الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-08-13
18 لأَنَّنَا بِهِ نِلْنَا نَحْنُ الإثْنَينِ في رُوحٍ وَاحِدٍ الوُصُولَ إِلى الآب.
تُعتبر هذه الآية خلاصة ما يريد أن يقوله بولس في هذا النصَّ. بعمل المسيح، يمكن أن يكون لليهود والأمم "الوصول إلى الآب". كلمة "وصول" هنا، هي ترجمة للكلمة اليونانيَّة prosagôgê، ومعناها "يحضر إلى" أو "يتحرَّك إلى". لذا من الأنسب ترجمة الكلمة اليونانيَّة بـــ "القدوم"، عوضًا عن "الوصول"، لأنَّ كلمة "قدوم" تشير أيضًا إلى حقّ الدخول إلى حضرة الله، بواسطة يسوع المسيح.
19 إِذًا فَلَسْتُم بَعْدُ غُرَبَاءَ ولا نُزَلاء، بَلْ أَنْتُم أَهْلُ مَدِينَةِ القِدِّيسِينَ وأَهْلُ بَيْتِ الله،
بما أنَّ الَّذين تلقَّوا هذه الرسالة قد اختاروا الطريق إلى الله، استطاع بولس أن يكتب قائلًا: "فلستم بعد غرباء ولا نزلاء، بل أنتم أهل مدينة القدّيسين وأهل بيت الله". يلخّص بولس في هذه الآيات ما قاله سابقًا (راجع أف 2: 14-18)، ليتوصَّل إلى بعض الاستنتاجات. كان الأمم يُعتبرون "غرباء" (راجع أف 2: 12)، و"نزلاء" في أنَّه لم يكن لديهم مقامٌ، وبلا عهدٍ، وبلا امتياز، وبلا رجاء، وبلا إله، وبلا ديار. الكلمة اليونانيَّة pároikoi الـمُترجَمة هنا إلى "نزلاء"، تشير إلى مَن يُقيم مع شخصٍ آخر، أي ليس له ديار، ولا يرقى إلى مستوى مواطن. مع أنَّه كانت لليهود امتيازاتٌ خاصَّة قبل مجيء المسيح، إلَّا أنَّهم أيضًا كانوا "غرباء" بالنسبة إلى الوعود الواردة في الإنجيل، و"نزلاء" لأنَّهم كانوا خطأة.
لكن بقوله "أهل مدينة (sumpolítai) القدّيسين (hagíôn)"، إلى مَن يشير بولس هنا؟ بالعودة إلى الرسالة إلى أهل أفسس نعلم أنَّ بولس كتبها "إلى القدّيسين (hagíois) الَّذين في أفسس" (أف 1: 1). وقد استخدم عدَّة أشكالٍ لهذه الكلمة أربع عشرة مرَّةً أخرى في الرسالة: مرَّتين منها إلى الروح القدس (راجع أف 1: 13؛ 4: 30)؛ ومرَّتين إلى الكنيسة (راجع أف 2: 21؛ 5: 27)؛ ومرَّةً واحدة إلى الرسل والأنبياء (راجع أف 3: 5)؛ ومرَّةً واحدة إلى الكيفيَّة الَّتي يجب أن يعيش بها المسيحيّين (راجع أف 1: 4)؛ وتُرجمَت ثماني مرَّات إلى "قدّيسين" (راجع أف 1: 15، 18؛ 2: 19؛ 3: 8، 18؛ 4: 12؛ 5: 3؛ 6: 18). فاستخدام كلمة "قدّيسين" (hagíoi) في الرسالة إلى أهل أفسس، لا يبدو أنَّه يشير إلى المسيحيّين اليهود، بل إلى جميع المسيحيّين، يهودًا كانوا أو أمميّين، لأنَّهم جميعًا، على حدٍّ سواء، يحتاجون إلى البركات الَّتي في المسيح يسوع، والَّتي سبق وذكرها بولس (راجع أف 2: 13-16).
تؤكّد عبارة "أهل بيت الله" على انتماء المسيحيّ إلى جسد المسيح. استخدام بولس الصيغة الإسميَّة، في اللُّغة اليونانيَّة ((oikeîos)، يعني الانتماء إلى أسرة أو عائلة. فالمسيحيّون هم جزءٌ من عائلة الله، لهم صلة قربى مع الله، كعلاقة الأب مع أولاده.
20 بُنِيتُمْ على أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنْبِيَاء، والـمَسِيحُ يَسُوعُ نَفْسُهُ هُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَة.
تشير عبارة "بُنيتم على أساس الرسل والأنبياء" إلى الكنيسة كبناءٍ روحيّ، و"الرسل والأنبياء" يمثّلون أساسها. قد تبدو هذه الصورة غريبة، إذ إنَّنا نعلم أنَّ الكنيسة "مبنيَّة" على المسيح، كما يؤكّد بولس في مكانٍ آخر: "ما مِن أحدٍ يمكنه أن يضع أساسًا آخر غير الموضوع، وهو يسوع المسيح" (1 قور 3: 11). فكيف يقول هنا إنَّ الكنيسة مبنيَّة "على أساس الرسل والأنبياء"؟
كلمة "رسل" تعني "الَّذين أُرسِلوا". وقد استُخدِمت للإشارة إلى آخرين في العهد الجديد، إلى جانب الاثني عشر، مثل متيَّا وبولس، ويعقوب أخي الربّ، وبرنابا؛ والمعلّمون الكذبة سُمُّوا برسل. وكان آخرون يزعمون أنَّهم رسل، ولكنَّهم ما كانوا رسلًا؛ والمسيح سُمِّيَ أيضًا رسولًا (راجع غل 1: 19؛ أعمال 14: 14؛ 2 قور 11:13؛ رؤ 2: 2؛ عب 3: 1). هؤلاء جميعًا كانوا رسلًا، لكن ليس بالمفهوم الّذي كان فيه الاثنا عشر ومتيَّا وبولس، بل بمفهوم أنَّهم جميعًا كانوا قد "أُرسِلوا" بمهمَّةٍ خاصَّة من قِبَل شخصٍ ما.
ورد ذكر الأنبياء بعد الرسل، في هذه الآية، وقد سبق بولس وتحدَّث عنهم (راجع أف 3: 5)، قائلًا بأنَّ الإنجيل قد أُعلِنَ لهم، وورد ذكر النبوَّة بين مواهب الكنيسة (راجع أف 4: 11). لذلك، لا بدَّ من أنَّ هؤلاء كانوا أنبياء العصر المسيحيّ، لا أنبياء العهد القديم. ففي العهد الجديد، كانت النبوءة جزءًا من حياة الكنيسة (راجع روم 12: 6؛ 1 قور 12–14؛ 1 تس 5: 20).
بأيّ مفهومٍ كان "الرسل والأنبياء" أساس الكنيسة؟ في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس، صوّر بولس المسيح على أنَّه أساس بناء الله، وصوَّر نفسه والآخرين كبنَّائين حكماء وضعوا الأساس بالكرازة بالمسيح (راجع 1 قور 3: 9-15). حدثت عمليَّة البناء على ذلك الأساس عند اهتداء الناس إلى المسيح. ولكن في الفصل الثَّاني من الرسالة إلى أهل أفسس، صوَّر بولس الرسل والأنبياء بطريقةٍ مختلفة، ليس كالَّذين وضعوا على الأساس وبنوا عليه، بل كالأساس نفسه. قد تشير كلمة "أساس" إلى الأساس الَّذي وضعه الرسل والأنبياء؛ وهذا يقدّم الرسل على أنَّهم يضعون الأساس للكنيسة في ما كانوا يكرزون به، أي المسيح. تنسجم وجهة النَّظر هذه مع ما ورد في الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس، الَّتي تقارن الرسل والأنبياء مع الأساس فقط (1 قور 3: 11)، من منظار أنَّهم كرزوا بالمسيح ابن الله المصلوب، الـمُقَام من بين الأموات، والصَّخر الَّذي عليه بُنيَت الكنيسة.
عبارة "حجر الزاوية" مُترجَمة من الكلمة اليونانيَّة akrogôniaíos. حجر الزاوية مهمٌّ جدًّا، لأنَّه الحجر الَّذي يجعل "أساس البناء راسخًا" (أش 28: 16). فيوضع "حجر الزاوية" عند زاوية الحائط حتَّى يتحكَّم بجميع مسارات المداميك وجميع الزوايا الأخرى للبناء. وهذا ما يجعل المسيح أساس بناء الله. كرز به الرسل والأنبياء، وهو "حجر الزاوية" الَّذي يحدّد كلَّ مسارٍ في البناء كلّه. المسيح هو الأساس الَّذي بُنيَت عليه الكنيسة، ومن دونه لا يمكن أن توجد الكنيسة أو تقوم بوظيفتها.
21 فيهِ يَتَمَاسَكُ البِنَاءُ كُلُّه، فَيَرْتَفِعُ هَيْكَلاً مُقَدَّسًا في الرَّبّ،
22 وفيهِ أَنْتُم أَيْضًا تُبْنَونَ معًا مَسْكِنًا للهِ في الرُّوح.
يُنهي بولس كلامه باستعارة البناء. يشير حرف الجرّ "فيه"، المستخدم مرَّتين، إلى المسيح؛ وعبارة "البناء كلُّه، إلى "أهل بيت الله" (أف 2: 19) بأساسه وزواياه. إنَّ عمل الكنيسة، ونموّها، وبنيانها، ووجودها نفسه، يستند إلى علاقتها بالمسيح. هذا واضحٌ، إذ يبدأ بولس الآية 21 بكلمة "فيه"، ويُنهيها بعبارة "في الرَّبّ".
فعل "يتماسك" (أف 2: 21) مُترجمٌ من اليونانيَّة (sunarmologéô)، وقد ورد مرَّتين فقط في كلّ العهد الجديد (راجع أف 2: 21؛ 4: 16)، ويُشير في المرَّتين إلى أنَّ أعضاء الكنيسة هم الَّذين يتكوَّن منهم جسد المسيح، والَّذي تمَّ تصوُّره كبناءٍ وكجسد. يكون نموّ الجسد وبنيانه ممكنًا إذا كان كلُّ عضوٍ يؤدّي وظيفته بشكلٍ صحيح. صيغة المضارع، الـمُستخدمة في اللغة اليونانيَّة، تدلُّ على أنَّ هذا "التماسُك" متواصلٌ. الكنيسة، كبناء الله، هي حقيقةٌ قائمة دائمًا في الوقت الحاضر، ولكنَّ تركيب اليهود والأمم معًا في وحدة منسجمة، هو عمليَّة مستمرَّة.
تشير عبارة "تُبنَون معًا" (أف 2: 22) إلى أنَّ الله قد وضع أهل أفسس على هذا الأساس عندما أطاعوا الإنجيل وتمَّ ضمُّهم إلى الكنسية (راجع أعمال 2: 38-47). الكنيسة قائمة الآن، وما زال الله يضمُّ الناس إليها كــ"حجارةٍ حيَّة". وبهذه الطريقة تنمو "هيكلًا مقدَّسًا" (أف 2: 21) في المسيح. والكنيسة لا تنمو بزيادة الحجارة الحيَّة فحسب، بل وتنمو روحيًّا إذ إنَّ أعضاءها، هؤلاء "الحجارة الحيَّة"، يختبرون قداسة الحياة. في هذا النموّ المزدوج، تصير الكنيسة "هيكلًا مقدَّسًا (أف 2: 21). وهذا الهيكل النَّامي، هو المكان الَّذي "يسكن فيه الله في الروح" (أف 2: 22).