الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-10-22
2 إِحْمِلُوا بَعْضُكُم أَثْقَالَ بَعض، وهكَذَا أَتِمُّوا شَرِيعَةَ الـمَسيح.
إضافةً إلى إعطاء تعليمات عن "إصلاح الزلَّة"، وعظهم بولس قائلًا: "احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا أتمُّوا شريعة المسيح". تتوافق فكرة تحمُّل أعباء الآخرين، مع موت يسوع على الصَّليب. بالطَّبع، لا يمكن مقارنتها من حيث الحجم أو العواقب، فالعبء الَّذي حمله المسيح كان خطيئة العالم بأكمله. ما ورد في الرسالة هنا، هو مجرّد إشارة واحدة إلى أنواع الأعباء الَّتي قد يستلزمها مِثَالُ الرَّبّ. على المسيحيّ أن يكون على استعدادٍ لحمل الأعباء الَّتي تثقّل على أخيه.
تشير الكلمة اليونانيَّة barê، إلى شيءٍ ثقيل وقمعيّ. لكنَّ استخدام بولس هنا لهذه الكلمة قد تشمل أعباءً من أيّ نوع. إنَّ أيَّة محنةٍ، أو حزنٍ، أو خطيئةٍ، أو ضعفٍ، أو عجزٍ، قد يندرج ضمن هذه المعاني. بالرغم من التحذير المتبادل "إحملوا بعضكم أثقال بعض"، ربَّما كان بولس يقصد المحَن الَّتي يواجهها الأخ الأضعف. بما أنَّ المسيح حمل أعباءً، لا يمكن تخطّيها من الناحية البشريَّة، لاستعادة العالم الضالّ بكامله، ينبغي أن نسعى جاهدين للاقتداء به، والقيام بما يمكننا لمساعدة إخوتنا.
المقصود هنا بــ"شريعة المسيح"، هو "شريعة المحبَّة" (راجع غل 5: 14)، الَّتي هي أعظم المواهب الَّتي منحها لله للبشر (راجع 1 قور 12: 31–13: 13). وضع بولس هنا النهج، الَّذي يجب أن يتَّخذه الانسان تجاه الأخ الَّذي سقط في زلَّة. ينبغي التَّعامل مع المسيحيّ المتعثّر بالوداعة، الَّتي هي من ثمر الروح، والَّتي تعمل بقوَّة الروح. يجب على الَّذين يسعون إلى مساعدته، أن يحرسوا قلوبهم، حتَّى لا تتغلَّب عليهم مواقف غير محبَّذة.
3 إِنْ ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَيء، وهوَ لا شَيء، فَقَدْ خَدَعَ نَفْسَهُ.
حذَّر بولس من الكبرياء الروحيَّة. فالَّذين يحاولون مساعدة الأخ، الَّذي وقع في الزلَّة، ينبغي أن لا يسمحوا لغرورهم أن يجعلهم يشعرون بالتعالي عليه. لأنَّه "إن ظنَّ أحدٌ أنَّه شيءٌ، وهو لا شيء، فقد خدع نفسه".
4 فَلْيَمْتَحِنْ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ افْتِخَارُهُ في نَفْسِهِ فَقَطْ لا في غَيْرِه.
بدلًا من استخدام أخطاء الآخرين كقاعدةٍ للحكم، على "كلّ واحدٍ أن يمتحن عمله". الفعل اليونانيَّ dokimázetô، المترجَم هنا "فليمحتن"، يعني أن "يفحص الانسان عن كثب". إنَّه الفعل نفسه الَّذي استخدمه بولس عندما قال "ليمتحن الانسان نفسه" قبل عشاء الرَّبّ (راجع 1 قور 11: 28).
لا بدَّ للإنسان أن "يمتحن عمله" (ergon)، "وحينئذٍ يكون افتخاره في نفسه فقط لا في غيره". فإن كان لأحدٍ سببٌ للتفاخر، عليه أن يحتفظ به لنفسه (راجع غل 6: 14).
5 فإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَحْمِلُ حِمْلَهُ الخَاصّ.
بالرغم من أنَّ مناشدة المسيحيّين قد تمَّتْ "ليحملوا بعضهم أثقال بعض" (غل 6: 2)، إلَّا أنَّ "كلّ واحدٍ سيحمل حِملَه الخاصّ". استخدم بولس كلمتَين يونانيَّتين مختلفَتَين للــ"حِمْل" أو "الثقل" (báros و fortíon). تشدّد كلمة báros على فكرة الحمولة، الَّتي غالبًا ما تكون ثقيلة مُرهِقة. كما وتشير كلمة "بارومتر"، الَّتي تُستخدم لتحديد الضغط الجويّ، إلى "مقايس الوزن". لقد تمَّ توسيع نطاق معنى كلمة báros، في اللغة اليونانيَّة الحديثة، لتلبية احتياجات العالم الحديث، من خلال إدراج مفاهيم مثل الجاذبيَّة، الثقل النوعيّ، زيادة الوزن الماديّ، العبء الأكبر من العمل، ليُصبح عبئًا على شخصٍ ما، عبء المسؤوليَّة، وضغط دفع الضرائب. في أيٍّ من هذه المعاني، ليس من الصَّعب تصوُّر الأشياء الَّتي تؤثّر على روح الانسان، وتسبّب القلق أو الإجهاد.
بينما كلمة fortíon، فتؤكّد على ما يتمّ حَمله أو نقله، مثل الحمولة الَّتي تحملها السفينة (راجع أعمال 27: 10). اعتمادًا على سياق نصّ الرسالة إلى غلاطية، قد يكون "الحمل" ثقيلًا أو خفيفًا. من الواضح أنَّ كلمة fortíon، في بعض استخداماتها، تكون مرادفًا لــ báros؛ لكن في حالاتٍ أخرى، هي ليست كذلك.
يبدو أنَّ بولس كان يميّز، في هذا السياق، بين استخدام هذه المصطلحات المختلفة. فكلمة báros تمثّل المتاعب الهائلة في الحياة، أي الثقيلة أكثر ممَّا يستطيع الانسان تحمّلها وحده. بينما تُشير كلمة fortíon إلى المسؤوليَّات الشخصيَّة، أي الواجبات العاديَّة.
6 مَنْ يَتَعَلَّمُ كَلِمَةَ الإِيْمَان، فَلْيُشَارِكْ مُعَلِّمَهُ في جَمِيعِ الـخَيْرَات.
يواصل بولس حديثه، هنا، عمَّا هو مطلوبٌ، لكي يسلك الانسان بالروح، ويهتمَّ برفاقه المسيحيّين. غير أنَّه غيَّر موضع الاهتمام، بتقديم الدعم الماليّ لخدمة الكلمة، قائلًا: "من يتعلّم كلمة الإيمان، فليُشارك معلّمه في جميع الخيرات".
كان بولس يشجّع كلَّ مسيحيّ، "ليُشارك" خيراته مع "المعلّم"، الَّذي علَّمه الإنجيل. في الواقع، "المعلّم" هنا مُبهم. لم يحدّد بولس ما إذا كان "المعلّم" الَّذي يجب دعمه هو رسولٌ، أو مبشّر، أو مجرَّد عضوٍ من أعضاء الكنيسة. كما إنَّه لم يقل أنَّ "المعلّم" يجب أن يمتلك موهبةً، أو إنَّه يجب أن يعلّم بحكم موهبته، وتعلّمه السابق، وخبرته. علاوةً على ذلك، لم يُشر إلى أنَّ "المعلّم"، يجب أن يكون شخصًا تمَّ تعيينه، من قِبَل الكنيسة، للقيام بهذه المسؤوليَّة. ربَّما كان هذا الغموض مقصودًا، ممَّا يسمح بتطبيقٍ واسع لهذا المبدأ. دافع بولس عن حقّ الَّذين يكرزون، بأن يدعمهم مستمعوهم ماديًّا، بالرغم من أنَّه هو نفسه لم يمارس هذا الحقّ (راجع 1 قور 9: 1-18).
7 لا تَضِلُّوا! فإِنَّ اللهَ لا يُسْتَهزَأُ بِهِ. فَكُلُّ مَا يَزْرَعُهُ الإِنْسَان، فإِيَّاهُ يَحصُدُ أَيْضًا.
يمكن اعتبار هذه الآيات المتعلّقة بالزرع والحصاد، على أنَّها المنطق الَّذي يهدف إلى حضّ، أهل غلاطية، على مكافأة معلّميهم مقابل عملهم. كما ويمكن فهم هذه الآيات، على أنَّها بيانٌ عامّ، يميل أكثر إلى التحسين الروحيَّ، الَّذي سيتبع كلَّ السلوك الَّذي ينطلق من دافع المحبَّة، أي من "شريعة المسيح" (غل 6: 2).
تحذير بولس القائل: "لا تضلُّوا"، هو تحذيرٌ شائع في الكتاب المقدَّس. يرجع التضليل إلى جنَّة عدن، حيث عملت الحيَّة على تضليل حوَّاء، وحوَّلت نظرها إلى الجمال الدنيويّ، والرغبة الجسديَّة، والفخر الأنانيّ. فخالفت هي وآدم وصيَّة الله، وتحمَّلا عواقب وخيمة. تمَّ فصلهما عن الله، وطُردا من الجنَّة (تك 3: 1-24).
"فإنَّ الله لا يُستهزأ به". لا يمكن لأحد أن يخطئ من دون عقاب، أو أن يعامل الله بازدراءٍ، ويتوقَّع أن يفلت من العقاب. فالفعل اليونانيّ muktêrízetai، المترجَم هنا "يُستهزأ به"، ويعني حرفيًّا "رفع الأنف". وردت كلمةٌ ذات صلة بذلك، في إنجيل لوقا، حيث قيل إنَّ رؤساء اليهود كانوا "يسخرون" من يسوع بينما كان على الصَّليب (راجع لو 23: 35). فتشامُخ الشَّخص على شخصٍ آخر، كان بمثابة "إلحاقه بالخزي"، ومعاملته كشخصٍ ضعيف، دنيء، واعتباره غير جديرٍ بالاحترام.
عبارة "كلّ ما يزرعه الانسان، فإيَّاه يحصد أيضًا"، هي مبدأٌ من العالم الماديّ، وينطبق أيضًا على العالم الروحيّ. في اليوم الثَّالث من الخليقة، خلق الله "عشبًا يُبذر بذرًا كجنسه، وشجرًا يعمل ثمرًا بذره فيه كجنسه" (تك 1: 12). فعندما يُزرع نوعٌ معيَّن من البذور، يتمُّ حصد النَّوع نفسه من المحصول (راجع أي 4: 8؛ أم 22: 8).
8 فالَّذي يَزرَعُ فِي جَسَدِهِ، يَحصُدُ منَ الـجَسَدِ فسَادًا؛ والَّذي يَزْرَعُ في الرُّوح، يَحصُدُ مِنَ الرُّوحِ حَيَاةً أَبَدِيَّة.
في هذه الآية، تحوُّلٌ في لهجة بولس، بالتأكيد على نوع الحقل، بدلًا من نوع البذور. يُعطى للزَّارع خيارٌ ليُلقي البذور في حقلَين مُختلفَين تمامًا، ومن هذَين الحقلَين المختلفَين، يحصد حصادًا يتوافق وطبيعة الحقَلَين أنفسهما. الخيار الأوَّل سلبيّ: "فالَّذي يزرع في جسده، يحصد من الجسد فسادًا". فالحقل، موضع الحديث هنا هو "جسد الانسان". كان بولس يطالب أهل غلاطية، بأن يأخذوا بعين الاعتبار، حياتهم، ويتأكّدوا من أنَّهم لا يعيشون بحسب "أعمال الجسد" (الَّتي ورد ذكرها في غل 5: 19-21). فتسليم النَّفس للحياة الدنيويَّة والأنانيَّة، هو ما يعادل الموت الروحيّ.
أمَّا الخيار الثَّاني، فإيجابيّ: "الَّذي يزرع في الروح، يحصد من الروح حياةً أبديَّة". في هذه الحالة، الحقل هو "الروح". الانسان الَّذي "يسلك بالروح" (غل 5: 16، 25)، وله "ثمر الروح" (غل 5: 22، 23)، سيحصل على الحياة الأبديَّة.
9 فلا نَمَلَّ عَمَلَ الـخَيْر، ولا نَكِلَّ، لأَنَّنَا سَنَحْصُدُهُ في أَوَانِهِ.
وردت عبارة "فلا نملّ عمل الخير"، في اللغة اليونانيَّة (mè enkakômen) بصيغة المتكلّم، وهي صيغة تشمل الكاتب مع جمهوره، أي إنَّ بولس أدرج نفسه مع أهل غلاطية، في هذا الكلام.
إنَّ عبارة "فلا نملّ عمل الخير"، قد تُترجَم أيضًا إلى "فلا نضجر"، أو "فلا نتعب". والفكرة هي ألَّا يفقد الانسان الدافع في مواصلة السلوك المرغوب فيه، ألَّا يفقد الحماس، ألَّا تثبط عزيمته.
استمرَّ بولس في التشبيه الزراعيّ، فقدَّم هذا الدافع: "ولا نكلّ، لأنَّنا سنحصده في أوانه". هناك خطرٌ ما، بالنظر إلى العقليَّة الروحيَّة بطريقةٍ مثاليَّة، كما لو أنَّها حصرت المسيحيّ بسلوكٍ معتدلٍ مسالم، سيظلُّ ثابتًا، بغضّ النَّظر عمَّا يواجهه في العالم الحقيقيّ. غير أنَّ السعي دائمًا لمتابعة الحثّ على الرُّوح، والعمل بمشيئة الرَّبّ، قد يكون صعبًا ومُكلفًا. ومع ذلك، كان الجهد يستحقُّ ذلك، مثل "الحارث الَّذي يتعب" (2 طيم 2: 6).
10 إِذًا فمَا دَامَ لَنَا مُتَّسَعٌ مِنَ الوَقت، فَلْنَصْنَعِ الـخَيْرَ إِلى جَمِيعِ النَّاس، وخُصُوصًا إِلى أَهلِ الإِيْمَان.
ختم بولس النصّ بمسؤوليَّة كبيرة: "إذًا فما دام لنا متَّسعٌ من الوقت...". الكلمة اليونانيَّة kairón، المترجَمة هنا إلى "وقت"، هي بمعنى "حان الأوان" أو "أوانه" (غل 6: 9). في هذه الآية، تتعلَّق الكلمة بحصاد الحياة الأبديَّة، عند المجيء الثَّاني للمسيح. فهي ترمز إلى اللَّحظات المعطاة، مِن قِبَل الله، لهذا الحدث.
عمل بولس، بإيجاز، على تذكير أهل غلاطية بالحياة في هذا العالم، وبكلّ الإمكانات، الَّتي تكمن في كلّ لحظةٍ ثمينة. أُعطي لهم زمانٌ لكي يخدموا الرَّبَّ، ويأتوا بثمر. لذا، ضياع الوقت شيءٌ فظيع. ويجب أن يُستخدم بحكمة لخدمة الآخرين ونشر بشارة الخلاص.
"صنع الخير" (agathón)، هو نتيجة السير بالروح. ينتمي هذا المصطلح اليونانيّ إلى عائلة الكلمة نفسها الَّتي تُرجمَت إلى "صلاح" (agathôsûnê) في قائمة ثمر الرُّوح (راجع غل 5: 22). وفي خضمّ "صنع الخير إلى جميع النَّاس"، على أهل غلاطية أن يهتمُّوا اهتمامًا خاصًّا بــ"أهل الإيمان" (tous oikeíous tês pisteôs)، أي "أهل البيت"، الَّذين لهم صلة القرابة، أو غير ذلك من الحالات الأخرى. فالمقصود هنا، كما شرح بولس قبلًا في الرسالة، أنَّ الأمم قد اجتمعوا مع اليهود ليشكّلوا "بيت الله" معًا، ويجمعهم "الإيمان المشترك".