الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-04-09
2 أَلنِّعْمَةُ لَكُم، والسَّلامُ منَ اللهِ أَبينَا والرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيح!
هذه كانت تحيَّة بولس المعتادة. توجد هذه التحيَّة نفسها في جميع رسائل القدّيس بولس، ولكن باختلافٍ طفيفٍ في الصّيغة من رسالةٍ إلى أخرى. تجمع هذه التحيَّة بين التحيَّة اليونانيَّة cháris (النعمة) والتحيَّة العبريَّة shalóm (السَّلام)، ممَّا يدلُّ على شموليَّة الخلاص.
3 أَشْكُرُ إِلـهِي، كُلَّمَا ذَكَرْتُكُم،
4 ضَارِعًا بِفَرَحٍ على الدَّوَامِ في كُلِّ صَلَواتِي مِنْ أَجْلِكُم جَمِيعًا،
كيف يمكن لبولس الرَّسول أن يكون سعيدًا وهو في السجن؟ استطاع بولس أن يفرح في قيوده لأنَّه عندما نظر إلى الماضي، فعل ذلك بالشكر. وإذا كانت الترتيبات النموذجيَّة لأحداث حياة بولس صحيحة، فهذا يعني أنَّ علاقته بكنيسة فيليبّي تقارب العشر سنوات. على ما يبدو أنَّ هذه الذكريات كانت جميلة: "أشكر إلهي، كلَّما ذكرتكم" (فل 1: 3). وكتب في الآية الرابعة أنَّه كان "يضرع بفرحٍ...في كلّ صلواته من أجلهم جميعًا". لقد تألَّم بولس وشُتم في فيليبّي: "بعدما تألَّمنا وشُتمنا في فيليبّي، تجرَّأنا بإلهنا أن نكلّمكم بإنجيل الله، في جهادٍ كثير" (1 تس 2: 2)، لكن، علاوةً على ذلك، كان يشكر الله كلَّما يتذكَّر أهل تلك المدينة، لأنَّه رأى الخير الَّذي نتج عنها، لا ما حصل له هو شخصيًّا.
5 لِمُشَارَكَتِكُم في الإِنْجِيلِ مُنْذُ أَوَّلِ يَومٍ إِلى الآن.
إحدى ذكريات بولس الجيّدة في فيليبّي كانت الطَّريقة الَّتي دعموا بها عمله بإخلاص. شكرهم بولس "لمشاركتهم في الإنجيل منذ أوَّل يومٍ إلى الآن". تُرجمت كلمة "مشاركة" هنا من الكلمة اليونانيَّة koinonía، الهامَّة جدًّا بالنسبة إلى بولس. وردت هذه الكلمة خمس مرَّات، وبمختلف الأشكال في هذه الرسالة القصيرة: تُرجِمَت إلى "مشاركة" (فل 1: 5)؛ وإلى "شركاء" (فل 1: 7)؛ وإلى "شركة" (فل 2: 1؛ 3: 10)؛ وإلى "تشارك" (فل 4: 15). تعبَّر الصيغة الإسميَّة بفكرة "الشراكة" (الزمالة)، وتشمل "المشاركة" (التعاون).
دعمَ أهل فيليبّي عمل بولس بشتَّى الطرق، بما فيها "صلاتهم لأجله" (فل 1: 19). لكنَّه عندما تكلَّم على "مشاركتهم في الإنجيل"، كان يشكر بصفةٍ خاصَّة من أجل دعمهم الماديّ. يستخدم بولس أحيانًا كلمات مثل "عطاء" (فل 4: 15)، عندما يتحدَّث عن مساعدةٍ ماليَّة، ولكنَّه كان يفضّل كلمة "مشاركة". على سبيل المثال، في أطول حوارٍ له عن العطاء (2 قور 8–9)، استخدم كلمات مثل "نعمة، و"شركة"، و"خدمة" (راجع 2 قور 8: 4).
6 وإِنِّي لَوَاثِقٌ أَنَّ الَّذي بَدأَ فِيكُم هـذَا العَمَلَ الصَّالِحَ سَيُكَمِّلُهُ حتَّى يَومِ الـمَسِيحِ يَسُوع.
7 فَإِنَّهُ مِنَ العَدْلِ أَنْ يَكُونَ لي هـذَا الشُّعُورُ نَحْوَكُم جَمِيعًا، لأَنِّي أَحْمِلُكُم في قَلبي، أَنْتُم جَميعًا شُرَكائِي في نِعْمَتِي، سَواءً في قُيُودِي أَو في دِفَاعِي عَنِ الإِنْجِيلِ وتَثْبِيتِهِ،
8 فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لي كَمْ أَتَشَوَّقُ إِلَيكُم جـَمِيعًا في أَحْشَاءِ الـمَسِيحِ يَسُوع.
عندما كان بولس يفكّر بالمسيحيّين في فيليبّي، كانت المشاعر تغمره. كانت المحبَّة إحدى هذه المشاعر: "أحملكم في قلبي (فل 1: 7). "كتب بولس أيَضًا: "فإنَّ الله شاهدٌ لي كم أتشوَّق إليكم جميعًا في أحشاء المسيح يسوع" (فل 1: 8). كانت "الأحشاء" تُعتبر في تلك الأيَّام "مركز العواطف". فعندما قال بولس إنّه اشتاق إليهم في أحشائه، كان يعبّر بذلك عن مدى عمق المحبَّة الَّتي وُصف بها الرَّبّ يسوع وقوّتها. ما عاشه لم يكن شوقًا بسيطًا، وليؤكّد على صدق ما يقوله، دعا الرَّبّ "كشاهِدٍ له".
عندما تذكَّر بولس أهل فيليبّي، كان "واثقًا أنَّ الَّذي بدأ فيهم هذا العمل الصَّالح سيكمّله حتَّى يوم المسيح يسوع" (فل 1: 6). كان بولس فرحًا في قيوده، لأنَّه كان يستطيع النَّظر إلى الحاضر بثقةٍ في الله. لم يثق بنفسه بقدر ما كان واثقًا بالله. لقد كان مليئًا بالثقة بصفةٍ أساسيَّة بسبب من هو الله: "الَّذي يعمل فيهم العمل الصَّالح" (فل 1: 6). وقد كتب في ما بعد: "الله الَّذي يجعلكم تريدون وتعملون بحسب مرضاته" (فل 2: 13).
تشير عبارة "يوم المسيح يسوع" (فل 1: 6)، إلى المجيء الثَّاني للرَّبّ يسوع المسيح (راجع فل 3: 20، 21). كان بولس يؤمن بأنَّ الله سيستمرّ يعمل في حياة أهل فيليبّي، متمّمًا قصده فيهم، طالما العالم باقٍ. لكن هذا لا يعني أنَّ أهل فيليبّي لن يعرفوا السُّقوط، فلم تكن جماعتهم تخلو من المشاكل (راجع فل 4: 2-3). لكنَّ بولس يعطي هنا باعثًا قويًّا، أنَّهم إن سقطوا، فالله سيهتمُّ بهم، وهو فاعلٌ في حياتهم، لأنَّهم سمحوا لله بأن يعمل في حياتهم.
بعدما تكلَّم على الثقة بأنَّ الله "سيكمّل كلَّ عملٍ صالح" في أهل فيليبّي، قال بولس: "أنتم جميعًا شركائي في نعمتي" (فل 1: 7). ذكر بولس في النصّ ثلاثة تعابير عن "مشاركة" أهل فيليبّي: هم شركاء "معه"، و"في الإنجيل"، و"في النعمة". بما يختصُّ بشركتهم مع بولس، لم يتخلَّوا عنه كما فعل آخرون عندما كان سجينًا (راجع فل 1: 15، 17؛ 2 طيم 1: 8؛ 4: 16)، بل استمرُّوا في مساعدته. بما يختصّ بشركتهم في الإنجيل، دافعوا عن الإنجيل وأثبتوه عند الهجوم عليه. الكلمة اليونانيَّة apología، الـمُترجَمة هنا "دفاع" (فل 1: 7)، تختصُّ بالدفاع الشفهيّ، وتشتمل على مهمَّة الردّ على الاعتراضات. وكلمة "تثبيت" (bebáôsis)، هي الجانب الأكثر إيجابيَّة لعبارة "دفاعي عن الإنجيل"، لأنَّها تشير إلى التَّعليم الَّذي يثبّت الإيمان (راجع أعمال 14: 21، 22). بما يختصُّ بشركتهم في النعمة، استخدم بولس كلمة "نعمة" لتشمل كلّ ما كان عليه بولس، وما فعله بنعمة الله. فعندما دعم أهل فيليبّي بولس والإنجيل، أصبحوا شركاء هذه النعمة.
9 وهـذِهِ صَلاتي أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُم أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في كُلِّ فَهْمٍ ومَعْرِفَة،
10 لِتُمَيِّزُوا مَا هُوَ الأَفْضَل، فتَكُونوا أَنْقِيَاءَ وبِغَيْرِ عِثَارٍ إِلى يَوْمِ الـمَسِيح،
11 مُمْتَلِئِينَ مِن ثَمَر البِرِّ بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ ومَدْحِهِ.
كان بولس فرحًا أيضًا لأنَّه نظر إلى المستقبل "بصلاة". لم يتجاهل حقيقة الحياة الشَّاقَّة وما كان ينتظره، لكنَّه كان يعلم أنَّ أهل فيليبّي سيواصلون جهادهم في مواجهة التحدّيات. والحلّ الَّذي قدَّمه لهم بولس هو "الصلاة" (فل 1: 9-11). صلَّى بصفةٍ خاصَّة ليستمرّ أهل فيليبّي في النضوج في الرَّب.
صلَّى أوَّلًا "لتزداد محبَّتهم أكثر فأكثر" (فل 1: 9). الكلمة اليونانيَّة agápe، الـمُترجَمة هنا "محبَّة"، هي محبَّة غير أنانيَّة تطلب ما هو أفضل للآخرين (راجع 2: 3).أراد بولس أن "تزداد محبَّتهم" كسيلٍ عظيم، لكن هذه المحبَّة تحتاج إلى توجيه، لأنَّ النَّهر الخارج عن نطاق السيطرة قد يكون مدمّرًا. لهذا، شمل بولس عُنصرَين آخرَين في صلاته هذه. صلَّى لأجل "نموّهم في كلّ فهمٍ ومعرفة" (فل 1: 9). كلمة "معرفة" مُترجَمة هنا من كلمةٍ مركَّبة في اللغة اليونانيَّة epígnôsis: حرف الجرّ "على" (epí) وكلمة "معرفة" (gnôsis)، وتعني "معرفة شيءٍ مضاف"، أي ليست معرفة سطحيَّة، بل معرفة روحيَّة، لا بل معرفة الله ومشيئته.
بين "الفهم والمعرفة" هناك علاقة قويَّة بالعنصر التالي في صلاة بولس لأجل أهل فيليبّي: من أجل نموُّهم "ليميّزوا ما هو الأفضل" (فل 1: 10)، لأنَّهم عندما يستطيعون أن يفهموا (فل 1: 9)، يمكنهم أن يميِّزوا (فل 1: 10). وهذه القدرة على التمييز هي علامة نضوج. الفعل اليونانيّ dokimázein الـمُترجَم هنا "تميّزوا"، معناه "تفحَّصوا". وقد تشير إلى الشَّيء الَّذي تمَّ فحصه ووُجد أصيلًا. أرادهم بولس أن يميّزوا "ما هو الأفضل". تشير الكلمة اليونانيَّة diaphéronta إلى ما هو "مختلفٌ"، أو "متميّزٌ"، أو "فريدٌ من نوعه". ليس الشيء المهمّ أن يتعلَّم أهل فيليبّي تمييز الجيّد فقط، بل من المهمّ أيضًا أن يتعلَّموا تمييز "ما هو الأفضل".
صلَّى بولس أيضًا من أجل نموّ أهل فيليبّي بالإيمان: "فتكونوا أنقياء وبغير عثارٍ إلى يوم المسيح" (فل 1: 10). تعني كلمة "أنقياء" أن يكونوا "بلا رياء". أضاف بولس أيضًا إلى كلمة "أنقياء"، عبارة "بغير عثارٍ"، الَّتي لا تعني أنَّ أحدًا لن يلوم أهل فيليبّي، ولا أنَّهم قد وصلوا إلى الكمال، بل تشير إلى نوع الحياة الَّتي يرى فيها الآخرون أنَّهم يحاولون أن يعملوا "ما هو الأفضل".
العنصر الأخير في قائمة صلاة بولس لأهل فيليبّي هو أن ينموا في حياةٍ مُثمرة: "ممتلئين من ثمر البرّ". مع أنَّ كلمة "ثمر" مستخدَم بشتَّى الطرائق في كتاب العهد الجديد، إلَّا أنَّها تشير هنا إلى النَّتيجة العمليَّة للحياة الحميمة مع الرَّبّ. يأتي الثمر بواسطة يسوع المسيح، ويشتمل على جهد الانسان لإنتاج الثمر الماديّ. لكنَّ المصدر المطلق لكلٍّ من الثمر الماديّ والرُّوحيّ هو الرَّبّ.
12 أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنَّ مَا حَدَثَ لي قَد أَدَّى بِالـحَرِيِّ إِلى نَجَاحِ الإِنْجِيل،
أحبّ بولس استخدام كلمة "الإخوة" الَّتي تعبّر عن قربه من الجماعة. وقد استُخدمت هذه الكلمة مئةً وثلاثين مرَّة تقريبًا في رسائل القدّيس بولس، ووردت تسعٌ منها في الرسالة إلى أهل فيليبّي (1: 12، 14؛ 2: 25؛ 3: 1، 13، 17؛ 4: 1، 8، 21). واستمرَّ قائلًا: "إنَّ ما حدث لي قد أدَّى بالحريّ إلى نجاح الإنجيل". وهنا، تشمل عبارة "ما حدث لي" كلّ ما قاساه بولس من أجل الإنجيل. مع ذلك، لم يكن يفكّر بمشاكله، بل بــ"نجاح الإنجيل".
الكلمة اليونانيَّة prokopên، الـمُترجمة هنا "نجاح" تعني "يقطع إلى الأمام". كانت هذه الكلمة تُستخدَم أصلًا للإشارة إلى رائدٍ أو مكتشف يقطع طريقه من خلال الأدغال. وكانت تُستخدم، أيضًا، لوصف عمل سلاح الهندسة، ومهمّة افراده أن يتقدّموا الجيش، لقطع الأشجار والنباتات المتشابكة الَّتي قد تعيق تقدُّمه. وهذا يفتح عادةً منطقة جديدة؛ وهو ما فعله سجن بولس: "مهَّد لطريق الإنجيل".
13 حتَّى إِنَّ قُيُودِي مِن أَجْلِ الـمَسِيحِ صَارَتْ مَشْهُورَةً في دَارِ الوِلايَةِ كُلِّهَا، وفي كُلِّ مَكَانٍ آخَر.
أعطى بولس مثلًا للتقدُّم الَّذي أحرزه الإنجيل بسبب سجنه: الاتّصال مع الوثنيّين "في دار الولاية كلّها، وفي كلّ مكانٍ آخر"، حيث وجد بولس فُرَصًا رائعة لتبشير الإنجيل، لأنَّ المعيار المعمول به عند حراسته في السجن، كان تغيير نوبة الحراسة كلّ ستّ ساعات. وبهذا سنحت الفرصة لبولس الرَّسول للتأثير على أربعة من العساكر يوميًّا.