الخوري بسام بو رعد جعجع
مقالات/ 2021-04-09
27. ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبَعَكَ إِلى هُنَا، وانْظُرْ يَدَيَّ. وهَاتِ يَدَكَ، وضَعْهَا في جَنْبِي. ولا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ كُنْ مُؤْمِنًا!»
ما إنْ يَلقي المسيحُ سلامَه حتّى يتوجَّهُ بالكلامِ لتوما مباشرةً. هو يعرفُ ما يعتري قلبَ توما من الشَّكِّ، لأنَّه "كانَ يعرِفُ ما في الإنسانِ" (يوحنا 2/25). إذ يُعيْدُ المسيحُ على توما أقوالَه وطلبَ الأدلَّةَ، يظهرُ له خطأَه بالشَّكِّ. إنَّ توما أمامَ خيارين، على عتبةِ طريقين. دعوةِ المسيحِ له أن لا "يصيرَ" غيرَ مؤمنٍ، بل أنْ يختارَ طريقَ الإيمانِ. بحسَبِ بعضِ الشّرَّاحِ، يمثّلُ توما "البقيَّةَ من اليهودِ" le residu juif، الّذين عليهم أيضًا أن يختاروا بين طريقين بعدَ قيامةِ يسوعَ، الإيمانَ أو الرَّفْضَ.
إنَّ الجروحاتِ الظَّاهرةَ على يدَي ورجلَي المسيحِ هي لتأكيدِ أنَّ المصلوبَ هو نفسُه الَّذي قامَ. إن بقاءَ آثارِ الألمِ البشريِّ على جسدِهِ القائمِ من بينِ الأمواتِ، تضعُ الألمَ البشريَّ في قلبِ اللهِ، فهو يَشْعُرُ بآلامِنا ويعطُفُ على البشريّةِ المتألِّمَةِ من العُنْفِ والظّلمِ الّلذين تقاسيهما على وجهِ الأرضِ.
28. أَجَابَ تُومَا وقَالَ لَهُ: «رَبِّي وإِلهِي!».
بصرختِه "ربِّي وإلهي"، يعطي توما يسوعَ لقبَه الأعظمَ في كلِّ الإنجيلِ. يحتوي الإنجيلُ على العديدِ من الألقابِ التي أُطلِقَتْ على يسوعَ، وقد رفَضَ بعضًا منها. يبدأُ إنجيلُ يوحنا بالكلمةِ "الّذي هو اللهُ" وينتهي بالاعترافِ بأنَّ يسوعَ هو اللهُ والرَّبُّ. مُنْذُ تجسُّدِ الإبنِ / الكلمةِ، لم يرَ مَنْ عاصروه مِنْه سوى هذا الجسدِ الّذي اتَّخذه. بعدَ الموتِ والقيامةِ تشرُقُ ألوهيَّةُ المسيحِ ليراها ويؤمنَ الجميعُ. يخترِقُ نورُ القيامةِ قلبَ توما فيصدَحَ بصرخَةٍ تحتوي على كاملِ حقيقةِ الإنجيلِ. تنْهارُ مقاومةُ توما للخبَرِ السَّارِ، فيصبحَ، بعدَ أنْ كانَ آخِرَ مَنْ آمَنَ بالقيامةِ، أوّلَ مَنْ يُعْلِنُ ألوهيَّةَ المسيحِ بينَ الرّسُلِ.
29. قَالَ لَهُ يَسُوع: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي آمَنْت؟ طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَوا وآمَنُوا!».
إنّ تطويبَ المسيحِ لِمَنْ آمنوا ولم يروا يسْبِقُ ما سيكتِبُه بطرسُ الرَّسولُ في رسالَتِه إلى الجماعةِ المسيحيَّةِ:
"الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ، نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ. (1 بطرس 1 / 8 – 9)
إنَّ إيمانَ الجماعةِ الأولى هو إيمانُ مَنْ لم يرَوا، بل آمَنوا بناءً على شهادةِ الرُّسُلِ. باطلًا يبني الإنسانُ إيمانَه على الحواسِّ الخمسِ، فإنَّ بولسَ الرَّسولَ يعلِنُ في 2 قورنتس 4/18 :" ونحنُ غيرُ ناظرين إلى الاشياءِ الَّتي ترى بل إلى الَّتي لا ترى. لأنَّ الّتي ترى وقتيّةٌ وأمَّا الّتي لا ترى فأبديَّةٌ".
ولذلك ينالُ من "آمَنَ ولم يرَ" الطّوبى (السعادة)، لأنّه ينالُ السّعادةَ في الأمورِ الّتي لا تُرى، وهي النِّعمةُ والمحبةُ والسَّلامُ.
30. وصَنَعَ يَسُوعُ أَمَامَ تَلامِيذِهِ آيَاتٍ أُخْرَى كَثِيرَةً لَمْ تُدَوَّنْ في هذَا الكِتَاب.
31. وإِنَّمَا دُوِّنَتْ هذِهِ لِكَي تُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ الله، ولِكَي تَكُونَ لَكُم، إِذَا آمَنْتُم، الحَيَاةُ بِاسْمِهِ.
إن هاتين الآيتان 30 و 31 تختِمان الإنجيلَ بصياغَتِه الأولى قبل أنْ تتمَّ إضافةُ الفصل 21 الملحق، على يدِ تلاميذِ يوحنا. في هذهِ الخاتمةِ يؤكِّدُ كاتِبُ الإنجيلِ أنَّه قامَ باختيارٍ لبعضِ آياتِ المسيحِ عندَ صياغةِ الإنجيلِ، وهذا ما يبرِّرُ عَدَمَ ذكرِهِ لروايةِ ولادةِ وطفولةِ يسوعَ أو غيرِها مِنَ الأحداثِ الّتي تذكرُها الأناجيلُ الإزائيَّةُ.
كما يؤكِّدُ أنَّ رسالةَ هذا الإنجيلِ هو دعوةُ المسيحييِّن للإيمانِ بيسوعَ الّذي لم يرَوه، لكي ينالوا باسْمِه الحياةَ. فيُصْبِحَ الإنجيلُ، كتابًا حيًّا، كتابًا يفضي إلى الإيمانِ، مثلَ ظهوراتِ المسيحِ القائمِ مِنْ بينِ الأمواتِ.
إنَّ الكلمةَ الأهمَّ في هذه الآيةِ هي ""بإسمِه"، فالحياةُ الأبديَّةُ المبتغاةُ مرتبطةٌ بعلاقةٍ شخصيَّةٍ بإسمِ يسوعَ المسيحِ، ولذلك يُدعى المؤمنون "مسيحيين". فبإسمِ المسيحِ يقومُ الرُّسُلِ بالشِّفاءاتِ (أعمال 3/6: فَقَالَ بُطْرُسُ: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ")، باسمِهِ يطردون الشَّياطين( أعمال الرسل 16/18 : فضَجِرَ بولسُ والتَفَتَ إلى الرُّوحِ وقالَ: "انا أمرُك باسْمِ يسوعَ المسيحِ أنْ تخرُجَ منها"، وبإسْمِه يرثون الحياةَ الأبديةَ (رومة 10/13: "كلُّ مَنْ يدعو باسْمِ الرَّبِّ يخلُصُ").