الخوري إيلي حدشيتي
مقالات/ 2022-01-05
"إنسانٌ ناضجٌ، مسيحيٌّ في العمق، رسولٌ في المجتمع". أهدافٌ ثلاثةٌ تَربَّيْتُ عليها في عائلة الأخويّاتِ حتّى أصبحت جزءًا من كياني وأساسًا مهمًّا لدعوتي الكهنوتيّة. تعلّمتُها وعلّمتُها لتبقى المسيرة قائمة دائمًا وأبدًا. لذلك، ها إنّي اليوم أقدّم ذاتي وكلّ ما هو لي للرّب بإنسانيّتي ومسيحيّتي وإرساليّتي.
أوّلًا: بإنسانيّتي
حاجتانِ أساسيّتانِ تحتاج إليها الكنيسة اليوم على الصّعيدِ الإنسانيّ. أصلّي بدوري إلى الله لكي يمنحني إيّاها في مسيرة دعوتي.
• التّواضع الواقعيّ:
صفةٌ أساسيّة أريد أن أحملَها طوال مسيرتي الكهنوتيّة على مثال المعلّم الأوحد يسوع المسيح. فما يميّز رجل الله النّاضج هو تواضع قلبه وفكره وحياته... مُقدّمًا كلّ ما لديه في خدمة النّاسِ وخلاصِهم وليس بهدف خدمة مصالحه الشّخصيّة دون أن ينسى أنّه من النّاس ولأجلهم يعمل. فالله لا ينظر إلى الظّاهر فقط، بل إلى القلب... والأوّل يتناغم معه. في عهدي مع الله، أصلّي لكي أكونَ متواضعَ الرّوح مع المساكين وغيرَ مقتسمٍ الغنيمةَ مَعَ المتكبّرين (را أم 16: 19). وفي الوقتِ عينه، أطلبُ إليهِ أن ينوّرني من الدّاخل، فيصبِحَ قلبي شعاعًا ينوّرُ كياني كلَّه ويحملُ إنسانيّتي وإنسانيّةَ الآخرين إلى العلى حتّى التألّه.
• الشّهادة للحقّ
يتوجّه النّبيّ عاموس في الفصل الخامس من سفره إلى بني إسرائيل قائلًا: "أُبغضوا الشّرّ وأحبّوا الخير وأقيموا العدل" (عا 5: 14 – 15)، "وليَجرِ الحقّ كالمياه والعدل كنهرٍ لا ينقطع" (عا 5: 24) نظرًا إلى الظّلمِ والفسادِ وانعدامِ العدلِ الاجتماعيّ القائمِ آنذاك. ومن هنا، أُعاهدُ الله أن أبقى شاهدًا للحقّ أمامَ النّاسِ مهما كانتِ العوائق، ومحقّقًا عدالة الله فيما بينهم. فلا وجود للمساومة في مشروع الله وكلمته لأنّه "هو الأوّل والآخر ولا إله غيره" في هذه الحياة (را أش 44: 6). فإلهي هو الله فقط وشريعتي هي كلمته.
ثانيًا: بمسيحيّتي
على الصّعيد المسيحيّ والرّوحيّ خصوصًا، كيف لي أن أكون كاهنًا أصيلًا وخادمًا أمينًا بحسب قلب الله دون أن أتحلّى بركيزتَين عميقَتَين ومتينتَين في حياتي الرّوحيّة؟!
• الرّكيزة الأولى: الصّلاة
أتذكّرُ دائمًا وصيّة مثلّث الرّحمة المطران كميل زيدان للطّلّاب الإكليريكيّين عندما كانَ يدعونا دائمًا كي نتحلّى بالرّوحانيّة النّقيّة في حياتنا وأمام النّاس. تلك الرّوحانيّة الّتي تقرّبني أكثر إلى الله وتساعدني في سعيي إلى التمثّل به. أن أكونَ رجل صلاة، يجعلني أتماهى مع المسيح ويجعل من رعيّتي وأبنائها مكانًا لحضور الله فيهما. فاللّقاء اليوميّ مع الله وكلمته، والسّجود الدّائم لعظمته وحمل الرّعيّة وأبناء الله أجمعينَ في صلاتي، أوقاتٌ أساسيّة لي ككاهن جعل من نفسه صورة حقيقيّة لمحبّة الله وعطفه. فهذه الرّوحانيّة تولد منَ الدّاخل، من قلب الإنسان المتعطّش إلى الله لتشعّ خارجًا وتغمر الآخر برداء الحبّ والسّلام وترفعه إلى العلى. فإن ضاع الاختبار الحقيقيّ للكاهن مع ربّ السّماوات، ضاعت أحيانًا الرّعيّة وأُزيلَت عنها هويّتها المسيحيّة.
• الرّكيزة الثّانية: الفرح الرّوحيّ
في وسط الصّعاب الّتي نمرّ بها، واليأس السّائد بين النّاس، أرغب أن أكونَ ذلك الكاهن الّذي ينشرُ فرح المسيح بين أبناء شعبه. هذا الفرح الّذي يُعطي الطّمأنينة بأنّ الله معنا، الله يحمينا ويسترنا بعطفه وحنانه. "افرحوا في الرّبّ كلّ حين وأقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4) لأنّ من يسير مع الرّبّ ويختبر محبّته لا يمكن للخوف أن يغمر حياته. لذلك، مع بداية مسيرتي الكهنوتيّةـ أضع رجائي في الرّبّ خالق السّماوات والأرض، وأعده أن أسيرَ بفرحٍ دائمٍ معه ليُدخِلَ فرحه في قلوب النّاسِ أجمعين.
ثالثًا: بإرساليّتي
منذ صغري، تجذبني صورة الكاهن الحاضر دومًا في رعيّته، كالرّاعي الصّالح الّذي يسير خلف خرافه ليقودهم نحو الملكوت وخلاصهم. وهذا الحضور أصفه بنوعَين:
• الكاهن الحاضر عبر الإصغاء لأبناء رعيّته. فما يحتاجه النّاس اليوم هو أبٌ يُصغي إلى معاناة أبنائه وحزنهم ومشاكلهم وإلى فرحهم أيضًا. يحتاجون إلى راعٍ يُصغي بحبٍّ واهتمام ليشعر معهم ويحمل عنهم هموم حياتهم ويقدّمها إلى الله في صلاته. فقلب الكاهن ينبض حبًّا لا ينتهي تجاه من أوكله الله رعايتهم خصوصًا أولئك الّذين يبتعدون عن كنيستهم شيئًا فشيئًا ليردّهم إلى الحظيرة الأصيلة.
• الكاهن الحاضر عبرَ الكلمة الخلاصيّة في رعيّته، وفي شهادته لكلمة الله وشريعته. رجلُ الله لا يحمل سلاحًا في حياته سوى إنجيله الّذي به ينشر قصّة حبّ الله للبشريّة ويُغذّي من خلاله القلوب المتعطّشة إلى كلمة حياة تُنعِشُ النّفس في مسيرتها في هذه الدّنيا.كلمتي هي كلمة الله الّتي تحبّ الإنسان وتشفي جراحاته وتغفر ذلّاته وتخلّص نفسه وتعيش معه في واقعه وتجذبه إلى واقع الله.
هذا هو عهدي معك يا ربّ، ساعدني وقوّني لكي يصبح مشروعي لأبنائك ولحياتي شهادةَ حياةٍ أعيشها بالقرب منك طوال الأيّام.