الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-03-26
1 على جَمِيعِ الَّذِينَ تَحْتَ نِيرِ العُبُودِيَّةِ أَنْ يَحْسَبُوا أَسْيَادَهُم أَهْلاً لِكُلِّ كَرَامَة، لِئَلاَّ يُجَدَّفَ عَلى إسْمِ اللهِ وتَعْلِيمِهِ.
واحدة من أعظم التجارب الَّتي واجهتها المسيحيَّة في القرن الأوَّل كانت العبوديَّة. حتَّى في هذا النطاق، وضع بولس خطَّة توصيةٍ للعبيد الَّذين قبلوا الإيمان المسيحيّ ليلتزموا بها. يوجّه الرَّسول حديثه إلى العبيد الَّذين هم "تحت نير العبوديَّة"، كمن يشعر بأثقالهم. ليس بمقدور بولس أن يرفع عنهم هذا النّير، لكنَّه يقدّم لهم إمكانيَّة جديدة فوق ما هو مادّي ونفسيّ. فلا يتطلَّع العبد إلى نفسه وهو تحت "نير العبوديَّة" كمن هو في مذلَّة، بل يرتفع بقلبه فوق النّير.
بهذا المنظار، يرفع الرَّسول العبد فوق كلّ الظُّروف المحيطة به، فيحقّق غايته حتَّى وإن كان عبدًا لسيّدٍ عنيف. هنا ترد الكلمة "كرامة" (راجع أيضًا 1 طيم 5: 3، 17 "أكرِم...لكرامة"). الإكرام هنا هو "للأسياد"، بحيث يتفوّق إخلاص العبد "لتعليم الرَّبّ" على القواعد الاجتماعيَّة. يُعتبَر هذا النَّوع من الخدمة أمرًا رائعًا، إذ لا يشكُّ العبد أبدًا بالَّذي يسود عليه، لا بل يقوم بأكثر ممَّا هو مطلوب منه، ليقوم بعمل التَّقوى أو بخدمةٍ كنسيَّة (راجع روم 12: 20، 21)؛ والسَّبب في ذلك "لئلَّا يُجدَّف على اسم الله وتعليمه" (راجع مز 74: 28-23).
2 أَمَّا الَّذِينَ لَهُم أَسْيَادٌ مُؤْمِنُونَ فلا يَسْتَهِينُوا بِهِم، لأَنَّهُم إِخْوَة، بَلْ بِالأَحْرَى فَلْيَخْدُمُوهُم، لأَنَّ الـمُسْتَفِيدِينَ مِن خَدْمَتِهِم الطَّيِّبَةِ هُم مُؤْمِنُونَ وأَحِبَّاء، ذلِكَ مَا يَجِبُ أَنْ تُعَلِّمَهُ وتَعِظَ بِهِ.
يوصي بولس الرَّسول تلميذه طيموتاوس بأن "يعلّم ويعظ"؛ بالتَّعليم يقدّم الإيمان المستقيم، وبالوعظ يحوّل العقيدة إلى حياةٍ عمليَّة وتطبيقٍ سلوكيّ. وإن كان يجب على العبد أن يخضع لسيدّه "وألَّا يستهين به"، فكم بالحريّ ينبغي أن يخضع الانسان لله.
3 فَإِنْ كَانَ أَحدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا مُخَالِفًا، ولا يَتَمَسَّكُ بالكَلامِ الصَّحِيح، كَلامِ ربِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، وبِالتَّعْلِيمِ الـمُوَافِقِ للتَّقْوى،
4 فهُوَ إِنسَانٌ أَعْمَتْهُ الكِبْرِيَاء، لا يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ مُصَابٌ بَمَرَضِ الـمُجادلاتِ والـمُمَاحَكَات، الَّتي يَنْشَأُ عَنْهَا الـحَسَدُ والـخِصَامُ والتَّجْدِيفُ وسُوءُ الظَّنّ،
5 والـمُشَاجَرَاتُ بينَ أُنَاسٍ فَاسِدِي العَقْل، زَائِفِينَ عَنِ الـحَقّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوى وَسيلَةٌ لِلرِّبْح.
كان بولس قلقًا بخصوص ما يقع فيه الناس من خلط بين التعاليم ووجهات النَّظر بالنسبة إلى الرّبح الماديّ والأولويَّات. لذا يوضح لطيموتاوس أنّ المعلّم الكاذب هو الَّذي "يعلّم تعليمًا مخالفًا، ولا يتمسَّك بالكلام الصَّحيح، كلام ربّنا يسوع المسيح، وبالتَّعليم الموافق للتقوى" (1 طيم 6: 3).
ثمَّ يبدأ بولس بعرض ثلاث مميّزات لمشاكل يسبّبها المعلّم الكاذب:
1. إنَّه "إنسانٌ أعمته الكبرياء" (1 طيم 6: 4)، وينبغي أن لا نتعجَّب إن كانت أعماله هي الجهل والحماقة، لأنَّ المتكبّر أعمى لا يرى الحقيقة. فالكبرياء يتحوّل إلى "مجادلات ومماحكات" تُفسد حياة الانسان وتنزع منه روح التقوى، لا بل تدفعه "إلى الحسد والخصام والتجديف وسوء الظنّ"، فتنشأ منازعات فاسدة كلُّها خبثٌ وليس فيها شيءٌ من الحقّ. بهذا تتحوَّل التقوى إلى تجارة أو "وسيلة للرّبح"، إذ يعمل أصحاب المنازعات لا لحساب المسيح وبنيان الكنيسة، وإنَّما لحسابهم الخاصّ.
2. "لا يفهم شيئًا" (1 طيم 6: 4). جمع بولس هنا كلمة "يفهم" بأداة النَّفي "لا"، واصفًا بدقَّة المخادع الَّذي لا يخضع للحقّ. إنَّه شخصٌ لا ينتبه إلى "الكلام الصَّحيح" (1 طيم 6: 3) الَّذي قد يساعده كي ينمو في الفهم. إضافةً إلى أفكاره الملتوية، يتصرَّف كمن هو مصدر الحقّ والمعرفة. تمَّ وصف أمثاله سابقًا في الرّسالة، إذ قال بولس: "أرادوا أن يكونوا معلّمي الشَّريعة، وهم لا يدركون ما يقولون ولا ما يؤكّدون" (1 طيم 1: 7).
3. "مصابٌ بمرض المجادلات والمماحكات" (1 طيم 6: 4). قد يتفوَّق أحدٌ في الجدال لأنَّه "مريض" يشتهي بذهنه الفاسد المباحثات والنزاع. يستهلك كلّ قواه في "المماحكات" الكلاميَّة؛ "يسبّب المشاجرات" (1 طيم 6: 5) فأصبح "فاسد العقل"
تنتج عن طريقة حياة المعلّم الكاذب هذه ثمارٌ رديئةٌ كلّها، إذ يعاني من "الحسد"، ولا يفرح بنجاح الآخرين؛ يحرّض على "الخصام"؛ ويرعى "التجديف"، إذ يتكلّم بشرّ على الآخرين، أو يجعل الآخرين يتكلَّمون ضدَّ الله أو ضدَّ الكنيسة؛ ويصل إلى حدّ "سوء الظنّ" فيشكّ في أيّ عملٍ يقوم به الآخرون.
هؤلاء هم "أناسٌ فاقدو العقل" منشغلون بعمل ما هو خبيث بين الإخوة، ويظنُّون أنَّ "التقوى وسيلةٌ للرّبح" (1 طيم 6: 5). ذلك يجعل لثمارهم خطورةً مضاعفة: يخاطرون بأنفسهم وبنفوس الكثيرين من الَّذين يتأثَّرون بهم. إنَّها مشكلة شائعة، لأنَّها ازدواجيَّة تستغلُّ الإيمان للوصول إلى أهدافٍ خاصَّة. فيظهر الانسان بمظهر التقوى وهو بعيدٌ كلَّ البعد عنها. وهذا هو التخلُّع بحدّ ذاته!