الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-01-22
24 إِذًا فَالشَّرِيعَةُ كَانَتْ لَنَا مُؤَدِّبًا يَقُودُنَا إِلى الـمَسِيح، لِكَيْ نُبَرَّرَ بِالإِيْمَان.
الكلمة اليونانيَّة paidagogós المترجمة هنا "مؤدّبًا"، هي كلمة مركَّبة تجمع بين país (طفل) و agogós (مرشد). وتعني هذه الكلمةُ حرفيًّا "مرشدَ الطّفلِ". كان الــ paidagogós عادةً هو عبدًا لأسرةٍ والمسؤولَ عن تقديمِ توجيهاتٍ للولدِ حتَّى يبلغَ مرحلةِ الرُّشدِ. لم يكنْ "مديرَ مدرسةٍ" أو "المعلّمَ" (didaskalos)، بل مَن يحرسُ الطفلَ أو يرافقُه إلى الصَّفِّ الدِّراسيّ. فكان مرشدًا أخلاقيًّا، وحاميًا، ومؤدّبًا صارمًا.
كان العبدُ الَّذي يصطحبُ الطِّفلَ، يراقبُ شؤونَ الصّبيّ بعد أنْ يتركَ رعايةَ الممرّضةِ. وكانَ دوامُه كاملًا: يوقظُ الطِّفلَ في الصّباحِ ويأتي به إلى السَّريرِ في اللَّيلِ. وكان هذا العبدُ مسؤولًا عن تعليمِ الصّبيّ حُسْنَ السُّلوكِ، كالجلوسِ والمشي بطريقةٍ صحيحةٍ، والوقوفَ في محضرِ الشُّيوخِ، وعدمَ الإفراطِ في تناولِ الطعامِ، وأن لا يكونَ كثيرَ الإزعاجِ. إذا كان الصبيُّ غيرَ طائعٍ، فإنَّ العبدَ الحارسَ يجلدُه بسوطٍ أو عصًا.
عندما يأخذُ الـــ paidagogós الصبيُّ إلى المدرسةِ، يحملُ معه لوحاتِه الكتابيَّةِ وكتبِه وآلتِه الموسيقيَّةِ. ينتظرُه هناك، سواءَ في حجرةِ الدّراسةِ أم في غرفةٍ خاصَّةٍ للعبيد الحرَّاس. بعد الحصص المدرسيَّة، يرافَقُ الطفلُ إلى المنزلِ ويجعلُه يحضِّرُ دروسَهُ. عندما يكون الطفل قاصرًا، يفرضُ العبدُ الحارسُ بعضَ القيودِ الضّروريَّة على حريَّتهِ، حتَّى يُتَمَكَّنَ الوثوقَ به عند بلوغه سنَّ الرُّشدِ، ليستخدمَ حريَّته بمسؤوليَّة.
كان القاصر تحت إشراف الحارسِ من حوالي سنّ السَابعةِ حتَّى أواخرِ سنِّ المراهقةِ. والزّمانُ المحدَّد لإنهاءِ هذه العلاقة يعتمد على "الوقتِ الَّذي يحدّده الأبُ" (غل 4: 2). عندما يبلغ الابنُ مرحلةَ الرُّشدِ، لا يكونُ بعدُ تحتَ "الأوصياء والوكلاء" (غل 4: 2)، بل يُطلق سبيلُه.
قامَتِ الشَّريعةُ بدورٍ مهمٍّ في كونِها أعدَّتْ الناسَ للإيمانِ بالمسيحِ (الرُّشد). أرشدَتِ اليهودَ لطبيعةِ اللهِ وأدانَتْهم بالخطيئةِ. فكانَتْ هذه الميّزاتُ الهامَّةُ ضروريَّةً في اقتيادِهم إلى الخلاصِ بيسوعَ المسيحِ.
25 فَلَمَّا أَتَى الإِيْمَان، لَمْ نَعُدْ تَحْتَ مُؤَدِّب؛
كان عمل الشريعة كالحارس، لفترةٍ محدودة فقط، والقصدُ منها تنظيمُ سلوكِ شعبِ اللهِ حتَّى مجيءِ المسيحِ، أي مرحلةِ الرُّشدِ. إنَّ رجوعَ الشَّخصِ إلى الشَّريعة كطريقةٍ للحياة يكون شبيهًا بشابٍّ يرجع إلى إشراف حرّاسه بعدما أصبحَ حرًّا طليقًا. فإنَّه بذلك يتخلَّى عن الحرّيَّةِ، والحقوقِ، والامتيازاتُ الَّتي تمتَّعَ بها ببلوغِه سنِّ الرُّشدِ (راجع غل 4: 1-7).
26 لأَنَّكُم جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بَالإِيْمَان، في الـمَسِيحِ يَسُوع.
انتقلَ بولسُ من صيغةِ المتكلّمين (نحن اليهود) إلى صيغةِ المخاطَبِين (لأنَّكم أنتم المسيحيّين الَّذين في غلاطية)، لكنَّه يتوجَّه إلى كلٍّ من اليهود والأمم الَّذين أصبحوا مسيحيّين.
استخدم بولس عمدًا عبارة "أبناء الله" – التعبيرُ الَّذي يشيرُ في الأوساطِ اليهوديَّةِ إلى إسرائيلَ حصْرًا (راجع خر 4: 22؛، 23؛ تث 14: 1، 2؛ هو 11: 1) – وطبَّقها على جميعِ المسيحيّين، يهودًا كانوا أو أممًا. جميعُهم كانوا "أبناءَ الله"، ليس بسببِ تمسُّكُهم بالنَّاموسِ، بل بفضلِ الإيمانِ بالمسيحِ يسوعَ.
27 فأَنْتُم جَمِيعَ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُم في الـمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الـمَسِيح.
واصلَ بولسَ حديثَه موضِّحًا مبدأَ الإيمانِ هذا إذ قال: "أنتم جميعُ الَّذين اعتمدتُم في المسيحِ قد لبِسْتُم المسيحَ". عندما آمنَ أهلُ غلاطية برسالةِ الإنجيلِ "اعتمدوا" (ebaptisthete)، أي غطسوا في الماءِ. عندما يتعمَّدُ المؤمنُ في المسيحِ، يتَّحدُ معه وينالُ بركاتِ موتِه وقيامتِهِ. فالمؤمنُ نفسُه يموتُ عن الخطيئةِ في ماءِ المعموديَّةِ ويقومُ ليحيا حياةً جديدةً (راجع روم 6: 3، 4؛ قول 2: 12). وصفَها بولسُ هنا بالعبارةِ "لبِسْتُم المسيحَ"، والَّتي تشيرُ إلى التَّسَرْبُلِ بِبِرِّهِ ِ(راجع 2 قور 5: 21).
28 فلا يَهُودِيٌّ بَعْدُ ولا يُونَانِيّ، لا عَبْدٌ ولا حُرّ، لاَ ذَكَرٌ ولا أُنْثَى، فإِنَّكُم جَمِيعًا وَاحِدٌ في الـمَسِيحِ يَسُوع.
نجدُ في هذه الآية ثلاثةَ أبعادٍ للهويّةِ وسْطَ المجتمعِ القديمِ: الانتماءُ العرقيّ (يهوديّ/يونانيّ)، الحالةُ الاجتماعيّة (عبدٌ/حرٌّ)، والجنسُ (ذكرٌ/أثنى). في النّصّ اليونانيّ، يذكرُ بولسُ البعدَ الثَّالثَ بطريقةٍ مختلفةٍ عن البُعدَين الأوَّلين، حيْثُ يستخدِمُ "لا...ولا..." ((ouk…oude… مُعربًا عنِ التّعارُضِ، بينما يجمعُ في البُعدِ الثَّالثِ "لا ذكرٌ وأُنثى" (arsen kai thêly).
هذا ما يقودُنا حرفيًّا إلى روايةِ الخلقِ الأولى، في بدايةِ الكتابِ المقدَّسِ؛ حيثُ نقرأُ في التَّرجمةِ السَّبعينيَّةِ: "خلقَ اللهُ الإنسانَ (anthrôpon)، على صورةِ اللهِ خلقِه، ذكرًا وأنثى (arsen kai thêly) خلقَهم" (تك 1: 27). يبدو بولسُ وكأنّه يؤكّدُ على تبايُنِ الخليقةِ الأولى مع الخليقةِ الجديدةِ حيثُ الجميعُ "واحدٌ (heis) في المسيحِ يسوعَ" (غل 3: 28).
لكنَّ مساواةَ الَّذين "في المسيحِ يسوعَ" لا تُلغي الحقيقةَ أنَّ اللهَ قد وضعَ التّمييزَ بينَ أدوارِ الجنسَين في الكنيسةِ وفي البيتِ. على الرُّغم من وجودِ أدوارٍ مختلفةٍ، إلَّا أنَّهما يشتركان في وضعٍ متساوٍ في ملكوتِ اللهِ.
29 فَإِنْ كُنْتُم لِلمَسِيح، فأَنْتُم إِذًا نَسْلُ إِبْراهِيم، ووَارِثُونَ بِحَسَبِ الوَعْد.
اختتمَ بولسُ هذا القسمَ من رسالتِه بتحديدِ الهويَّةِ: الَّذين هم في المسيحِ، هم من حيثُ الهويَّةِ "نسلُ إبراهيم". مكانتُهم المتميّزة في المسيح، جعلتهم "ورثةً بحسبِ الوعدِ"، أي الوعدُ الَّذي قطعَه الله مع إبراهيمَ. لذلك، فإنَّ المسيحيّين الأمميّين هم نوالُ موعدِ اللهِ بالإيمانِ؛ لا يحتاجونَ إلى إتّباعِ شريعةِ موسى.