كَسر الكلمة -38- الأحد السادس من زمن العنصرة

كَسر الكلمة -38- الأحد السادس من زمن العنصرة

الأحد السادس من زمن العنصرة
إرسال الرسل
(متى 10/16-25)
16. قالَ الربُّ يَسوعُ لِتلاميذِهِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُكُم كَالخِرَافِ بَيْنَ الذِّئَاب. فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالحَيَّات، ووُدَعَاءَ كَالحَمَام.
17. إِحْذَرُوا النَّاس! فَإِنَّهُم سَيُسْلِمُونَكُم إِلى المَجَالِس، وفي مَجَامِعِهِم يَجْلِدُونَكُم .
18. وتُسَاقُونَ إِلى الوُلاةِ والمُلُوكِ مِنْ أَجْلي، شَهَادَةً لَهُم وِلِلأُمَم.
19. وحِيْنَ يُسْلِمُونَكُم، لا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَو بِمَاذَا تَتَكَلَّمُون، فَإِنَّكُم سَتُعْطَونَ في تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ.
20. فَلَسْتُم أَنْتُمُ ٱلمُتَكَلِّمِيْن، بَلْ رُوحُ أَبِيْكُم هُوَ المُتَكَلِّمُ فِيْكُم.
21. وسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلى المَوْت، والأَبُ ٱبْنَهُ، ويَتَمَرَّدُ الأَوْلادُ عَلى وَالِدِيْهِم ويَقْتُلُونَهُم.
22. ويُبْغِضُكُم جَمِيْعُ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي، ومَنْ يَصبِرْ إِلى المُنْتَهَى يَخْلُصْ.
23. وإِذَا ٱضْطَهَدُوكُم في هذِهِ المَدِينَة، أُهْرُبُوا إِلى غَيْرِهَا. فَٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَنْ تَبْلُغُوا آخِرَ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ٱبْنُ الإِنْسَان.
24. لَيْسَ تِلْميذٌ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، ولا عَبْدٌ مِنْ سَيِّدِهِ.
25. حَسْبُ التِّلْمِيذِ أَنْ يَصِيْرَ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ، والعَبْدِ مِثْلَ سَيِّدِهِ. فَإِنْ كَانَ سَيِّدُ البَيْتِ قَدْ سَمَّوْهُ بَعْلَ زَبُول، فَكَمْ بِالأَحْرَى أَهْلُ بَيْتِهِ؟


مقدّمة
في هذا الأحدِ، نحتفلُ بحدثِ ارسالِ الاثني عشر: بعد أنْ دعاهم ليكونوا مقرّبين إليه، وشهودَ عيانٍ حقيقييِّن، سلَّمهم سلطانَه نفسَه الّذي أخذَه هو من الآبِ، ثم ارسلَهُم مزوَّدين بمحبَّته وتشجيعِه وتأييدِه لهم بالرُّوحِ الّذي سألَ الآبَ أن يعطيَهم إيَّاه. ويطلُبُ منهم أن يعلنو ملكوتَ السَّموات في كلِّ مكانٍ.

شرح الآيات

16. قالَ الربُّ يَسوعُ لِتلاميذِهِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُكُم كَالخِرَافِ بَيْنَ الذِّئَاب. فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالحَيَّات، ووُدَعَاءَ كَالحَمَام.
هذه الآيةُ هي آيةٌ انتقاليّةٌ إذ ترتبطُ بما يسبِقُها "الآية 14" فالمسيحُ يرسِلُ تلاميذَه، وهؤلاءِ المرسلون لن يكونوا فقط مرفوضين من قِبَلِ النَّاسِ ولكن أيضًا معرضين لقساوةِ الذئابِ. فإعلانُ الملكوتِ يعارِضُ معارضةً جذريةً مصالحَ العظماء،ِ لهذا تحلُّ الاضطهاداتُ على الّذين يشهدون للرّبّ، ولكن بما أنَّ المسيحَ هو المُرسَلُ فإنّ المساعدةَ دائمًا ستكون حاضرةً. ألم يعدْهم هو بالرُّوحِ المعزيّ والباراقليط، شرط الا تكونَ ثقتُهم ثقةً طائشةً، وألاَّ يدخلوا في لعبةِ "حلول الوسط" المشكوكِ في نتائجِها. لذلك يطلبُ منهم يسوعُ ان يتحلوا "بحذرِ الحيّاةِ ووداعةِ الحمامِ".

17. إِحْذَرُوا النَّاس! فَإِنَّهُم سَيُسْلِمُونَكُم إِلى المَجَالِس، وفي مَجَامِعِهِم يَجْلِدُونَكُم .
18. وتُسَاقُونَ إِلى الوُلاةِ والمُلُوكِ مِنْ أَجْلي، شَهَادَةً لَهُم وِلِلأُمَم.

ظنَّ التلاميذُ أن المسيرةِ ستكونُ سلسلةً من الانتصاراتِ المجيدةِ، أليسوا هم المبشرين بإسمِ يسوعَ ذاك الّذي أطعمَ خمسةَ آلافِ شخصٍ؟ أوليسَ هذا من أقامَ الموتى؟ ولكن سرعان ما فهموا أنهم سيُبغَضون وقد عانوا صعابًا جمةً، ليس من الخارجِ فحسبُ بل من الدّاخلِ أيضًا، صعابًا واضطهاداتٍ من قِبَلِ اليهودِ في المجامعِ ومِن قِبَلِ الوثنييّن الّذين ذهبوا إليهم. فالضّربُ والجَلدُ كانا رفيقَي الرُّسُلِ في أكثرِ من مَوضِعٍ كما يذكرُه لنا كتابُ اعمالِ الرُّسل (أع 5/40) مع بطرسَ ويوحنَّا إذْ كانوا يُجلدون 39 جلدةً وبولس رسول الأُمم يذكر في رسائله أنه جُلِدَ أكثرَ من مرة اربعين جلدةً إلّا جلدةً.
إستعمالُ متّى لمقولةِ "يسوقونكم إلى الحكّامِ والملوكِ من أجلي" ( آ18أ) يمكنُ فهمُ هذة الآية بمعنيَيْن: الأوّلُ أنَّ الرسلَ سيساقون إلى الحكَّامِ المحلِّييِّن أي الحاكمُ الرّوماني المعيَّن من قِبَلِ قيصر أو الملوك الّذين هم خلفاءُ هيرودوس. الثّاني إنَّهم سيساقون للحكَّامِ والملوكِ لدى الأمم الّذين سيذهبون إليهم خارجَ إسرائيل.
فالعشية لله كثيراً ما تجلبُ الاضطهادَ. ولكن ذلك يتيحُ الفرصةَ للمناداةِ ببشارةِ الخلاصِ "لتشهدوا عندهم وعند سائرِ الشّعوبِ (آ18ب) فالشّهادةُ من أجلِ يسوعَ تكونُ  رسميةً وعلنيةً وهذه الشّهادة هي للجميعِ لليهودِ والاممِ الوثنييةِ وهذا لن يتمَّ ولن تثمرَ الشّهادةُ إلاّ إذا وُجِد لدى الرُّسُلِ الشّجاعةَ الكافيةَ والثّقةَ لمواصلةِ المسيرةِ والبشارةِ بقربِ مجيءِ الملكوتِ.

19. وحِيْنَ يُسْلِمُونَكُم، لا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَو بِمَاذَا تَتَكَلَّمُون، فَإِنَّكُم سَتُعْطَونَ في تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ.
20. فَلَسْتُم أَنْتُمُ ٱلمُتَكَلِّمِيْن، بَلْ رُوحُ أَبِيْكُم هُوَ المُتَكَلِّمُ فِيْكُم.

"فلا تهتموا" يشدِّدُ يسوعُ على عدمِ الاهتمامِ بأيِّ شيءٍ لأنَّ الاهتمامَ هو وليدُ الخوفِ والاضطرابِ. وما إنْ يدخلُ الخوفُ في قلبِ الرَّسولِ يخسَرُ المعركةَ في البشارةِ والشّهادةِ ويصبحُ عرضةً للسّقوطِ ولفشَلِ المهمَّةِ الموكَلَةِ إليه. فالخوفُ يجعلُنا نخسَرُ عطايا اللهِ وحضورَه.
ستعطون في حينِه ما تتكلّمون به" يسوعُ وعَدَ تلاميذَه بالمساعدَةِ لأنَّ "روحَ الآبِ السّماوي" هو الّذي سيتكلَّمُ فيهم كما حصَلَ مع موسى في العهدِ القديمِ عندما قالَ له الرّبُّ "الآن فاذهبْ، فإنّي أكونُ مع فمِك وأعلِّمُك ما تتكلَّمُ به" (خر 4/12) لذلك لا يجبُ عليهم الخوفُ متى أُلقشيض القبضث عليهم بما سيقولونه دفاعصا عن أنفسشهم بسببش المناداةِ بالإنجيلِ، البشرى السَّارةِ، فروحُ اللهِ سيتكلّمُ فيهم وهذا ما حدث في أعمالِ الرّسُلِ عندما وقَفَ بطرسُ ويوحنا "الأميّان" أمام المجلسِ وتكلّموا على يسوعَ (أع 4/8-15) فمِنْ أجْلِ الشّهادةِ يُعطى للرُّسُلِ ما يقولون بفعلِ عملِ الرُّوحِ القُدُسِ فيهم.

21. وسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلى المَوْت، والأَبُ ٱبْنَهُ، ويَتَمَرَّدُ الأَوْلادُ عَلى وَالِدِيْهِم ويَقْتُلُونَهُم.
22. ويُبْغِضُكُم جَمِيْعُ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي، ومَنْ يَصبِرْ إِلى المُنْتَهَى يَخْلُصْ.

23. وإِذَا ٱضْطَهَدُوكُم في هذِهِ المَدِينَة، أُهْرُبُوا إِلى غَيْرِهَا. فَٱلحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَنْ تَبْلُغُوا آخِرَ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ٱبْنُ الإِنْسَان.
هذه الآياتُ تعبِّر بصريحِ العبارةِ أنَّ سبَبَ التَّجاربِ والخياناتِ هم من أهلِ البيتِ نفسِه، هم أبناءُ العائلةِ الواحدةِ، "الأخ يسلم أخاه والأب إبنه" إنّها الملاحقَةُ القضائيّةُ والواشون هم الأقارِبُ الّذين يسْلِمون الرّسلَ إلى الموتِ. فإذا الرُّسُلُ هم أمامَ عداءٍ واسعِ النَطاقِ وهذا كلُّه بسببِ "اسمِ يسوعَ" هذا الاسمُ الّذي يصبحُ مع البشارةِ نمطَ حياةٍ يشهدُ به كلُّ مؤمنٍ. ونتيجةُ هذا "الاسم" ندخُلُ في مبدأ الثَّباتِ، فالثّباتُ الى النِّهايةِ ليس هو طريقَ الخلاصِ إنَّما الدّليلُ على أنَّ الرَّسولَ قد سلَّم حياتَه ليسوعَ، فالثَّباتُ هو نتيجةُ الحياةِ المكرّسةِ. فأمامَ الرّسولِ عَمَلٌ كثيرٌ ليقومَ به وأناسٌ كُثُرٌ لتصلَ اليهم البشارةُ وهذا عملٌ لا ينتهي.

24. لَيْسَ تِلْميذٌ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، ولا عَبْدٌ مِنْ سَيِّدِهِ.
25. حَسْبُ التِّلْمِيذِ أَنْ يَصِيْرَ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ، والعَبْدِ مِثْلَ سَيِّدِهِ. فَإِنْ كَانَ سَيِّدُ البَيْتِ قَدْ سَمَّوْهُ بَعْلَ زَبُول، فَكَمْ بِالأَحْرَى أَهْلُ بَيْتِهِ؟

لا ينتظرُ التّلاميذُ مصيرًا يختَلِفُ عن مصيرِ معلِّمِهِم المصلوبِ. نلاحظُ هنا التَّشديدَ على المسيحِ المتألمِ أكثرَ منه على المسيحِ الممجَّدِ. ويقابلُ متّى التّلميذَ مع المعلّمِ والخادمِ مع السّيّدِ وهذا ما كانه مصيرُ الرّسُلِ بعدَ يسوعَ بخاصَّةٍ في كتابِ اعمالِ الرُّسُلِ (أع12/1-12). لقد اتّهم الفريسيون الرَّبَّ يسوعَ بأنّه "الشّيطانُ"، بعلُ زبول، رئيسُ الشّياطين، هكذا سمَّوا يسوعَ، فاعتبروا أن قدرتَه هي مِنَ الشَّيطانِ لا مِنَ اللهِ. وسيعاملون التّلاميذَ بالطريقةِ عينِها ويعتبرونهم خدامَ رئيسِ الشّياطين فقط لانّهم يبشّرون بالخلاصِ.

خلاصة روحيّة
أنْ نحيا لله، أمرٌ كثيراً ما تجلُبُ الاضطهادَ كثيراً ما يطلِقُ على الخيرِ شراً فإذا كان يسوعُ الكاملُ قد دُعِيَ شيطاناً، فلا بدَّ أن يتوقّع اتباعُه أن تُوَجَّه إليهم هذه الاتّهاماتُ ولكنْ ذلك يتيحُ الفرصةَ للمناداةِ ببشارةِ الخلاصِ، ففي وسَطِ الاضطهادِ يستطيعُ المؤمنُ أن يطمئنَّ لأنَّ الرَّبَّ يسوعَ قد غَلَبَ العالم (يو 16/33). ففي هذا العالمِ ،ألمؤمنِ، أمامَه عملٌ كثيرٌ ليقومَ به واناسٌ كُثُرٌ لتصِلَ اليهم بشرى الخلاصِ ولن ينتهي عملُنا إلاّ عندما يأتي المسيحُ ثانيةً. والدَّورُ الاكبرُ في هذه البشارةِ وهذه الرسالةِ المدعو إليها كلُّ مسيحيٍّ هي الثَّباتُ لأنَّ دومًا المبدأُ مع يسوعَ هو "من يثْبُتُ إلى النّهايةِ يخلصُ" (متى 10/22) فهو اّلذي يُبَرَّرُ. 


تحميل المنشور