أحد مَولِد يوحنَّا المعمدان
سِفْرِ صموئيل الأول: 1/ 9 – 11 + 19ب - 22
9 وقامَت حَنَّةُ، مِن بَعدِ ما أَكَلوا في شيلو وشَرِبوا، وكانَ عالي الكاهِنُ جالِسًا على الكُرسيِّ إِلى دِعامَةِ هَيكَلِ الرَّبّ،
10 فصَلَّت إِلى الرَّبِّ في مَرارةِ نَفْسِها وبَكَت بُكاءً
11 ونَذَرَت نَذْرًا وقالَت: "يا رَبَّ القُوَّات، إِن أَنتَ نَظَرتَ إِلى بُؤسِ أَمَتِكَ وذَكَرتَني ولم تَنسَ أَمَتَكَ وأَعطيتَ أَمَتَكَ مَولودًا ذَكرًا، أُعطِه لِلرَّبِّ لِكُلِّ أَيَّام حَياتِه، ولا يَعْلو رَأسَه موسًى".
19ب وعَرَفَ أَلْقانَةُ حَنَّةَ زَوجَتَه، وذَكَرَها الرَّبّ.
20 فكانَ في ٱنقِضاءِ الأَيَّام أَنَّ حَنَّةَ حَمَلَت وَوَلَدَتِ ابنًا، فدَعَته صموئيل، لأَنَّها قالَت: "مِنَ الرَّبِّ التَمَستُه".
21 وصعِدَ زَوجُها أَلْقانةُ وكلُّ بَيتِه، لِيُقَدِّمَ لِلرَّبِّ الذَّبيحَةَ السَّنَوِيةَ ويَفيَ بِنَذرِه.
22 وأَمَّا حَنَّة، فلَم تَصعَدْ، لأَنَّها قالَت لِزَوجِها: "مَتى فُطِمَ الصَّبِيُّ، أَذهَبُ به لِيَمثُلَ أَمامَ الرَّبِّ ويُقيمَ هُناكَ لِلأَبَد".مقدّمة
لَقَدْ اخْتَارَتْ كَنِيسَتُنَا لـمُنَاسَبَةِ أَحدِ مَوْلِدِ يُوحَنَّا، نَصًّا مِنَ العَهْدِ القَدِيمِ لِتُلْقِي الضَّوْءَ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ الَّتِي تُعْطِي الـمُؤْمِنَ بِهَا مَطْلَبَهُ، بِالكَامِلِ وَفِي الوَقْتِ الـمُنَاسِبِ. وَفِيهِ، تَدْعُونَا لِلتَّأَمُّلِ فِي وُجُوهٍ مِنَ العَهْدِ القَدِيمِ: حَنَّةُ العَاقِرُ وَزَوْجُهَا أَلْقَانَةُ وَعَالِي الكَاهِنِ الشَّيْخِ حَارِسِ الهَيْكَلِ فِي شِيلُو. هُمْ بِاخْتِبَارِهِمْ، يُسَاعِدُونَا عَلَى فَهْمِ اخْتِبَارِ أَلِيصَابَاتَ العَاقِرَ وَزَوْجَهَا زَكَرِيَّا الشَّيْخَ الكَاهِنِ.
كَـمَا أَنَّ هذا النَّصَّ يُحَاكِي وَاقِعَ العَدِيدِ مِنَ العِيَالِ الَّتِي لَمْ تَحْظَى بِإِنْجَابِ البَنِينِ. فَيُخْبِرُنَا عَنْ امْرَأَةٍ عَانَتْ مِنْ العُقْمِ الجَسَدِيِّ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ وَحُرِمَتْ مِنْ فَرَحِ الإِنْجَابِ، وَلَكِنَّ إِيمَانَهَا لَمْ يَضُعُف وَعَزِيمَتَهَا لَمْ تَرْتَدَّ أَوْ تَسْتَسْلِمَ. فَالْتَجَأَتْ إِلَى الرَّبِّ بِالدُّمُوعِ وَالصَّلَاةِ الحَارَّةِ، فَاسْتَجَابَ لَهَا.
تفسير الآيات
9 وقامَت حَنَّةُ، مِن بَعدِ ما أَكَلوا في شيلو وشَرِبوا، وكانَ عالي الكاهِنُ جالِسًا على الكُرسيِّ إِلى دِعامَةِ هَيكَلِ الرَّبّ، يَبْدَأُ نَصُّنَا بِالفِعْلِ "قَامَتْ"، إِذْ فِي قِيَامِ حَنَّةَ بِدَايَةٌ لِحَدَثٍ جَدِيدٍ. فَبَعْدَ أَنْ كَانَتْ كُلَّ سَنَةٍ تَبْكِي وَتَمْتَنِعَ عَنِ الطَّعَامِ، حُزنًا عَلَى عَدَمِ إِنْجَابِهَا بَنِينَ (رَاجع 1صم 1/ 1 - 8)، قَرَّرَتْ هَذِهِ السَّنَةَ كَسْرَ عَادَتِهَا وَرُوتِينِهَا، بِالقِيَامِ مِنْ كَبْوَتِهَا وَحُزْنِهَا وَاللُّجُوءِ إِلَى الرَّبِّ.
تَدُورُ أَحْدَاثُ هَذِهِ القِصَّةُ فِي مِنْطَقَةِ شِيلُو، وَهِيَ تَقَعُ شَمَالِيّ بَيْتَ إِيلْ. وَفِيهَا نُصِبَتْ خَيْمَةُ الِاجْتِمَاعُ فِي أَيَّامِ يَشُوعَ بِنْ نُونٍ (يش 18 / 1) وَبَقِيَتْ هُنَاكَ 200 سَنَةٍ تَقْرِيبًا. هَذِهِ الخَيْمَةُ كَانَتْ مَقَرًّا لِلعِبَادَةِ وَكَانَتْ آنَذَاكَ تَحْوِي تَابُوتَ الرَّبِّ. وَعَالِي الكَاهِنُ ، مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، كَانَ رَئِيسَ كَهنَةٍ وَقَاضٍ لِإِسْرَائِيلَ لِـمُدَّةِ 40 سَنَةٍ. وَكَانَ رَجُلاً تَقِيًّا، اهْتَمَّ بِحِرَاسَةِ تابُوتِ العَهْدِ وَبِخِدْمَةِ الخَيْمَةِ الَّتِي عُرِفَتْ أَيْضًا، بِـهَيْكَلِ الرَّبِّ في شِيلُو. يُلْفِتُنَا مَنْظَرُ الكَاهِنِ عَالِي، جَالِسًا وَمُتَّكِئًا عَلَى دَعَامَةِ الهَيْكَلِ كَـمَنْ يَنْتَظِرُ حُدُوثَ أَمْرٍ يُبَدِّلُ الوَاقِعَ، بِلَا حِرَاكٍ إِذْ لَا عَمَلَ لَهُ، وَخَارِجَ الهَيْكَلِ إِذْ لاَ أَحَدَ يَقْصِدُ الرَّبَّ. مَنْظَرُهُ يُخْبِرُنَا عَنْ فُتُورِ قُلُوبِ الشَّعْبِ نَحْوَ العِبَادَةِ وَالصَّلاةِ. مِنَ الـمُفْتَرَضِ أَنْ يَكُونَ هَذَا اليَوْمُ الَّذِي كَانَ أَلْقَانَةُ فِيهِ، يَزُورُ الهَيَكَلَ مَعَ عَائِلَتِهِ، يَوْمَ عِيدٍ وَفَرَحٍ، إِلاَّ أَنَّ جَوَّ العِيدِ كَانَ غَائِبًا عَنْ وُجُوهِ الجَمِيعِ، فَحَنَّةُ تَأْكُلُ وَتَقُومُ تَارِكَةً العَائِلَةَ، وَعَالِي الكَاهِنُ غَارِقًا فِي الكُرْسِيِّ يُرَاقِبُ الآَتِينَ لِلصَّلاةِ.
10 فصَلَّت إِلى الرَّبِّ في مَرارةِ نَفْسِها وبَكَت بُكاءً
11 ونَذَرَت نَذْرًا وقالَت: "يا رَبَّ القُوَّات، إِن أَنتَ نَظَرتَ إِلى بُؤسِ أَمَتِكَ وذَكَرتَني ولم تَنسَ أَمَتَكَ وأَعطيتَ أَمَتَكَ مَولودًا ذَكرًا، أُعطِه لِلرَّبِّ لِكُلِّ أَيَّام حَياتِه، ولا يَعْلو رَأسَه موسًى".
آنَذَاكَ، كَانَ تَابُوتُ الرَّبِّ فِي شِيلُو مَهْجُورًا، مَتْرُوكًا. وَعَالِي الكَاهِنُ، كَسَائِرِ الشَّعْبِ، ضَرَبَ الفُتُورُ قَلْبَهُ وَتَحَوَّلَ مِنْ رَجُلِ صَلَاةٍ، إِلَى نَاطُورٍ يَقْضِي أَيَّامَهُ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ مُسْتَنِدًا إِلَى دَعَامَةِ الهَيْكَلِ، يُرَاقِبُ العُبَّادَ القَلَائِلِ.
مِنْ وَسَطِ الفُتُورِ وَقِلَّةِ الإِيمَانِ، قَامَتْ حَنَّةُ العَاقِرُ، امْرَأَةٌ تَحْمِلُ أَحْشَاءً مَائِتَةً، تُصَلِّي إِلَى الرَّبِّ وَتَبْكِي. بِصَلاتِهَا العَمِيقَةِ وَبِأَلَمِهَا الـمُرِّ، أَحْيَتْ حَنَّةُ الإِيمَانَ فِي قَلْبِهَا وَفِي جَسَدِهَا، فَوَعَدَتِ الرَّبَّ وَعْدًا صَادِقًا. صَلَاةُ حَنَّةَ تَحْوِي أَرْبَعَةَ أَفْعَالٍ شَرْطِيَّةٍ مُوَجَّهَةٍ لِلرَّبِّ: (إِنْ) نَظَرْتَ، ذَكَرْتَ، لَمْ تَنْسَى، أَعْطَيْتَ. مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الأَفْعَالِ، اعْتَرَفَتْ حَنَّةُ بِأَنَّ الرَّبَّ حَيٌّ وَبِأَنَّهُ قَدِيرٌ عَلَى الأُعْجُوبَةِ. كَمَا أَنَّهَا نَادَتْهُ بِلَقَبِهِ "يَا ربَّ القُوَّاتِ" الَّذي يَدُلُّ عَلَى سِيَادَتِهِ عَلَى جَمِيعِ القِوَى الأَرْضِيَّةِ وَالسَّمَاوِيَّةِ. وَمِنْ بَعْدِ الشَّرُوطِ الأَرْبَعَةِ، نَذَرَتْ حَنَّةُ بِتَقْدِيمِ ثَمَرَةِ أَحْشَائِهَا لِلرَّبِّ نَذِيرًا طِيلَةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، مَعَ أَنَّ النَّذِيرَ كَانَتْ أَيَّامُ انتِذَارِهِ مَحْدُودَةً، إِلَّا أَنَّ حَنَّةَ قَدَّمَتْهُ بِالكَامِلِ لِلرَّبِّ. فَالنَّذِيرُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ طَوِيلًا عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ نَذِيرٌ يَخُصُّ الرَّبَّ (رَاجِع عد 6 / 1 - 21). وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَن أَكْلِ أَوْ شُرْبِ كُلِّ مَا يُصْنَعُ مِنَ الكَرْمَةِ، وَأَنْ يَحْلُقَ رَاْسَهُ وَأَخِيرًا أَنْ لَا يَمَسَّ مَيتًا. بِنَذْرِهَا هَذَا، أَعْلَنَتْ حَنَّةُ ثِقَتَهَا بِالرَّبِّ وَانْتِصَارَهَا عَلَى تَجْرِبَةِ الحُزْنِ الَّتِي أَقْعَدَتْهَا سِنِينَ طَوِيلَةً وَكَادَتْ تُطْفِئُ فِيهَا الرَّجَاءَ.
19ب وعَرَفَ أَلْقانَةُ حَنَّةَ زَوجَتَه، وذَكَرَها الرَّبّ.
20 فكانَ في ٱنقِضاءِ الأَيَّام أَنَّ حَنَّةَ حَمَلَت وَوَلَدَتِ ابنًا، فدَعَته صموئيل، لأَنَّها قالَت: "مِنَ الرَّبِّ التَمَستُه".
21 وصعِدَ زَوجُها أَلْقانةُ وكلُّ بَيتِه، لِيُقَدِّمَ لِلرَّبِّ الذَّبيحَةَ السَّنَوِيةَ ويَفيَ بِنَذرِه.
أَلْقَانَةُ، رَجُلُ حَنَّةَ، كَانَ رَجُلًا تَقِيًّا وَمُتَعَبِّدًا أَمِينًا لِلرَّبِّ، كَمَا تُخْبِرُنَا الآَيَاتُ السَّابِقَةُ (1صم 1 / 1 - 8) وَأَيْضًا الآيَةُ 21. فَحِينَ عَرَفَ امْرَأَتَهُ، اسْتَجَابَ الرَّبُّ لِصَلَاتِهَا وَذَكَرَهَا، وَأَزَاحَ ظُلْمَةَ الـمَوْتِ عَنْ أَحْشَائِهَا، فَوَلَدَت ابْنًا ذَكَرًا كَـمَا طَلَبَت، وَسَمَّتْهُ صَمُوئِيلَ أَيْ "سَمِعَ الرَّبُّ". وَكَانَتْ قَدْ مَرَّتْ سَنَةً كَامِلَةً عَلَى نَذْرِ حَنَّةَ، فَحَانَ وَقْتُ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ لِلرَّبِّ، فَصَعِدَ أَلْقَانَةُ كَعَادَتِهِ السَّنَوِيَّةِ وَوَفَى نَذْرَهُ لِلرَّبِّ أَيْ زِيَارَتَهُ لِلهَيْكَلِ كُلَّ سَنَةٍ فِي أَحَدِ الأَعْيَادِ الثَّلَاثَةِ: الفَطِيرِ، الفِصْحِ وَالـمَظَالِ (رَاجِع خر 23 / 14).
يَتَلَاقَى فَرَحُ حَنَّةَ مَعَ فَرَحِ أَلِيصَابَاتَ، فَالعُقْمُ تَحَوَّلَ إِلَى نَبْعٍ تَفِيضُ مِنْهُ الحَيَاةُ، لِتَشْهَدَ لِعَظَمَةِ قُدْرَةِ الرَّبِّ، سَيِّدِ الحَيَاةِ وَمُجَدِّدِهَا.
22 وأَمَّا حَنَّة، فلَم تَصعَدْ، لأَنَّها قالَت لِزَوجِها: "مَتى فُطِمَ الصَّبِيُّ، أَذهَبُ به لِيَمثُلَ أَمامَ الرَّبِّ ويُقيمَ هُناكَ لِلأَبَد".
أَمَّا حَنَّةُ فَانْتَظَرَتْ إِلَى حِينِ اسْتِعْدَادِ طِفْلِهَا لِلْسُّكْنَى فِي بَيْتِ الرَّبِّ لِلأَبَدِ. يُفْطَمُ الطِّفْلُ فِي عُمْرِ السَّنَتَيْنِ تَقْرِيبًا. فَبَعْدَ سَنَتَيْنِ، قَدَّمَتْ حَنَّةُ عَطِيَّةَ الرَّبِّ لَهَا، بِالكَامِلِ وَلِلأَبَدِ، لِكَي يَكُونَ الـمَجْدُ لِلرَّبِّ وَحْدَهُ، عَلَامَةً عَلَى ثِقَتِهَا القَوِيَّةِ بِالرَّبِّ وَوَفَائِهَا لَهُ.
خُلاصةٌ روحيّة
إِنَّ زَكَرِيَّا الكَاهِنَ، انْفَكَّتِ اليَوْمَ عُقْدَةُ لِسَانِهِ وَهَتَفَ مُسَبِّحًا الرَّبَّ. وَحَنَّةُ العَاقِرُ، عَادَتِ الحَيَاةُ اليَوْمَ إِلَى أَحْشَائِهَا وَزَالَ حُزْنُهَا لِلأَبَدِ. وَالرَّبُّ جَدَّدَ لَنَا اليَوْمَ، وَعْدَهُ بِالأَمَانَةِ لِكُلِّ مَنْ يَلْجَأُ إِلَيْهِ بِثِقَةٍ وَبِصَلاةٍ نَابِعَةٍ مِنْ إِيمَانٍ صَادِقٍ. وَمُنْذُ اليَومَ، سَيَقُومُ عَالِي الكَاهِنُ عَنْ كُرْسِيِّهِ، لِأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدَثِ وِلَادَةِ نَذِيرٍ يُقَدِّمُ عُمرَهُ وَحَيَاتَهُ بِكَامِلِها لِلرَّبِّ.
وَأَنَا، مَاذَا أَطْلُبُ أَنْ يُحَقِّقَ لِيَ الرَّبُّ الأَمِينُ؟ وَمَا هُوَ الحَدَثُ الَّذِي سَيُحَوِّلُنِي؟ قِرَاءَاتُ اليَوْمَ تَدْعُونَا إِلَى مُغَامَرَةٍ جَدِيدَةٍ، هِيَ: مَعْرِفَةُ الرَّبِّ وَمَعْرِفَةُ الذَّاتِ.