الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2021-12-24
4 فَصَارَ أَعْظَمَ مِنَ الـمَلائِكَة، بِمِقْدَارِ ما الاسْمُ الَّذي وَرِثَهُ أَفْضَلُ مِنْ أَسْمَائِهِم.
5 فَلِمَنْ مِنَ الـمَلائِكَةِ قَالَ اللهُ يَومًا: "أَنْتَ ابْنِي، أَنَا اليَومَ وَلَدْتُكَ"؟ وقَالَ أَيْضًا: "أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا، وهُوَ يَكُونُ ليَ ابْنًا"؟
جاء "اسم" يسوع أعظم من الملائكة من خلال طاعته وتمجيده (راجع فل 2: 8-11). بفضل ما هو وما عمله سُمّي "ابنًا"، والَّذي هو أفضل بكثير من أيّ اسمٍ استُخدِمَ لوصف الملائكة خدَّام الله.
الحقيقة الثانية الَّتي تبيّن أنَّ يسوع أعظم من الملائكة هي حقيقة كينونته (عب 1: 5). الاقتباس القائل: "أنتَ ابني، أنا اليوم ولدتكَ" (مز 2: 7) يُطبَّق على يسوع (رؤ 12: 5؛ 19: 15)، وعلى المشاركين في حكم ملكوته (رؤ 2: 27).
عبارة "أنا أكون له أبًا" مقتبسة من سفر صموئيل الثَّاني (2 صم 7: 14). علاقة الأب والابن أقرب بكثير من علاقة الخالق مع الملائكة. الكلام الوارد في سفر صموئيل الثَّاني يبدو أنَّه يشير في الأصل إلى داود أو سليمان، ولكنَّ الرسالة إلى العبرانيّين توضح أنَّ له إشارة مزدوجة، مبيّنة أنَّ الله كان يشير بذلك أيضًا إلى المسيح. وقد تكون الطريقة الفُضلى لوصف هذه النبوءة هي: ربَّما كان لذلك الكلام - تاريخيًّا - تتميمُ جزءٍ في داود أو سليمان بن داود، الَّذي أكمل بناء أوَّل هيكل. غير أنّ التَّتميم الكامل لم يأتِ حتَّى زمان ابن داود الأعظم (المسيح المتجسّد).
6 أَمَّا عِنْدَمَا يُدْخِلُ ابْنَهُ البِكْرَ إِلى العَالَمِ فَيَقُول: "فَلْتَسْجُدْ لَهُ جَمِيعُ مَلائِكَةِ الله!".
إنَّ الله نفسه يعلن حقيقة ابنه "فيقول: فلتسجد له جميع ملائكة الله!". سُمّي يسوع "البكر" (راجع أيضًا قول 1: 15، 18). كلمة "بكر" تعني أنَّه كائنٌ قبل الخليقة كلّها. هناك تمييز آخر وهو أنَّ الملائكة "خُلقوا"، أمَّا "البكر فوُلدَ"، وفي تجسّده "عندما دخل إلى العالم" سجدت له الملائكة (راجع لو 2: 13-15). الله وحده يستحقُّ السُّجود له؛ وحتَّى الملائكة منعوا النَّاس من السجود لهم (راجع رؤ 22: 8، 9).
7 وعَنِ الـمَلائِكَةِ يَقُول: "أَلصَّانِعُ مَلائِكَتَهُ أَرْوَاحًا، وخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَار".
إذ استخدم الكاتب الكلام الوارد في المزمور (مز 104: 4)، أكَّد أنَّ الملائكة هم مجرّد "خدَّامه (الله)"، بينما يسوع هو "ابن الله" ويتفوَّق على الملائكة. الملائكة هم مخلوقات قابلة للضلال والإدانة للدينونة (راجع 2 بط 2: 4). استخدم الله الملائكة بشتَّى الطرق، إذ أرسلهم ليعملوا كــ "خدَّام" أو كــ "لهيب نار".
8 أَمَّا عَنِ الابْنِ فَيَقُول: "عَرْشُكَ يَا أَلله، لِدَهْرِ الدَّهْر، وصَولَجَانُ الاسْتِقَامَةِ صَولَجَانُ مُلْكِكَ.
يصف هذا الكلام المسيح، الَّذي دُعي "الله" (راجع مز 45: 7). هذه الصّورة لألوهيَّة يسوع، وردت أيضًا في سفر أشعيا النبيّ (راجع أش 9: 6)، حيث نجد صورةً للطفل الَّذي كان يجب أن يُدعى "إلهًا قديرًا". تنبَّأ النبيّ إرميا أيضًا بأنَّه كان يجب أن يقيم لداود "غصن برّ" ويحكم كملك ويسمُّونه "الرَّبُّ برُّنا" (إر 23: 5، 6). وهذا ما نُنشده في نشيد دخول قدَّاس عيد الميلاد المجيد: "إبتهج يا أشعيا واغتبط يا إرميا، رنّم أنتَ يا داود قولكَ اليوم تمَّ: قال الرَّبُّ أنتَ ابني ولدتُكَ في بيت لحما!".
عبارة "عرشكَ يا الله" تنسجم مع كلام ناتان لداود الملك (راجع 2 صم 7: 16)، لأنَّه لم يكن تطبيق هذا المصطلح على الملك شيئًا فريدًا من نوعه، خاصَّةً عند الإشارة إلى سلالة داود. لأنَّه كمَلِك كان يمثّل الله للشعب. أمَّا عبارة صولجان استقامة صولجان مُلكِكَ" فهي تلميحٌ إلى صولجان الملك الَّذي يبيّن سلطانه (راجع أستير 4: 11).
9 أَحْبَبْتَ البِرَّ وأَبْغَضْتَ الإِثْم. لِذلِكَ مَسَحَكَ إِلـهُكَ، يا أَلله، بِدُهْنِ البَهْجَةِ أَفْضَلَ مِنْ شُرَكَائِكَ".
ما مِن أحدٍ، على الإطلاق، يستطيع أن يحكم ببرٍّ أكثر، أو يحبَّ البرّ أكثر من المسيح. حتَّى أفضل الملوك يصبحون مستبدّين إذا ما حصلوا على سلطةٍ مطلقة لفترةٍ طويلةٍ جدًّا من الزمان. لكنَّ مُلكَ المسيح عادلٌ ومنصفٌ؛ فقد أحبَّ البرَّ وتبع هذا المبدأ في كلّ شيء "تاركًا لنا مثالًا لنسير على خطاه" (1 بط 2: 21).
"لذلك مسحكَ إلهُكَ، يا الله، بدهن البهجة": كانت المسحة في الاحتفالات وتتويج الملك تؤدّي إلى فرحٍ عظيم. وكان استخدام الزَّيت في الـمَسْح علامةً لتكريس الملك أو الكاهن أو النبيّ. أمَّا حدث مسح يسوع في مناسبة رجوعه إلى الآب في المجد فهو فريدٌ من نوعه ولم يحدث لأحد.
هل تعني عبارة "أكثر من شركائكَ" أنَّ المسيح أسمى من الملائكة؟ الملائكة هم حقًّا أدنى مرتبة من المسيح، ولكن هل يمكن تسميتهم بــ "شركاء" المسيح؟ عبارة "أبناء كثيرين" (عب 2: 10) المذكورين في الرسالة إلى العبرانيّين، هم المفتَدون الَّذين "لا يستحي (يسوع) أن يدعوهم إخوة" (عب 2: 11). دُعي المفتدون بــ "شركاء المسيح" (عب 3: 14). ولكن في هذا السِّياق، لا بدَّ من أنَّ الكاتب يتكلَّم على الملائكة كشركاء مقصودين مع أنَّ يسوع هو ابنٌ أزليٌّ وهم مخلوقون.
10 ويَقُولُ أَيْضًا: "أَنتَ، يَا رَبّ، في البَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْض، والسَّمَاوَاتُ صُنْعُ يَدَيْك.
11 هِيَ تَزُولُ وأَنْتَ تَبْقَى، وكُلُّهَا كَالثَّوبِ تَبْلَى،
12 وتَطْوِيهَا كَالرِّدَاء، وكالثَّوبِ تَتَبَدَّل، وأَنْتَ أَنْتَ وسُنُوكَ لَنْ تَفْنَى".
اقتُبسَ المزمور 102: 26-28 في هذه الآيات. غالبًا ما يُفهم هذا المزمور على أنَّه موجَّه إلى الله الآب، إذ لا يحتوي على أيّة إشارةٍ واضحة إلى المسيح. لكنَّ الاقتباس، كما ورد هنا، يُذكِّرُ، بوضوح، بأنَّ أحداث العهد القديم تشير، عادةً، إلى ما هو أبعد منها. فالمصطلحات والمفاهيم الَّتي كانت تنطبق على الله فقط في العهد القديم، تنطبق، على حدٍّ سواء، على المسيح في العهد الجديد من دون أيّ شكّ، إذ سبق كاتب الرسالة إلى العبرانيّين وبيّن أنَّ المسيح مشاركٌ في الخلق (راجع عب1: 2-3).
"تطويها كالرداء، وكالثوب تتبدَّل": تُشبه الأرض الوشاح الَّذي يؤخذ ويُطوى، والمسيح سينفض الأرض كما ينفض الشخص رداءً، مع ذلك يبقى كما هو، وسيبقى إلى الأبد و"لن يُهمل ويترك" الَّذين معه (عب 13: 5-6). يُبيّن ما ورد هنا أنَّ هناك نفضًا واحدًا للعالم؛ ولكنَّ ملكوت المسيح، والَّذي نحن جزءٌ منه، لا يمكن نفضه أو تدميره.
13 وَلِمَنْ مِنَ الـمَلائِكَةِ قالَ اللهُ يَومًا: "إِجْلِسْ عَن يَمِينِي حَتَّى أَجْعَلَ أَعدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْك"؟
في هذه الآية، استخلص كاتب الرسالة صورَتَين من المزمور (مز 110: 1): "الجلوس عن اليمين" و"موطئ القَدَم". يدلُّ "الجلوس عن اليمين" على الكرامة الَّتي أُعْطِيَتْ للمسيح ولم تُعطَ للملائكة. جلوس المسيح عن يمين الله يعني أنَّ المسيح رُفِعَ إلى حدّ السيادة والسلطان الأسمى. الصُّورة الثَّانية هي أنَّ الأعداء مثل "موطئ قدم" (راجع أيضًا عب 10: 13). تعكس هذه الصُّورة العادات القديمة للملك الغازِي الَّذي يضع قدمه على عنق عدوٍّ انتصر عليه، أو على رأسه. (راجع يش 10: 24).
14 أَلَيْسُوا جَمِيعُهُم أَرْوَاحًا مُكَلَّفِينَ بِالـخِدْمَة، يُرْسَلُونَ في خِدْمَةٍ لِلَّذِينَ سَوْفَ يَرِثُونَ الـخَلاص؟
تساءَل الكاتب: "أليسوا جميعهم أرواحًا مكلَّفين بالخدمة؟". تشير كلمة "جميعهم" إلى أنَّه ليس هناك ملاكٌ مستثنى من الخدمة. إنَّهم لا "يجلسون" بل "يخدمون"! بشَّروا مريم بأنَّها ستكون أمَّ المسيح (راجع لو 1: 26-38)؛ مجَّدوا الله لميلاد يسوع (راجع لو 2: 13)؛ خدموا يسوع عند نهاية تجربته (راجع متَّى 4: 11)؛ جاء ملاكٌ يقوّيه في بستان الزّيتون (راجع لو 22: 43)؛ أعلنت الملائكة قيامته (راجع يو 20: 12)؛ أكَّدوا رجوعه مرَّةً أخرى إلى الأرض (راجع أعمال 1: 10-11)؛ وكانوا يساعدون الرُّسل (راجع أعمال 5: 19؛ 8: 26).
كلمة "خدمة" المستخدمة هنا مرَّتين في الآية الرَّابعة عشرة، تُشير في اللغة اليونانيَّة إلى كلمَتَين مختلفَتَين. فالاستعمال الأوَّل اليونانيّ هو leitourgikos، أي الملائكة الَّذين يخدمون الله في منصبٍ خاصّ (ومنها تأتي كلمة "ليتورجيًّا" المختصَّة بالقيام بالطقوس الدينيَّة). استخدم كاتب الرسالة أيضًا كلمة ثانية لمجهود الملائكة وهي diakonos، المترجمة أيضًا خدمة. باختصار، الكلمة الأولى (leitourgikos) قد تشير إلى خدمة الله أو خدمة الناس، أمَّا الكلمة الثانية (diakonos) فتشير إلى خدمة الله من أجل "الَّذين سيرثون الخلاص".
بالرغم من أنَّ الملائكة غير مساوين للابن، ولا يمكن أن يجلسوا عن يمين العظمة في الأعالي، إلَّا أنَّه يمكن إرسالهم للخدمة "للَّذين سوف يرثون الخلاص".