الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-04-13
24 وشَكَرَ وَكَسَرَ وقَال: "هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذي يُكْسَرُ مِنْ أَجْلِكُم. إِصْنَعُوا هذَا لِذِكْري".
25 كَذَلِكَ بَعْدَ العَشَاء، أَخَذَ الكَأْسَ أَيْضًا وَقَال: "هذِهِ الكَأْسُ هِيَ العَهْدُ الجَديدُ بِدَمِي. فَكُلَّما شَرِبْتُم مِنهَا، إِصْنَعُوا هذَا لِذِكْري".
26 فكُلَّمَا أَكَلْتُم هذَا الخُبْز، وشَرِبْتُم هذِهِ الكَأْس، تُبَشِّرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ حَتَّى مَجِيئِهِ.
بولس ولوقا هما الوحيدان اللَّذان استخدما عبارة "وشكرَ" (eucharistêsas باللغة اليونانيَّة) عند الحديث عن كسر يسوع الخبز (راجع لو 22: 19). يُشير كلٌّ من متَّى ومرقس (متَّى 26: 26؛ مر 14: 22) إلى أنَّه "بارك" الخبز، مع أنَّ المعنى لا يختلف كثيرًا. عندما يتناول المسيحيّ الخبز مع إخوته المؤمنين في الإفخارستيَّا، فإنَّه بذلك يشارك في جسد الرَّبّ السريّ.
عندما قال يسوع: "هذا هو جسدي" (1 قور 11: 24)، و"هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي" (1 قور 11: 25)، تحوَّل الخبز والخمر إلى جسده ودمه الحقيقيَّين. في النصّ اليونانيّ، تدلُّ صيغة المضارع لِهَاتَين الآيتين (1 قور 11: 24-25)، على استمرار الذكرى والشركة في موت المخلّص وقيامته. عندما يأكل الانسان الطَّعام الماديّ العاديّ، يتغذَّى ويتغيَّر ويكبر؛ لكن عندما يتناول جسد الرَّبّ ودمه، يكون التَّغيير من نوعٍ مختلف، إذ يصير إلى ما هو يسوع عليه. أمَّا بالنسبة إلى عبارة "إصنعوا هذا لذكري" (1 قور 11: 25)، كما استخدمها بولس، فهي تدعو المشاركين في عشاء الرَّبّ إلى أن يتذكّروا الثَّمن الَّذي دفعه يسوع من أجلهم لكي يخلصوا، وبالتَّالي تكون الإفخارستيَّا فعل شكرٍ وامتنان.
كان سفكُ دمِ يسوع الوسيلةَ الَّتي بها دخل الله في "العهد الجديد" مع شعبه. يختلف العهد الجديد عن العهد القديم الَّذي كان الله قد قطعه مع إسرائيل على يد موسى. سمَّى يسوع الكأس في إنجيلَي متَّى ومرقس: "دمي، دم العهد" (متَّى 26: 28؛ مر 14: 24)، أمَّا في لوقا فورَدَ: "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، الَّذي يهرق من أجلكم" (لو 22: 20). صياغة بولس مماثلة أكثر لصياغة لوقا. ولكنَّ الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس هي الوحيدة الَّتي وردت فيها العبارة "فكلَّما شربتم منها، إصنعوا هذا لذكري" (1 قور 11: 25) بعد تناول الكأس. في الأناجيل الإزائيَّة، تتبع هذه العبارة كسر الخبز، وليس مباركة الكأس.
وفضلاً عن أنَّه شركة بين المؤمنين، يتطلَّع عشاء الرَّبّ، أيضًا، إلى المجيء الثَّاني. فمن خلال هذا العشاء، يبشّر المسيحيُّون "بموت الرَّبّ حتَّى مجيئه".
27 إِذًا فَمَنْ يَأْكُلُ خُبْزَ الرَّبِّ ويَشْرَبُ كَأْسَهُ، بِدُونِ ٱسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُذْنِبًا إِلى جَسَدِ الرَّبِّ ودَمِهِ.
يتمُّ فهم تناول عشاء الرَّبّ "بدون استحقاق" على أنَّه تناولٌ من دون توبةٍ عن الخطايا، إذ توجد عند كثيرٍ من المؤمنين خطايا لم يتخلُّوا عنها تمامًا (راجع قول 3: 8). إضافةً إلى ذلك، كان أهل قورنتس يستخفُّون بكسر الخبز، إذ يعلنون وحدتهم شكليًّا، ثمَّ عندما يخرجون، ينشقُّون حالًا في ما بينهم على أساس المقامات الاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، بينما كان من المفترض أنَّ ما قاموا به هو "شركة" (1 قور 11: 20، 21).
تناولهم عشاء الرَّبّ، فيما كانوا ينكرون جوهره بممارساتهم، هو بمثابة تناولهم "بدون استحقاق". عندما كان المسيحيُّون "يقسّمون جسد المسيح" (1 قور 1: 13) بسبب تفضيلهم الأنانيَّة، غير مبالين بالآخرين، كانوا يتناولون عشاء الرَّب "بدون استحقاق". هذا الانقسام جعل كلَّ عضوٍ في الجماعة "مذنبًا (باللغة اليونانيَّة كلمة enochos معناها مجرمًا) إلى جسد الرَّبّ ودمه". تؤكّد الصّيغة اليونانيَّة أنَّ الطريقة الَّتي كان أهل قورنتس يتناولون بها الطَّعام لم تكن مرضيَّة. وربمَّا لم يكن ذلك لأنَّهم لم يكونوا يفكرّون بجسد المسيح ودمه بشكلٍ صحيح، أو يُخفقون في أن يكونوا في شركةٍ صحيحةٍ معه، بل لأنَّهم كانوا يرتكبون الإثم بسبب الإساءة إلى بعضهم البعض؛ وبفعلهم هذا ينفون قوَّة القصد من موت المسيح لأجلهم.
28 فَلْيَمْتَحِنْ كُلُّ إِنْسَانٍ نَفْسَهُ، ثُمَّ فَلْيَأْكُلْ مِنْ هذَا الخُبْزِ ويَشْرَبْ مِنْ هذِهِ الكَأْس.
كان "الامتحان الذاتيّ" في قورنتس يعني النَّظر في وحدة الكنيسة، أو أن يسأل المؤمن نفسه: هل أساهم في وحدة الكنيسة أم لا؟ عندما دعا بولس كلَّ واحدٍ من مؤمني قورنتس إلى أن "يمتحن نفسه"، لم تكن دعوة لرفض عشاء الرَّبّ، إن كان المسيحيّ يتذكَّر خطيئةً ما ارتكبها خلال الأسبوع السَّابق؛ لأنَّه إن كانت الحال هكذا، فلن يجرؤ أحد على أن يكسر الخبز ويشرب الكأس، على الإطلاق. كما لم يقصد بولس أنَّه ينبغي على الشّخص أن لا يتناول عشاء الرَّبّ، ما لم يستطع مواصلة التَّفكير بموت المسيح أثناء تناول الخبز وشرب الكأس. لا تشمل عبارة "بدون استحقاق" (1 قور 11: 27) أيًّا مِن هذَين. في هذا السياق، كان بولس يناشد أنَّ الوحدة المرموز إليها في هذا الاحتفال يجب تطبيقها عمليًّا. بالطبع ينبغي على المسيحيّ أن "يمتحن ذاته" ويفحص سلوكه الخاطئ، ويعمل على تغييره، وعند تناول عشاء الرَّبّ، أن يفكّر بالصَّليب والثَّمن المدفوع عن خطاياه. لكنَّ خطأ كنيسة قورنتس كان له صلة بالوحدة. فقد كان المسيحيُّون يتناولون عشاء الرَّبّ ويعلنون عن وحدة الجسد، ولكن من الناحية العمليَّة كانوا يروّجون للانشقاق. لذا، بسبب طرقهم المسبّبة للخلاف والشقاق، كانوا يتناولون العشاء بكيفيَّة غير مستحقَّة، وهذا ما يجلب عليهم دينونةً لنفوسهم.
29 فَمَنْ يَأْكُلُ ويَشْرَب، وهُوَ لا يُمَيِّزُ جَسَدَ الرَّبّ، يَأْكُلُ ويَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ.
المثال الَّذي قدَّمه المسيح هو لمن "يأكل ويشرب" ليجد الذكرى في عشاء الرَّبّ، بالتواصل مع المسيح وإخوته المؤمنين، وبتوقٍ واثق إلى الحياة الأبديَّة. عدم التعامل مع الجسد بــ "استحقاق" أثناء كسر الخبز وشرب الكأس، يجلب "دينونةً للنَّفس".
لكن ماذا يعني بولس بعبارة "لا يميّز جسد الرَّبّ"؟ "الجسد" أو "جسد الرَّبّ" هو استعارة شائعة يستخدمها بولس للدلالة على الكنيسة. إنَّ إخفاق أهل قورنتس لم يكن في تناول العشاء، بل في فهمهم للكنيسة، كما لو كان الانقسام شيئًا مقبولًا. لم يستعمل بولس هنا "جسد الرَّبّ" بالمعنى الحرفيّ، بل يشير إلى وحدة الكنيسة الَّتي كان أهل قورنتس يخفقون في التمسُّك بها.
30 ولِهذَا السَّبَبِ كَثُرَ بَيْنَكُمُ المَرْضَى والضُّعَفَاء، ورَقَدَ الكَثِيرُون.
"رقد الكثيرون" هي طريقةُ بولس المجازيَّة الَّتي يعبّر، من خلالها، أنَّ عددًا من المسيحيّين في قورنتس كانوا أمواتًا روحيًّا، أمَّا البقيَّة فكان منهم "كثُر مرضى وضعفاء". عندما كان الأغنياء يعبّرون عن وحدانيَّة الجسد بتناول الخبز والكأس، ثمَّ يفصلون أنفسهم عن المتَّضعين في مآدبهم، فإنَّهم بذلك كانوا يأكلون ويشربون "بدون استحقاق" (1 قور 11: 27)، لأنَّهم احتضنوا النِّفاقَ فحلَّتْ بهم المصائبُ.
31 فَلَو كُنَّا نُحَاسِبُ أَنْفُسَنَا لَمَا كُنَّا نُدَان.
لو كان أهل قورنتس "يحاسبون أنفسهم"، لما كان من الضروريّ لبولس أن يُصدر حكمًا بشأن هذه المسألة. والأهمّ من ذلك لَمَا كان الله قد أدانهم. غير أنَّهم لم يكونوا "يحاسبون أنفسهم"، لأنَّهم "لو كانوا يحاسبون أنفسهم لما كانوا يُدانون". محاسبة النَّفس الَّتي تليها التوبة عن الخطايا هي الطريق لتمجيد الله. فتحذير بولس لأهل قورنتس هو أن يحاسبوا أنفسهم بصدق. استخدام بولس صيغة المتكلّم الجمع خفَّف اللَّوم عن أهل قورنتس، إذ وصف نفسه معهم، مشيرًا بذلك إلى أنَّ محاسبة الذَّات هي عنصرٌ دائم في الحياة مع المسيح.
32 ولكِنَّ الرَّبَّ يَدِينُنَا لِيُؤَدِّبَنَا، حَتَّى لا نُدَانَ مَعَ العَالَم.
لم يقل بولس إنَّ الله "يعاقب" أو "ينتقم" بل "يؤدّب"، لأنَّ ما يحدث يخصُّ "تبكيتنا" لا "إدانتنا"، شفاءنا، لا الانتقام منَّا، تصحيح حالنا لا معاقبتنا. يدعو بولس توبيخ الرَّبّ "تأديبًا"، لأنَّه تحذيرٌ أكثر منه إدانة، إذ يجعل الحاضر يبدو أقلَّ ثقلًا، بالمقارنة مع الشرور العظيمة الَّتي "يدان عليها العالم" بأعماله الشرّيرة.