الخوري شربل غصوب
مقالات/ 2021-04-03
2. وفي يَوْمِ الأَحَدِ بَاكِرًا جِدًّا، أَتَيْنَ إِلى القَبْرِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْس.
نحنُ في يومِ الأحدِ، اليومِ الأوَّلِ منَ الأسبوعِ وهو يعلِنُ بدايةً جديدةً. العبارتان "باكرًا جدًّا" و"مع طلوعِ الشَّمسِ" تأكيدٌ على البدايةِ الجديدةِ وتشديدٌ على نورِ القيامةِ الَّذي سيحِلُّ مكانَ ظلمةِ القبرِ. ففي الفصلِ السَّابقِ أي الفصلِ 15 من إنجيلِ مَرْقُسَ يخالُ للقارئِ بأنَّ الموتَ أنهى كلَّ شيءٍ وقالَ كلمتَهُ الأخيرةَ، ليتبيَّنَ لنا في بدايةِ الفصلِ 16 وتحديدًا في هذه الآيةِ بأنَّنا أمامَ بدايةٍ جديدةٍ واعلانٍ جديدٍ وأنَّ الكلمةَ الأخيرةَ للقيامةِ والحياةِ وليسَتْ للموتِ.
3. وكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: "مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الـحَجَرَ عَنْ بَابِ القَبْر؟".
4. وتَفَرَّسْنَ فشَاهَدْنَ الـحَجَرَ قَدْ دُحْرِج، وكَانَ كَبِيرًا جِدًّا.
يصوِّرُ لنا مَرْقُسُ بأنَّ النَّسوةَ الثَّلاثَ أمامَ معضلةٍ كبيرةٍ وعائقٍ كبيرٍ، إنّهُ الحجرُ الموضوعُ عندَ بابِ القَبْرِ ويؤكِّدُ لنا بأنَّ "الحجرَ كبيرٌ جدًّا. يدلُّ سؤالُ النِّسوةِ على أنَّهَنَّ توقَّفْنَ عنْدَ حَدَثِ الموتِ، وأنّ هَمَّهُنَّ في مَنْ يدحرِجُ الحجرَ ليستَطِعْنَ الوصولَ إلى جُثْمانِ يسوعَ بُغْيَةَ تكريمِهِ. إذًا النِّساءُ قصَدْنَ القبرَ للقاءِ الموتِ وتكريمِ المَيْتِ وإذا بهِنَّ يَنْدَهِشْنَ بخبرِ القيامةِ.
لقد "دُحْرِجَ الحَجَرُ": يرِدُ هذا الفعلُ في صيغةِ المجهولِ، وهذا الأسلوبُ في الأناجيلِ يُعْرَفُ "بالمجهولِ الإلهيِّ" ويدلُّ على أنَّ اللهَ هو الفاعلُ. انتظرَتِ النِّساءُ تدخُلًّا بشرّيًّا ليُدَحْرِجَ الحجرَ فإذا بِهِنَّ ينذَهِلْنَ بالتَّدخُّلِ الإلهيِّ، وما يؤكّدُ على هذا الاندهاشِ فعلُ "تفرّسن" الَّذي يرِدُ في إنجيلِ مَرْقُسَ أكثرَ من مرّةٍ وتحديدًا في الشِّفاءاتِ (مر 8: 2؛ 10: 51 – 52) ويدُلُّ على التَّدَخُّلِ الإلهيِّ الّذي يُدْهِشُ الإنسانَ.
5. ودَخَلْنَ القَبْر، فَرَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ اليَمِين، مُتَوَشِّحًا حُلَّةً بَيْضَاء، فَانْذَهَلْنَ.
لقَدْ رافَقَتِ النِّساءُ يسوعَ وسمِعْنَهُ يعلِّمُ ويتنبأُ عنْ آلامِهِ وموتِهِ وقيامتِهِ (مر8: 31؛ 9: 31؛ 10: 33 – 34)، ولكِنْ حَدَثَ الصَّلْبُ والموتُ طغى على كلِّ شيءٍ، لذا دخَلْنَ إلى القبرِ وهُنَّ بَعْدُ غارقاتٌ في مَنْطِقِ القبرِ والموتِ ويَنْتَظِرْنَ أنْ يَجِدْنَ جِثْمَانَ يسوعَ؛ مِنْ هنا نفْهَمُ ذهولَهُنَّ لأنَّهُنَّ كُنَّ ينتظِرْنَ رؤيةَ الموتِ وإذا بِهِنَّ يريْنَ علامَةَ الحياةِ والقيامةِ.
يذكرُ مَرْقُسُ الجلوسَ "عنِ اليمينِ" دونَ أنْ يحدِّدَ لأيِّ أمرٍ، ما يَهُمُّهُ هو الدَّلالةُ على الحضورِ الإلهيِّ، فالجلوسُ عن يمينِ الرَّبِّ يَرِدُ في (مز 110: 1 وفي مر 14: 62 و 16: 19)، وهو يدُلُّ على حضورِ العِزَّةِ والقُدْرَةِ الإلهيّةِ. أمَّا الَّلونُ الأبيض الَّذي يُذكُرُ مرَّتين في إنجيلِ مَرْقُسَ في هذه الآيةِ وفي حدَثِ التَّجلِّي (مر 9: 3) فيدلُّ أيضًا على الحضورِ الإلهيِّ.
نفهمُ مِنْ هذه الآيةِ بأنّ هذا الشَّابَ هو ملاكٌ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ لأنَّ الأدَبَ اليَهوديَّ، النَّاطِقَ بالُّلغَةِ اليونانيّةِ، استعملَ هذه العبارةَ دومًا للدَّلالةِ على "ملاكٍ منْ عِنْدِ الرَّبِّ" (راجع 2 مك 3: 26، 33). مرّةً أخرى يَسْتَعْمِلُ مَرْقُسُ فِعْلَ "انْذَهَلْنَ" وكانَ قد استعْمَلَهُ بعد حدَثِ التَّجلِّي (مر 9: 15)، وهو يَدُلُّ على انْذِهالِ الإنسانِ أمامَ الحضورِ الإلهيِّ.
6. فَقَالَ لَهُنَّ: "لا تَنْذَهِلْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الـمَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا. وهَا هُوَ الـمَكَانُ الَّذي وَضَعُوهُ فِيه.
جوابُ الشَّابِ: "لا تَنْذَهِلْنَ" يُذَكِّرُنا بجوابِ مُرْسَلِي اللهِ: "لا تخافوا". تُشَدِّدُ الآيةُ على لَقَبِ "يسوع الناصريّ المصلوب"، للتَّأكيدِ على أنّ الّذي قامَ من بينِ الأمواتِ هو نفسُه الَّذي صُلِبَ. لذلك يدُلُّ الشَّابَ على مكانِ الّذي وُضِعَ فيه يسوعُ ليؤكِّدَ على حقيقةِ القائمِ مِنَ بينِ الأمواتِ، فمريمُ المجدليّةُ كما ذَكَرَ مَرْقُسُ (مر 15: 46 – 47) كانَتْ تَنْظُرُ أين وُضِعَ يسوعُ حيْنَ دفَنَهُ الرَّامي وكانَتْ برِفْقَتِها مريمُ أمُّ يعقوب. وهذا تأكيدٌ على أنَّ النّساءَ شاهَدْنَ أولًا وَضْعَ يسوعَ في القَبْرِ وسيشاهِدْنَ القَبْرَ الفارِغَ، لذا لا تعتري شهادَتَهُنَّ شائبَةٌ. سيُعْلِنُ هذا الشَّابُّ قيامةَ الرَّبِّ : "إنَّهُ قامَ" وهذا هو الخَبَرُ الَّذي سيُذْهِلُ النِّساءَ إلى حدِّ الصَّمْتِ.
7. أَلا اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُس: إِنَّهُ يَسْبِقُكُم إِلى الـجَلِيل. وهُنَاكَ تَرَوْنَهُ، كَمَا قَالَ لَكُم".
بعدَ أنْ أعْلَنَ بشرى القيامةَ، يَعطي هذا الشَّابُّ للنّسوةِ مَهَمَّةً، فإعلانُ القيامةِ يَتْبَعُه دومًا الانطلاقُ للشَّهادةِ. تؤكِّدُ الآيةَ على أنَّ يسوعَ يَسْبِقُ التَّلاميذَ إلى الجليلِ. هؤلاءِ وأولهم بطرسَ كانوا قد أكَّدوا أنَّهم لنْ يتركوا يسوعَ بلْ سوفَ يبقون معه، لكنَّهم جميعًا تركوه وهربوا وبطرسُ بالذَّاتِ أنْكَرَهُ (مر 14: 50؛ 14: 66 – 72 ). لذا يَسْبِقُ الرَّبُّ القائمُ مِنَ الموتِ تلاميذَه إلى الجليلِ وعلى رأسِهِم بطرسَ، ليؤكّدَ أمانَتَه لكلمتِهِ وثباتِهِ فيها. فالرَّبُّ دومًا يَسْبِقُ تلاميذَه، لقد سَبَقَهم إلى أورشليمَ (مر 10: 32)، إلى مكانِ الآلامِ والموتِ وسَيَسْبِقَهُم إلى الجليلِ مكانِ اللّقاءِ مَعَ القائمِ من بين الأمواتِ.
8. فَخَرَجْنَ مِنَ القَبْرِ وَهَرَبْنَ مِنْ شِدَّةِ الرِّعْدَةِ والذُّهُول. وَمِنْ خَوْفِهِنَّ لَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا...
أمامَ حَدَثِ القيامةِ يؤكِّدُ مَرْقُسُ أنَّ ردَّةَ الفِعْلِ الأولى هي الرِّعْدَةُ والذُّهولُ والخّوْفُ، لذا صَمَتَتِ النِّساءُ ولم يِقُلْنَ شيئًا. ما يُفَسِّرُ هذا الخوفَ وهذا الصَّمتَ عدمُ قدرةِ الانسانِ على استيعابِ سرِّ اللهِ. فالإنسانُ بقدرتِهِ الذَّاتيّةِ غيرُ قادرٍ على أنْ يكونَ على مستوى الحدَثِ الإلهيِّ، ويحتاجُ دومًا لأنْ يُفْهِمُهُ الرَّبُّ سرَّ تدبيرِه الخلاصيِّ. لذا إذا أكْمَلْنا قراءَةَ الانجيلِ سنرى في الآيتين (9– 10) أنّ الرَّبَّ سَيَظْهَرُ لمريمَ المجدليَّةِ وحدَها وهي ستَذْهَبُ وتُبَشِّرُ التَّلاميذَ بالقيامةِ.