الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-07-09
13 فَنَحْنُ جَمِيعًا، يَهُودًا ويُونَانِيِّين، عَبِيدًا وأَحْرَارًا، قَدْ تَعَمَّدْنَا في رُوحٍ وَاحِدٍ لِنَكُونَ جَسَدًا وَاحِدًا، وسُقِينَا جَمِيعًا رُوحًا وَاحِدًا.
كان بولس قد سبق واستخدم فئات "اليهود واليونانيّين، العبيد والأحرار"، لينصح أعضاء الكنيسة بأن يعيشوا وفقًا لمجموعةٍ جديدة من القِيَم (راجع 1 قور 7: 18-24)؛ والآن يطبّقها على العضويَّة في الجسد والمشاركة فيه. لم تكن الكنيسة بحاجةٍ إلى التذكير بأنَّ العضويَّة في "الجسد الواحد" تتطلَّب إيمانًا مبنيًّا على "المعموديَّة في روحٍ واحد"، لأنَّ الجميع كانوا يدركون أنَّ المعموديَّة هي بداية حياةٍ جديدة في المسيح.
27 فأَنْتُم جَسَدُ الـمَسِيح، وأَعْضَاءُ فِيه، كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا قُسِمَ لَهُ.
تبدأ الوحدة في جسد المسيح بالمسؤوليَّة الفرديَّة. كان الروح قد أعطى لبعض أعضاء الكنيسة في قورنتس مواهب لبنائها؛ غير أنَّ وحدة الكنيسة تتجاوز المستويات الفرديَّة والجماعيَّة. إنَّ كلَّ جماعةٍ كنسيَّة مرتبطة معًا بالولاء المشترك للمسيح. لم يضع بولس أيَّ خطٍّ متميّز بين المناصب في الكنيسة الَّتي تتجاوز مستوى الجماعة الكنسيَّة، والمناصب الَّتي يجب ممارستها في مكانٍ معيَّن، إذ كان اهتمامه بشتَّى العطايا والمواهب الَّتي يساهم بها المؤمنون. فعندما يفهم هؤلاء مواهبهم، واحتياجات الكنيسة بطريقةٍ صحيحة، سيتخلَّى الكلُّ عن الغيرة التافهة، وسيُسَاهم كلُّ عضوٍ في الكنيسة بقدراته المعطاة له مِن قِبَل الله لخير "جسد المسيح". ولا يمكن أن يكون هناك جسدٌ من دون "أعضاء" يُساهم "كُلُّ واحدٍ" منها بما له لمصلحة الجميع.
28 فقَدْ وَضَعَ اللهُ في الكَنِيسَةِ الرُّسُلَ أَوَّلاً، والأَنْبِيَاءَ ثَانِيًا، والـمُعَلِّمِينَ ثَالِثًا، ثُمَّ الأَعْمَالَ القَدِيرَة، ثُمَّ مَوَاهِبَ الشِّفَاء، وَإِعَانَةَ الآخَرِين، وحُسْنَ التَّدْبِير، وأَنْوَاعَ الأَلْسُن.
بينما تُستخدم غالبًا كلمة "الكنيسة" للإشارة إلى جماعةٍ محليَّة من المسيحيّين، إلَّا أنَّها تشير أيضًا إلى الكنيسة الجامعة. استخدام بولس أداة التَّعريف في كلمة "الكنيسة"، يُشير، في هذا السياق، إلى أنَّ قائمة المواهب الَّتي تتبع في هذا النصّ، تنطبق على مستوى الكنيسة الجامعة فضلًا عن المستوى المحليّ.
قد تكون كلمة "رُسل" مُصطلحًا عامًّا للَّذين تمَّ إرسالُهم في مهمَّةٍ معيَّنة من قِبَل الكنيسة (راجع أعمال 14: 14). لكنَّ هذه الكلمة كانت تُستخدم أيضًا للإشارة إلى الاثني عشر الَّذين عيَّنهم المسيح كشهودٍ لقيامته من بين الأموات. كان الرسل الاثنا عشر قد تمّ تكليفُهم بسلطان (راجع مر 16: 14-18). كانت لبولس المأموريَّة نفسها والسلطان نفسه اللَّذان كانا للاثني عشر (راجع 1 قور 15: 9؛ غل 1: 11، 12). كان "الأنبياء" جنبًا إلى جنبٍ مع الرسل، مُلهَمِينَ إلهيًّا لتقديم التوجيه إلى الكنيسة في تعاليمها ورسالتها؛ ولكنّ سلطان الأنبياء كان أقلَّ من سلطان الرسل. فعندما يرِدُ ذكرهم مع الرسل، يُذكَرون بعدهم (راجع 1 قور 12: 28، 29؛ أف 2: 20: 3: 5؛ 4: 11).
وضع الله أيضًا، عن طريق المواهب الَّتي يمنحها الروح القدس، "معلّمين" في الكنيسة (راجع أف 4: 11). يُفتَرَض أنَّ المعلّمين كانوا موجودين في جميع الجماعات. إنَّهم كانوا في غاية الأهميَّة، ولكن ورد ذكرُهم في المرتبة الثَّالثة، لأنَّهم لم يكونوا بالضَّرورة موهوبين بالروح القدس لإعطاء توجيهاتٍ موثوقة. ربَّما كان بعض المعلّمين ممنوحينَ قدرةً عجائبيَّة على معالجة المسائل الصَّعبة في الكنيسة، بينما البعض الآخر لم يُمنحوا تلك القدرة.
من الـمُحتَمَل أنَّ المسيحيّين الَّذين كان الروح قد أعطاهم مواهب "قُوَّاتٍ" عجائبيَّة، هم من فئةٍ كبيرة تشمل الَّذين كانت لهم "مواهب شفاء". يبدو أنَّ المصطَلَحَين الـمُستَخدَمَين للموهبَتَين هنا، يُشيران إلى قدراتٍ غير عجائبيَّة. الأولى "إعانة الآخرين" (antilêmpseis)، ووردت فقط هنا في العهد الجديد؛ قد تشير هذه القدرة إلى الأفعال المفيدة الَّتي يعملها البعض للآخرين، سواءَ في الجسد أم خارجه. ربَّما أعطى الرُّوح القدس البعض تصرُّفًا خاصًّا أو فُرَصًا فريدةً للقيام بأعمال الخير. القدرة الثَّانية هي "حسن التدبير" (kubernêsis)، ترد أيضًا مرَّة واحدة هنا في العهد الجديد. ويبدو أنَّها تُشير إلى القيادة في المسائل العمليَّة، كتحديد مكان التجمُّع وزمانه، أو توجيه سلوك الجماعة نفسه.
ليس من قبيل الصدفة أن يضع بولس قدرة "أنواع الألسن" في آخر قائمته للمواهب الَّتي يبدو أنَّ أهل قورنتس يشتهونها بالأكثر. فأظهر أنَّه ينبغي عدم تقدير قدرة "التكلُّم بالألسن" تقديرًا خاصًّا.
29 أَلَعَلَّ الـجَمِيعَ رُسُل؟ أَلَعَلَّ الجَمِيعَ أَنْبِيَاء؟ أَلَعَلَّ الـجَمِيعَ مُعَلِّمُون؟ أَلَعَلَّ الـجَمِيعَ صَانِعُو أَعْمَالٍ قَدِيرَة؟
30 أَلَعَلَّ لِلجَمِيعِ موَاهِبَ الشِّفَاء؟ أَلَعَلَّ الـجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِالأَلْسُن؟ أَلَعَلَّ الـجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ الأَلْسُن؟
إذ سبقت أسئلة بولس الواردة في هاتَين الآيَتين أداة النفي اليونانيَّة mê، أشار بذلك إلى أنَّه كان يتوقَّع إجاباتٍ بالنفي. "ألعلَّ الجميع رسل؟" (1 قور 12: 29)، ويتبع النمط نفسه في الأسئلة الأخرى. يجب ألاّ يغار أحد من أخيه الَّذي وُهِبَ مواهب فائقة الطبيعة، سواء أكان ذلك التكلُّم بالألسن أم المواهب الرسوليَّة أم مواهب الشفاء. لكي تُخدَم الكنيسة بصورةٍ جيّدة، فإنَّها تحتاج إلى عدَّة مواهب متنوّعة بين أعضائها.
تتواصل سسلسلة الأسئلة البيانيَّة، مع توقُّعِ أن تكون إجابة كلّ سؤالٍ بالنفي. بالطبع، ليس للجميع الموهبة نفسها، ولو كانت كذلك، لكانت الكنيسة جسدًا ضعيفًا، يتَّكل أعضاؤه على بعضهم البعض.