الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-01-01
أحد وجود الرّبّ في الهيكل
(عب 7: 11-19)
11 إِذًا لَو كَانَ الكَمَالُ قَدْ تَحَقَّقَ بِالكَهَنُوتِ اللاَّوِيّ، وهُوَ أَسَاسُ الشَّرِيعَةِ الَّتي أُعْطِيَتْ لِلشَّعْب، فأَيُّ حَاجَةٍ بَعْدُ إِلى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ "على رُتْبَةِ مَلْكِيصَادِق"، ولا يُقَال "عَلى رُتْبَةِ هَارُون"؟
12 فمَتَى تَغَيَّرَ الكَهَنُوت، لا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا.
13 فَالَّذي يُقَالُ هـذَا في شَأْنِهِ، أَي الـمَسِيح، جَاءَ مِنْ سِبْطٍ آخَر، لَم يُلازِمْ أَحَدٌ مِنْهُ خِدْمَةَ الـمَذْبَح،
14 ومِنَ الواضِحِ أَنَّ رَبَّنَا أَشْرَقَ مِن يَهُوذَا، مِنْ سِبْطٍ لَمْ يَصِفْهُ مُوسى بِشَيءٍ مِنَ الكَهَنُوت.
15 ويَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الكَاهِنَ الآخَرَ الـَّذي يَقُومُ على مِثَالِ مَلْكِيصَادِق،
16 لَمْ يَقُمْ وَفْقَ شَرِيعةِ وَصِيَّةٍ بَشَرِيَّة، بَلْ وَفْقَ قُوَّةِ حَيَاةٍ لا تَزُول.
17 ويُشْهَدُ لَهُ: "أَنتَ كَاهِنٌ إِلى الأَبَد، على رُتْبَةِ مَلْكِيصَادِق!".
18 وهـكذَا يَتِمُّ إِبْطَالُ وَصِيَّةِ الكَهنُوتِ السَّابِقَة، بِسَبَبِ ضُعْفِهَا وعَدَمِ نَفْعِهَا،
19 لأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تُبَلِّغْ شَيْئًا إِلى الكَمال، ويَتِمُّ أَيْضًا إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَل، بِهِ نَقْتَرِبُ مِنَ الله.
11 إِذًا لَو كَانَ الكَمَالُ قَدْ تَحَقَّقَ بِالكَهَنُوتِ اللاَّوِيّ، وهُوَ أَسَاسُ الشَّرِيعَةِ الَّتي أُعْطِيَتْ لِلشَّعْب، فأَيُّ حَاجَةٍ بَعْدُ إِلى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ "على رُتْبَةِ مَلْكِيصَادِق"، ولا يُقَال "عَلى رُتْبَةِ هَارُون"؟
يحلُّ الكهنوتُ الجديدُ مكانَ الكهنوتِ القديمِ، ويقدّمُ ما لم يستطعِ الكهنوتُ القديمُ تقديمه، أي "الكمالُ". يشملُ مثلُ هذا الكمالِ حصولَ الانسانِ على إمكانيَّةِ الوصولِ إلى الله بواسطةِ المسيحِ. نرى هنا النِّقطةَ الرَّئيسيَّةَ للرِّسالةِ إلى العبرانيّين: لا يوجدُ طريقٌ آخرُ إلى اللهِ سوى المسيحِ. فكلمةُ "الكمال" (teléiosis) هنا، تدلُّ ضمنًا على استكمالٍ لبلوغ الغاية المنشودة. لكنَّها لا تعني كمالًا بلا خطيئة، أو السَّيطرة التَّامة على كلّ رغبةٍ في الخطيئة، إنَّما تعني بوضوح العفو التَّامّ عن الخطايا وغفرانها.
12 فمَتَى تَغَيَّرَ الكَهَنُوت، لا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا.
قد يبدو في هذه الآية أنَّ الله قد غيَّر شريعتَه ليسمح لنظامٍ آخرَ بكهنوتٍ مختلفٍ. لكنَّ طريقةَ اللهِ تُظهِرُ بوضوحٍ في ما بعد في الآية 14. الكهنوت الجديدُ يتطلَّبُ منطقيًّا شريعةً جديدةً. بما أنَّ الكهنوت كان أساس الشَّريعة وبنيتها، فكان على الاثنين أن يقفا معًا أو يسقطا معًا. ما الَّذي تضمَّنه هذا "التَّغييرُ"؟ ابتداءً من الآية 12، تقول الرسالة إلى العبرانيّين ثلاثَ مرَّاتٍ إنَّ الشَّريعةَ أُبطِلَتْ أو نُزِعَتْ، في المسيحِ (راجع عب 7: 12، 18؛ 10: 9). لنفهمَ التَّغييرَ علينا أنْ نعودَ إلى الفصلِ السَّابعِ من رسالةِ القدّيس بولس إلى أهلِ روما، حيث يشرحُ أنَّ المسيحيّين الَّذين من أصلٍ يهوديٍّ قد تحرَّروا (روم 7: 6)، وماتوا للشَّريعة (روم 7: 4). الشَّريعة كلُّها أُزيلَتْ عندما تمَّمَها يسوعُ بحفظِ جميعِ متطلّباتِها بالطَّريقةِ الصَّحيحةِ (راجع متَّى 5: 17-18).
13 فَالَّذي يُقَالُ هـذَا في شَأْنِهِ، أَي الـمَسِيح، جَاءَ مِنْ سِبْطٍ آخَر، لَم يُلازِمْ أَحَدٌ مِنْهُ خِدْمَةَ الـمَذْبَح،
لا بدَّ أنَّ المتمسّكين بشريعةِ موسى كانوا يحاججون بأنَّ يسوع لا يمكنُ أن يكونَ كاهنًا، لأنَّه كان من "سِبطٍ آخرَ" غيرَ مصرَّحٍ به. فسِبطُ لاوي كان الوحيدَ الّذي يمكنه أنْ يخدمَ ككهنةٍ بموجبِ الشَّريعةِ الموسويَّةِ، ولا أحدَ غيرُ أفرادِ عائلةِ هارون يمكنهم أن يخدموا كرؤساءِ كهنةٍ. ومن المعروفِ أنَّ يسوعَ كانَ من سِبْطِ يهوذا، وهو لم يكنْ سِبطًا كهنوتيًّا.
14 ومِنَ الواضِحِ أَنَّ رَبَّنَا أَشْرَقَ مِن يَهُوذَا، مِنْ سِبْطٍ لَمْ يَصِفْهُ مُوسى بِشَيءٍ مِنَ الكَهَنُوت.
عبارةُ "من الواضحِ" تدلُّ على الحقيقةِ التاريخيَّة بأنَّ المسيحَ "أشرقَ من يهوذا"، كما جاءَ في نبوءةِ أشعيا: "يخرجُ غصنٌ من جذعِ يسَّى" (أش 11: 1). كان السَّببُ المعطى للقَولِ بأنَّ يسوعَ لا يمكنُ أن يكونَ كاهنًا هو أنَّه "من سبطٍ لم يصفْه موسى بشيءٍ من الكهنوتِ". لكن كيف سيبرهِنُ كاتبُ الرِّسالةِ إلى العبرانيّين أنَّ المسيحَ كاهنٌ، مع أنَّه لم يكنْ من سِبْطِ لاوي؟
15 ويَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا أَنَّ الكَاهِنَ الآخَرَ الـَّذي يَقُومُ على مِثَالِ مَلْكِيصَادِق،
بحسب التفسير الربّيني لكتابِ سفرِ التكوين، هناك تشديدٌ مستمرّ على النِّسبِ حيث يسمَّى الأهلُ، والأبناءُ، وعددُ السِّنين، والشَّخصيَّات؛ أمّا ملكيصادق فلا يُذكر شيءٌ عنه. ليظلَّ كاهنًا إلى الأبد، ليس عليه أن يخضع للزمن. لذا، فالإنسان الملموس لا يمكنه أن يكون كاهنًا إلى الأبد. لذا، ملكيصادق، الذي يتكلّم عليه سفر التكوين، هو رمزٌ واستباقٌ لابن الله.
يعرض سفر التكوين حقيقتَين: (1) ملكيصادق يُبارك أبرام. فمن هو الأهمّ؟ من يبارِكُ؟ أو الَّذي يأخذُ البركةَ؟ بالطَّبع، من يبارِكُ! فسفر التكوين يعتبر أنَّ ملكيصادق أعلى شأنًا من إبراهيم. ((2) أدَّى أبرام العشر إلى ملكيصادق: أي يعترف بأنَّه أعلى منه. كان الكهنة في إسرائيل هم من يأخذون العُشر، أي أنَّ كلَّ بني إسرائيل كان عليهم أن يدفعوا العشر إلى اللَّاويّين. وبما أنَّ ملكيصادق هو من باركَ إبراهيم، فهذا يعني أنَّ ملكيصادق هو أعلى شأنًا من كهنوت اللَّاويين.و أبعد من ذلك، إن كان إبراهيم أدَّى العشر، بينما كان اللَّاويُّون يأخذون العشر من إخوتهم، فذلك يعني أنَّ ملكيصادق كان كاهنًا أعلى شأنًا منهم، وهذا ما "يزيد الأمر وضوحًا".
16 لَمْ يَقُمْ وَفْقَ شَرِيعةِ وَصِيَّةٍ بَشَرِيَّة، بَلْ وَفْقَ قُوَّةِ حَيَاةٍ لا تَزُول.
لم يعتمد كهنوت اللَّاويّين على أيَّة شخصيَّة أسمى، بل اعتمد فقط على "وصيَّةٍ بشريَّة". كان الشَّرطُ يتعلَّق بالنَّسبِ، أي نظامٍ يرتبط بقوانينَ أرضيَّةٍ ومظاهرَ خارجيَّةٍ. أمَّا حقُّ يسوع في القوَّةِ والسُّلطانِ فكان "وفق قوَّة حياةٍ لا تزول"، أي بواسطة قيامته، صار كاهنًا بقوَّةِ حياةٍ لا تموت أبدًا.
17 ويُشْهَدُ لَهُ: "أَنتَ كَاهِنٌ إِلى الأَبَد، على رُتْبَةِ مَلْكِيصَادِق!".
كان العملُ في خيمةِ الاجتماعِ شاقًّا جدًّا، بحيثُ لا يمكنُ للكاهنِ أن يخدمَ بعدَ سنِّ الخمسين (راجع عد 4: 2-3). لكن لم يكن الأمر كذلك مع يسوع. لقد تمَّ إثبات تفوُّق كهنوت المسيح "ويُشهَدُ له" (راجع أيضًا عب 7: 8؛ 10/ 15)، بأنَّ كهنوته تمَّم القصد الحقيقيّ بالمجيء بالنَّاس إلى حضرة الله.
18 وهـكذَا يَتِمُّ إِبْطَالُ وَصِيَّةِ الكَهنُوتِ السَّابِقَة، بِسَبَبِ ضُعْفِهَا وعَدَمِ نَفْعِهَا،
يحدُّ البعضُ من عبارة "وصيَّة الكهنوت السَّابقة" لتعني فقط اللَّوائح المتعلّقة بالكهنوت اللَّاويّ. لكنَّ "إبطال" الكهنوت ينطبق أيضًا على شريعةِ موسى كلّها. بالرُّغمِ من بهاءِ النّظامِ القديمِ وطقوسِهِ، إلَّا أنَّه لم يستطعْ أنْ يأتي بالسَّلامِ الحقيقيّ للضَّميرِ، ولا أن يأتيَ بالمؤمنِ إلى اللهِ، بسببِ "ضعفِه وعدمِ نفعِه".
19 لأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تُبَلِّغْ شَيْئًا إِلى الكَمال، ويَتِمُّ أَيْضًا إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَل، بِهِ نَقْتَرِبُ مِنَ الله.
لا يأتي النَّصرُ والتحرُّرُ من الخطيئةِ إلَّا في المسيحِ وليسَ بالشَّريعةِ. أي بعبارةٍ أخرى "الشَّريعةِ لم تبلّغْ شيئًا إلى الكمالِ". كانَتْ الشَّريعةُ بحدِّ ذاتِها كاملةً، ولكنَّها لم تستطعْ حلَّ ضعفِ الانسانِ، لأنَّها لم تقدّمِ التَّكفيرَ الكاملَ للخطيئةِ. لذا، لا يُقارَنُ الرجاءَ في العهدِ القديمِ بـــ "الرَّجاءِ الأفضلِ" في العهدِ الجديدِ. ففي ظلّ الرّجاءِ في العهد القديمِ، كانَ يمكنُ للنَّاسِ التطلُّعُ فقط إلى المستقبلِ، إلى مجيءِ المسيحِ. وفي ظلِّ العهدِ الجديدِ، يمكنُنا أنْ ننظرَ إلى الوراءِ في ما تمَّ عملُه من أجلِنا ونفرحَ لأنَّ المسيحَ قد أعطانا نعمةَ "التَّقرُّبَ من اللهِ".