الخوري إيلي سمعان
مقالات/ 2021-05-22
ها هو يسوع يدعو ويرسل ويوصي ولا يترك أحدًا منَّا، إلى نهاية العالم. أستقي من هذه الآية، حُلمًا أكبر منّي.
إنّه سبيل قداسة، ليس لي وحدي بل للأمم جميعًا.
إنَّه سبيل كرازةٍ بالكلمة، طوال الطريق، من أجل خلْقٍ جديدٍ من حشا الكنيسة، الأمّ والمعلِّمة.
إنَّه سبيل أمانةٍ لوصايا حُفِرت في قلوب آبائنا، وبنوا عليها إيمانهم.
إنّه سبيل رجاءٍ لا يُخيِّب صاحبه، بوعدٍ يتحقّق في سرّ القربان، وفي التَّدبير الإلهيّ، وفي النِّعَم السّماويّة.
أوّلًا: الكَهَنوت، سبيل قداسة
مع الإرسال، أوصى يسوع رُسُلَه بتَلْمَذة كلّ الأمم. فالتَّلْمَذة، إذًا، هي نثر حبِّ الله للناس، في البيادر كلِّها، ومن يتلقَّى بذور الحبّ ويعتني بها، يحصد القداسة.
دعوتي هي أنْ أعلن أنَّ القداسة متاحةٌ للجميع، ومن دون إستثناء. إذ يكفي أنْ نقبل الرَّبّ في القلب. فكما أنّ دعوة النَّبيّ الأولى هي إعلان اقتراب الملكوت الَّذي يمرّ بالتوبة، سعيي -في سرّ الكَهَنوت- إلى أنْ أعيش هذا البُعد النبويّ لكي أُعلِن رحمةَ الله الـمُجدِّدة، التي تقبل كلّ تائب، كي تحيا كلّ الأمم مشروع قداسة.
أمَّا على الصعيد الشَّخصيّ، فلا سبيل إلى التقديس سوى في السَّعي الدائم إلى القداسة. إنَّ القداسة، في حدّ ذاتها، وبالنِّسبة إليَّ، مشروعٌ أسعى على الدوام إلى تحقيقه. إنّها مسيرةٌ دائمةٌ تهدف إلى تجديد المقاصد، وإلى معرفة الله واختبار حبّه الدائم لي.
ثانيًا: الكَهَنوت، سبيل كِرازة
مع التَّلْمذة، أوصى يسوع رسلَهُ أنْ يَلِدُوا للكنيسة بنين روحيِّين، باسم الآب والابن والرّوح القدس. فالعماد، إذًا، هو باب الأسرار كلِّها، وإعلان انتماءٍ متجدِّدٍ ودائمٍ إلى جسد المسيح السِّرِّيّ الذي لا حدّ له.
دعوتي هي أنْ أسيرَ مسيرةً حقيقيّةً مع كلّ مؤمن، مسيرةً تقودُنا إلى بَرِّ الأمان، إلى الكنيسة التي أسّسها الآب، والحاضر فيها الابن يسوع على الدوام، والذي يجدّدها على الرُّغم من ضعفنا وتشويهنا صورتها، بسبب خطايانا. وكما أنّ البُعد الكَهَنوتيّ في حياتنا يُعاش في الأسرار، كذلك إعلان أنّ الكنيسة هي أمٌّ حقًّا ومعلِّمة حقًّا، هو رسالةٌ جوهريّةٌ في زماننا الحاضر، حيث "القطعان مُشَتَّتَة" لا راعي لها.
الصَّعيد الشخصيّ، وانطلاقًا من القول الآتي: "أقرَبُ أُذُنٍ إلى فم الواعظ، هي أُذُنِ الواعظ نفسه"، سأسعى جاهِدًا إلى عدم تشويه وجه كنيسة المسيح، أمّي ومعلّمتي، وإلى أنْ يبقى وجهها جميلًا، بالنِّسبة إليَّ، مهما سعى الزَّمن والزمنيّون إلى تشويهه.
ثالثًا: الكَهَنوت، سبيل أمانة
مع الولادة الجديدة، أوصى يسوع رسلَهُ أنْ يكونوا أمناء للوصيّة، وأنْ يُسَلِّموها زادًا للطريق. فالحفاظ على الوصيّة هو، إذًا، علامة وحدةٍ وارتباطٍ روحيٍّ بالمعلّم الأوّل يسوع المسيح.
دعوتي هي أنْ أعكس للأمم يسوع وتعليمه فقط؛ هذا التعليم الذي أستَمِدُّه من تقليد الكنيسة الواحدة، الجامعة، المقدّسة والرّسوليّة. فالبُعد الملوكيّ يظهر في الوحدة مع الملك السماويّ الذي دعا الكنيسة إلى أنْ تكون صخرةً راسخةً يستند إليها الجميع. لذا، يدعونا الله الأمين لشعبه، منذ الخلْق حتّى يومنا، إلى أنْ نكون أمناء لِما نحن عليه، نحن الَّذين أُبدِعْنا "على صورته ومثاله".
على الصعيد الشخصيّ، إنّ أعظم اختبارٍ أعيشه يوميًّا هو أمانة الله نحوي، هو الَّذي يأتَـمنُني على رعاية شعبه وخلاص النُّفوس. أمام هذه المسؤوليّة الكبيرة، تكون الأمانة للثقة خير جواب. فللدَّاعي، ولحقل عيش الدعوة، أمانتي إلى الأبد.
رابعًا وأخيرًا: الكَهَنوت، سبيل رجاء
ويبقى السَّند الأكبر لنا، وعد يسوع أنّه معنا كلّ الأيّام إلى نهاية العالم. وحضور الرَّبّ هو رجاؤنا في هذه الحياة المتقلِّبة. وأكبر نعمةٍ لنا، اليوم، هي حضوره معنا في الإفخارستيّا، ذبيحةِ الشكر، ومصدر قوّتنا ووحدتنا. إذ في سرّ القربان نلتمس وعدَ الرَّبّ لنا، وثباتَه معنا في المحن، ونِعمَه الـمُفاضَة علينا. لذا، يبقى القربان سبيل رجاءٍ لا يخيّب صاحبه، إذ فيه نتأمّل سرّ الحبّ الَّذي بذل ذاته وحوّل أقسى ألم، ألم الموت، إلى درب خلاصٍ أبديّ، لا نهاية له ولا حدود.
دعوتي هي إعلان هذه الحقيقة، وبالأخصّ في وقت الشِّدَّة. بدأت دعوتي من أمام بيت القربان، فكان ملجإي وقوّتي وعزائي. لذا، سأسعى دائمًا إلى أن أكون سراجًا مُضاءً أمامه، كشمعة يوحنّا المعمدان، أُرشِد إليه كلَّ متعبٍ أو كئيب.
في الختام، هذا هو حلمي الكَهَنوتيّ البسيط أضعه بين يدَيكَ، ومعه أضع نفسي وطاقاتي في خدْمة حلم الكنيسة.