحَازَ الَّذِي فَضَّلَ اتِّبَاعَ تِغْلَتْ فَلاسَّرَ، مَلِكِ أَشُور، عَلى اتِّبَاعِ الرَّبِّ وَتَعَالِيمِهِ. فَإِسْرَائِيلُ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى قَائِدٍ يُؤْمِنُ بِالرَّبِّ وَيَثِقُ بِقُدْرَتِهِ، وَلَكِن عَهْدَ آحَازَ كَانَ عَهْدَ ضِيقٍ وَظُلْمَةٍ لِأَنَّهُ بِتَوَاطُئِهِ مَعَ مَلِكِ أَشُورَ، انْقَلَبَ هَذَا الأَخِيرُ عَلَيْهِ فَدَمَّرَ أُورَشَليمَ وَقَتَلَ أَهْلَهَا وَجَلَى قِسْمًا كَبِيرًا مِنَ اليَهُودِ (2مل 17 / 6 . 26؛ 18 / 11؛ 2أخ 28 / 16 – 20؛ أش 37).
ثُمَّ يَأْتِي نَصُّنَا، مُبَاشَرَةً بَعْدَ هَذِهِ الـمَجْمُوعَةُ، لِيُعْلِنَ بِنُبُوءَةٍ جَدِيدَةٍ، بِدَايَةً جَدِيدَةً وَفَجْرًا جَدِيدًا وَدَعْوَةً لِلرَّجَاءِ لِـمَدِينَةِ أُورَشَلِيمَ الَّتِي دَمَّرَهَا مَلِكُ أَشُورَ وَأَحْرَقَهَا وَأَسْدَلَ عَلَيْهَا وِشَاحَ الحُزْنِ وَالظُّلْمَةَ.

تفسير الآيات
23 فلَيسَ لَيلٌ لِلَّتي كانَت في الضِّيق. في الزَّمانِ الأَوَّل أَذَلَّ أَرضَ زَبولونَ وأَرضَ نَفْتالي وأَمَّا في الزَّمانِ الأخير فسيُمَجِّدُ طَريقَ البَحر عِبرَ الأُردُنِّ، جَليلَ الأُمَم.
نُلاحِظُ أَنَّ هَذِه الآيَةُ تَتَأَلَّفُ مِنْ زَمَانَيْنِ: "مَا قَبْلُ وَمَا بَعْد". فَالنَّبِيُّ أَشَعْيَا يُبَشِّرُ الشَّعْبَ بِوُعُودِ الرَّبِّ، فَيَصِفُ الوَاقِعَ الصَّعْبَ، ثُمَّ يُبَشِّرُ بِـمُسْتَقْبَلٍ يَكُونُ الرَّبُّ فِيهِ هُوَ الـمُخَلِّصُ، بَعْدَمَا سَمَحَ بِالتَّأْدِيبِ القَاسِي وَالذُّل لِلشَّعْبِ وَمَلِكِهِ الخَائِنِ.
يَتَنَبَّأُ أَشَعْيَا فِي زَمَنِ ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فِي إِسْرَائِيلَ، بِسَبَبِ الحُروب السّورِيَّة-الأَفْرَائِيمِيَّة وَالأَشُورِيَّة (735 - 732 ق.م.)، مُعْلِنَا رَجَاءً جَدِيدًا وَتَحَوُّلاً جَذْرِيًّا عَلَى كَافَّةِ أَصْعِدَةِ الحَيَاة فِي إِسْرَائِيلَ. تَبْدَأُ النُّبُوءَةُ، الَّتِي تَحْمِلُ مَعَهَا أَخْبَارَ الرَّجَاءِ، بِصِيغَةِ النَّفِي القَاطِعْ "لَيْسَ لَيلٌ للَّتِي كَانَتْ فِي الضِّيقِ". وَكَأَنَّ الكَاتِبَ يَبْغِي مَحُو ذِكْرَى الحَرْبِ الـمُرْعِبَةِ وَالمآسِي مِنْ ذَاكِرَةِ سَامِعِيهِ، الَّذِينَ مَا زَالُوا يُعَانُونَ الضِّيقَ مِنْ مَلِكِ أَشُور، فَيُعْلِنُ نِهَايَةَ الحَرْبِ: "لَيْسَ لَيلٌ". فَهَذِهِ النُّبُوءَةُ هِيَ دَعْوَةٌ لِلرَّجَاءِ، فِي مَكَانٍ أَلرَّجَاءُ فِيهِ هُوَ عَلامَةُ جُنُون.
بَعْدَ الدَّعْوَةِ إِلَى الرَّجَاءِ، يُعِيدُ النَّبِيُّ أَشَعْيَا الأُمُورَ إِلَى نِظَامَهَا:
فَعِبَارَةُ "الزَّمَان الأَوَّل" تَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِ نِهَايَةِ الحَرْبِ الأَشُورِيَّةِ (أَي سَنَة 732 ق.م.) الَّتِي أَذَلَّتْ "أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي"، وَهُمَا تَابِعَتَانِ فِي الأَسَاسِ لِإِسْرَائِيل، إِلاَّ أَنَّ شَلْمَنآسَرَ مَلِكِ أَشُور وَضَعَهُمَا تَحْتَ سُلْطَتِهِ خِلالَ حَرْبِهِ عَلَى إِسْرَائِيل (رَاجِع طو 1). فَفِي أَيَّامِ فَقَحْ جَاءَ تِغْلَت فَلاسَر وَأَخَذَ عُيُونَ وَآبِل بيْتَ مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادِش وَحَاصُور وَجِلْعَادَ وَالجَلِيل وَكُلَّ أَرْضَ نَفْتَالي (2مل 15 : 29). فَبِقَوْلِهِ "الزَّمَانُ الأَوَّل"، إِذًا، يَضَعُ الكَاتِبُ الحَرْبَ وَمَآسِيهَا فِي الـمَاضِي. إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الأَرَاضِي، وَبِسَبَبِ بُعْدِهَا عَنْ أُورَشَلِيمَ مَرْكَزِ العِبَادَةِ لِلإلَهِ الوَاحِدِ، اخْتَلَطَ سُكَّانُهَا بِالعِبَادَاتِ الوَثَنِيَّةِ فَبَقِيَتْ مُحْتَقَرَةً حَتَّى أَيَّامِ يَسُوعَ:
"فَقَالَ لَهُ نَتَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ" (يو 1 / 46).
"أَجَابُوا وَقَالوُا لَهُ: «أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ فَتِّشْ وَانْظُرْ! إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ»" (يو 7 / 52).
وَمَعَ عِبَارَةِ "الزَّمَانِ الأَخِير" يُعْلِنُ أَشَعْيَا وَعْدَ الرَّبِّ بِالخَلاصِ وَالـمَجْدِ لِهَذِهِ البِقَاعِ مِنَ الأَرَاضِي الَّتي عَانَتِ الضِّيقَ مِن أَشُور: لِطَرِيقِ البَحْرِ أَيْ بَحْرِ الجَليلِ، لِعِبْرِ الأُرْدُنِّ أَيْ لِبِلادِ جِلْعَادَ وَلِلجَلِيلِ الـمُتَاخِمَةِ لِأرْضِ الأُمَمِ.

1 الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أَبصَرَ نورًا عَظيمًا والمُقيمونَ في بُقعَةِ الظَّلام أَشرَقَ علَيهم النُّور.
فَالشَّعْبُ الَّذي كَانَ يَسْكُنُ آنَذَاكَ فِي بُقْعَةِ الأَرْضِ الجَلِيلِيَّةِ، عَانَى أَقْسَى أَنْوَاعِ الاضْطِّهَادِ بِسَبَبِ جَلائِهِ عَنْ أَرْضِهِ (رَاجِع طو 1 – 2 / 1 - 8)، كَمَا كَانَ يُعْتَبَرُ أَيْضًا، ضَالاَّ بِسَبَبِ اخْتِلاطِهِ بِالوَثَنِيِّينَ وَبِالتَّالِي، سَالِكًا فِي الظُّلْمَةِ بَعِيدًا عَن أُورَشَلِيمَ وَالهَيكَل. لِذَا، فَمَنْ يَذْكُرُ هَذِهِ الأَرَاضِي كَانَ مِثْلُ مَنْ يَذْكُرُ دِيَارَ الـمَوتِ وَمَسْكِنَ الظُّلُمَات (راجِع قض 5 / 17 – 18). يُخْبِرُنَا سِفْرُ طُوبِيَّا عَنْ وَاقِعِ الشَّعْبِ اليَهُودِيِّ الـمَجْلُوِّ عَنْ أَرْضِهِ، فِي أَيَّامِ اسْتِيلاءِ الأَشُورِيِّينَ عَلَى إِسْرَائِيلَ: فَشَعْبُ اللهِ كَانَ يَعْبُدُ العِجْلَ الَّذي صَنعَهُ يَارُبَعَامُ وَيَأْكُلُ مِن طَعَامِ الأُمَمِ (طو 1 / 2 – 5؛ 10ب).
إِلاَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةُ هِيَ نَبَوِيَّةٌ، تُعْلِنُ مَجِيءَ الـمَسِيحِ، إِلَى هَذِهِ الـمَسَاحَةِ مِنْ دِيَارِ الظُّلمَةِ وَالـمَوتِ، لِيُحَوِّلُ الظُّلْمَةَ فِيهَا إِلَى نُورٍ. فَـمَتَّى الرَّسُولُ يُعْلِنُ تَتْمِيمَ هَذِهِ الآيَةُ، عِنْدَمَا دَخَلَ يَسُوعُ ابْنُ اللهِ هَذِهِ الأَرَاضِي الـمُحْتَقَرَةِ، قَائِلاً : " وَتَرَكَ (يَسُوعُ) النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِي، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِأَشَعْيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِي، طَرِيقُ الْبَحْرِ، عَبْرُ الأُرْدُنِّ، جَلِيلُ الأُمَمِ. الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ" (متى 4 / 13 - 16).

2 كَثَّرتَ لَه الأُمَّة وَفَّرتَ لَها الفَرَح، يَفرَحون أَمامَكَ كالفَرَحِ في الحِصاد، كٱبتِهاجِ الَّذينَ يَتَقاسَمونَ الغَنيمة.
هَذَا الشَّعْبُ الَّذِي عَانَى الضِّيقَ، لَيْسَ فَقَطْ مِنَ الـمُحْتَلِّينَ الأَشُورِيِّينَ، بَل أَيْضًا مِنْ إِخْوَتِهِ فِي اليَهُودِيَّةِ أَثْنَاءَ الحَرْبِ الأَشُورِيَّةِ، سَيَنَالُ بَرَكَةً خَاصَّةً مِنَ الرَّبِّ. إِذْ، سَيَزْدَادُ عَدَدُهُ بِرُجُوعِ البَقِيَّةِ إِلى الله وَالإِيمَانِ الحَقِّ (رَاجِع أش 10 / 20 - 23)، مِمَّا سَيُوَفِّرُ لَهُ كَامِلَ أَسْبَابِ الفَرَحِ وَالبَهْجَةِ.
تَذْكُرُ الآيَةُ الفَرَحَ في الحِصَادِ: فَحِصَادُ الأَتْعَابِ مِنْ ثِمَارِ الأَرْضِ، هيَ عَلامَةٌ عَلى انْتِهَاءِ سِنِي الجَلاءِ وَالغُرْبَةِ.
أَمَّ الابْتِهَاجُ بِتَقَاسُمِ الغَنيمَةِ: الثَّرْوَةُ أَو الغَنِيمَةُ تَدُلُّ عَلى انْتِصَارِ الشَّعْبِ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَما يَمْلِكُهُ العَدُوُّ سَيُصْبِحُ رِبْحًا لِلشَّعْبِ يُوفِّرُ لَهُ الطَّمَأنِينَةَ وَبَهْجَةَ الانْتِصَارِ.

3 لِأَنَّ نيرَ ثِقْلِها وعَصا كَتِفِها وقَضيبَ مُسَخِّرِها قد كسَّرتَها كما في يَومِ مِديَن
4 إِذ كُلُّ حِذاءٍ يُحدِثُ جَلَبَة وكُلُّ ثَوبٍ مُتَلَطِّخٍ بِالدِّماء يَصيرانِ لِلحَرْقِ ووَقودًا لِلنَّار.

هَاتَانِ الآيَتَانِ تُفَسِّرَانِ أَسْبَابَ وَفْرَةِ الفَرَحِ الَّتي تَعِدُ بِهَا النُّبُوءَةُ:
فَالنِّيرُ وَالعَصَا وَالقَضِيبُ هُمْ أَدَوَاتُ أَعْدَاءِ اليَهُودِ وَمُسَخِّرِيهِ لِلْعُبُودِيَّةِ وَالذُّلِّ. أَلنِّيرُ يُوضَعُ عَلى عُنُقِ العَبِيدِ وَهُوَ ثَقِيلٌ يُعِيقُهُم عَنْ العَمَلِ بِحُرِّيةٍ. وَالعَصَا وَالقَضِيب هُمْ أَدَواتُ الضَّرْبِ وَالإِذْلالِ وَالسُّخْرَةِ لِلْعَبِيدِ. هَذِهِ الأَدَوَاتُ حَطَّمَهَا الرَّبُّ "كَمَا في يومِ مِدْيَن": "يَوْمُ مِدْيَن" هُوَ اليَومُ الَّذِي انْتَصَرَ فِيهِ جِدْعَون أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ عَلَى الـمِدْيَانِيِّينَ، الَّذِينَ أَظْلَمُوا بَنو إِسْرَائِيلَ سَبْعَ سِنينَ. تُذَكِّرُ هَذِهِ النُّبُوءَةُ بِسِني العُبُودِيَّةِ القَاسِيَةِ الَّتي عَانَى خِلالَهَا الشَّعْبُ اليَهودِيّ أَشَدَّ أَنواعِ الظُّلمِ وَالذُلِّ وَالاضْطِّهَاد، وَهِي: سِنِي عُبُودِيَّتِهِ في مِصْرَ وَقَدْ حَرَّرَهُ مِنْها الرَّبُّ عَلى يَدِ موسَى النَّبِيِّ (خر 1 – 14)، وَسِنِي عُبودِيَّتِهِ لِلـمِدْيَانِيِّينَ وَقَدْ حَرَّرَهُ مِنها الرَّبُ على يَدِ جِدْعون الـمُحَارِبَ البَاسِل (قض 6 – 8). فَالحَدَثَانِ التَّارِيخِيَّانِ يُذَكِّرَانِ اليَهودَ بِآلامِ العُبُودِيَّةِ القَاسِيَةِ، فيهِما صَرَخَ الشَّعْبُ إِلى الرَّبِّ، فَسَمِعَ صُرَاخَهُم وَأَنْقَذَهُم مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِهم (راجِع خر 2 / 23 – 24؛ قض 6 / 6 - 7).
أَمَّا الحِذاءُ الَّذي يُحْدِثُ الجَلَبَةَ، فَهوَ يَرْمُزُ إِلى اقْتِرَابِ العَدُوِّ وَالاضْطِّهَاد. وَالثَّوبُ الـمُتلَطِّخُ بِالدِّمَاءِ هُوَ ثَوبُ قَاتِلي الشَّعْبِ اليَهودِيِّ. فَالحِذَاءُ وَالثَّوبُ سَيُطْرَحَانِ في النَّارِ عَلامَةً لِانْتِهَاءِ سِني الحَرْبِ وَالاضْطِّهَادِ وَتَحْرِيرِ الشَّعب مِنْ أَعْدَائِهِ.

5 لِأَنَّه قد وُلدَ لَنا وَلَدٌ وأُعطِيَ لَنا ٱبنٌ  فصارَتِ الرِّئاسةُ على كَتِفِه ودُعِيَ ٱسمُه عَجيبًا مُشيرًا إِلهًا جَبَّارًا، أَبا الأَبَد، رَئيسَ السَّلام.
في هَذِهِ الآيَة، يُعْلِنُ النَّبيُّ السَّبَبَ الرَّئِيسِيَّ لِلدَّعْوَةِ إلى الابْتِهَاجِ وَالفَرَحِ وهُوَ، وِلادَةُ ابْنٍ إِلهٍ وَإِنْسَانٍ، إِسْمُهُ عَجِيبٌ وَمُشيرٌ، وهُوَ إِلَهٌ جَبَّارٌ. إِنَّ عِبَارَة אל גבור إِلْ غِبُّور أَي "الإله الجَبَّار" لا تَرِدُ إِلاَّ مَرَّتَيْنِ في العَهْدِ القَدِيمِ وَبِالتَّحْدِيدِ في سِفْرِ أَشَعيا (9 / 5؛ 10 / 21) وَتَدُلُّ عَلى الله. فَالوَلَدُ الـمَقْصُودُ هُنا هوَ إِذًا بِالتَّأكيدِ، الرَّبُّ يَسُوعُ الإِلَهُ وَالإِنْسَانُ الَّذي يَجْمَعُ فيهِ ألقَابَ هَذِهِ الآيَةَ النَّبَوِيَّة. فَيَسُوعُ الـمَسِيحُ هُوَ مَوْلُودٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَـمَا تَقُولُ الرِّسَالَةُ إلى العِبْرَانِيِّينَ نَقْلاً عَن الـمَزمور 2 / 7: "أُعْلِنُ حُكْمَ الرَّبّ: "قَالَ لِي :أَنْتَ ابْنِي، أَنا اليَومَ وَلَدْتُكَ"" (عب 1 / 5أ).  ويَسُوعُ هُوَ ابْنُ الله "وَقَالَ أَيضًا: إِنِّي سَأَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِي ابْنًا" (2صم 7 / 14؛ 1أخ 17 / 13؛ عب 1 / 5ب). بِالطِّفْلِ يَسُوعَ تَحَقَّقَت نُبُوءَاتُ الأنْبِيَاءِ تَحْقِيقًا تَامًّا، فَهو وَحْدُهُ الإِلَهُ الجَبَّارُ وَسَيِّدُ الأَبَدِيَّةِ وَرَئِيسُ السَّلامِ. فَيَقُولُ عَنِ الاِبْنِ: "عَرْشُكَ يَا أَلله، لِدَهْرِ الدَهْر، وصَولَجَانُ الاسْتِقَامَةِ صَولَجَانُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ البِرَّ وأَبْغَضْتَ الإِثْم. لِذلِكَ مَسَحَكَ إِلهُكَ، يا أَلله، بِدُهْنِ البَهْجَةِ أَفْضَلَ مِنْ شُرَكَائِكَ" (عب 1 / 8 - 9).
إِذًا، فَالنُّبُوءَةُ لا تُشِيرُ إِلَى أَحَدِ مُلوكِ إِسْرَائِيلَ كَالـمَلِكِ سُلَيْمَانَ ابْنِ دَاوُدَ، بَلْ إِلَى الرَّبِّ الإِنْسَانِ وَالإِلَهِ يَسُوعَ الـمَسِيحِ، سَيِّدَ الأَبَدِيَّةِ وَرَسُولَ السَّلامِ، كَمَا أَعْلَنَ الـمَلائِكَةُ لِلرُّعَاةِ قَائِلينَ: "وُلِدَ لَكُمُ اليَوْمَ مُخَلِّص، هُوَ الـمَسِيحُ الرَبّ، في مَدِينَةِ دَاوُد. وهذِهِ عَلامَةٌ لَكُم: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا، مُضْجَعًا في مِذْوَد!" (لو 2 / 11 - 12). 

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
هَذِهِ النُّبُوءَةُ تَحْكِي وَاقِعًا مَأْسَاوِيًّا كَالوَاقِعِ الَّذِي نَعِيشُهُ اليَوم، فَالرُّؤَسَاءُ فَاسِدُونَ بَاعُوا الأَرْضَ وَالشَّعْبَ مِنْ أَجْلِ الـمَالِ. أَلشَّعْبُ مُضطَّهَدٌ على كَافَّةِ الأَصْعِدَةِ، تَلْتَهِمُهُ التَّجَارِبُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ولا مَنْفَذَ لَهُ سِوَى السَّاكِنِ فِي العَلاءِ. لِهَذا، نَرْفَعُ صَلاتَنا إلَيْهِ: نَسْأَلُكَ أَيُّها الإِلَهُ الَّذي ارْتَضَيْتَ الانْحِدَارَ إِلَيْنَا لِتَعِيشَ بَيْنَنا في الجَسَد، لِيَكُنْ عِيدُ مِيلادِكَ هَذِهِ السَّنَةَ بُشْرَى رَجَاءٍ وَسَلامٍ، فَرَحٍ وَنُورٍ لِوَطَنِنَا الَّذي سَكَنَتْهُ الظُّلُمَات.
كَمَا أَنَّ هَذا النَّصَّ يُعَلِّمُنَا أَهَمِّيَةَ وِلادَةِ طِفْلٍ، إِذْ هُوَ حَدَثٌ يُبَشِّرُ بِالحَيَاةِ وَالفَرَحِ وَالرَّجَاءِ، مَهْمَا قَسَتْ الظُّرُوفُ وَاسْوَدَّتِ الآفَاقْ. فَلْنَتَعَلَّم أَن نَنْظُرَ إِلى الحَيَاة بِـمِنْظَارِ الله، هُوَ الَّذي صَارَ طِفْلاً مُضْجَعًا في مِذْوَد، هَلاَّ تَأَمَّلْنَاهُ؟ هَلاَّ عَلَّمْنَا عُيُونَنَا أَن تَنْظُرَ إِلَيهِ؟ هَلاَّ فَتَحْنَا قُلُوبَنَا وَضَمَائِرَنَا عَلى سِرِّ تَجَسُّدِهِ؟


تحميل المنشور