الخوري رشيد الجميّل
مقالات/ 2020-12-11
"قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ" (سفر إرميا 1/ 5)
عشرون سنة مرّت منذ قررّت دخول المدرسة الإكليريكيّة الصغرى في غزير الى اليوم، كانت مرحلة طويلة نمت خلالها دعوتي في قلب الكنيسة. وقد إتخذت من هذه الآية شعاراً لي لأني واثق بأن الرب يرافقني في كل مسيرتي رغم كل المطبات التي مرّت وكل الصعوبات التي ستأتي. أنا واثق بأن "نعمته تكفيني" لتستر ضعفي عندما أفشل و "تكمل ما نقص منّي" عندما أنجح. والآن وأنا على أبواب الدخول إلى سرّ الكهنوت وإستنادًا الى وظائف الكاهن الثلاث الأساسيّة أضع بين أيديكم يا سيادة راعينا تصوّراً عن مشروع خدمتي الكهنوتيّة، وخاصةً أنني سأبدأ مسيرتي في فرنسا منطقة Rennes، حيث سأكون مرسل من قبل أبرشيّة أنطلياس المارونيّة إلى أبرشيّة أوروبا المارونيّة للعمل على خدمة الموارنة في المنطقة السابق ذكرها وخدمة الكنيسة المحليّة:
في التعليم:
" فقلت آه يا سيّد الرب إنّي لا اعرف أن أتكلم لأني ولد. فقال الرب لي لا تقل إني ولد لأنك إلى كل من ارسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأني أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمي وقال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فمك. " (إرميا 1/ 6-9)
عندما إنطلقت في مسيرتي الكهنوتية لم أعرف طريقة الكلام أمام الجموع وظننت لمدة أني سأفشل في خدمتي، ولكن الله كان أميناً على مرافقتي لأتعلّم فن الخطاب وأفهم كلمته وتعليمه.لذلك سأبقى أمينًا لكلمة الله وأحرص على إيصالها لأبناء الرعيّة من خلال تحضير العظات بطريقة تليق بكلمة الله، وإحياء السهرات الإنجيليّة والرياضات الروحيّة والتنشئة المسيحيّة وكلّ ما أراه لازمًا كي أهيّأهم لإستقبال يسوع المسيح.
من ناحية أخرى فعملي هو جزء من رسالتي التعليميّة، أكان الفلسفي منه أم التدريب على المهارات الحياتيّة فهو أساس في بشارتي وذلك أولاً بأن أكون قدوة ومثالاً للمتعلمين، وثانياً بنقل القيم والإيمان بشكل غير مباشر. لذلك سأسعى بما أوتيت من قوّة وقدرة الى التعليم وأنا أضع أمامي هدف مساعدة كل من ألتقي به على تأمين مستقبله وإستقلاليته ضمن القيم المسيحيّة.
في التقديس:
"كلام إرميا بن حلقيا من الكهنة الذين في عناثوث في أرض بنيامين" (إرميا 1/1)
إرميا كان إبن كاهن منفيّ إلى عناثوث. إني في هذه المنطقة البعيدة عن السياق الرعويّ الذي تعودت على العمل ضمن نطاقه، قد أشعر أيضاً بالغربة وقد أشعر أني صغير في عالمٍ غريب كما شعر إرميا عندما دعاه الرب. ولكن وحدة الأسرار ستكون المكان الذي ألتقي به مع كنيسة لبنان.
فالقداسة هي دعوة كلّ إنسان مسيحيّ وعلى رأسهم الأشخاص المكرّسين. لذلك سأسعى لتقديس نفسي وتقديس أبناء رعيّتي من خلال الأمانة في ممارسة الأسرار وأشباه الأسرار. كما إنّي أتعهد أن أخدم الأسرار أيضاً مع الكنيسة المحليّة وقد بدأت بالسعي لإيجاد مستشفى أخدم فيه سر الإفخارستيا، سر التوبة وسر مسحة المرضى. وأطلب من الله أن يعضدني على القيام بهذه الرسالة لما فيها من خير لي على الصعيد الشخصي وللجماعة المسيحيّة ككلّ.
في التدبير:
إرميا معناه الرب يؤسس، فحيث أنا ذاهب إلى Rennes قد أوكلت مهمّة تأسيسيّة. لذلك سأعمل أوّلاً على جمع أبناء الكنيسة المارونيّة في المنطقة، في قداس أسبوعيّ وبعض اللقاءات البيبليّة. كما سأزورهم في أماكنهم ليشعروا بالإهتمام. لذلك سيتطلب ذلك منّي أن أكون، كما طلب يسوع من تلاميذه أن يكونوا، حكيمًا كالحيّات ووديعًا كالحمام من أجل أن أستطيع تدبير أمور الرعيّة وخلاص النفوس. إني لعالمٌ صعوبة التأسيس في هذه المنطقة وتحدياتها لذلك بدأت بخلق إطار كهنوتي لي: حيث تواصلت مع الكنيسة اللاتينيّة في المنطقة وأذنوا لي بالإجتماع مع كهنة المنطقة بلقاء شهريّ لمناقشة الإختبارات المختلفة. كما طلبت من المونسينيور أمين شاهين أن يكون مرافقًا لي لما لديه من خبرة في فرنسا وقد وافق على ذلك.
إنّي لمدرك أن المهمة الموكلة لي صعبة ومليئة بالتحديات لذلك كي أبقى على الطريق الصحيح سأحافظ على إرتباطي بأبرشيتي الأمّ، حيث سأسعى أن أقدّم لأبرشيّة أوروبا المارونيّة تقريراً كل ثلاث أشهر عن تقدمي في المرحلة التأسيسيّة وكما سأرفع أيضاً تقريراً لأبرشيّتي الأمّ ، أيضاً كل ثلاث أشهر، أشرح فيه حالتي الكهنوتيّة والإطار الكنسيّ.
الشكر لعائلتي الصغيرة التي نشّأتني على حبّ الرّب وخدمته من خلال الآخرين وزرعت في قلبي بذور الدعوة الكهنوتيّة وشجعتني وساندتني خلال كلّ مسيرة التنشأة الإكليريّكية.
الشكر لزوجتي الحبيبة ساندرا المدركة لأهميّة الدعوة التي دُعيت اليها وتدعمني يوميّاً لأبقى ثابتاً، أعانني الله وإياها على تربية إبنتنا تربية مسيحيّة صالحة.
الشكر لأبرشيّة أنطلياس المارونيّة وعلى رأسها الأساقفة الذين توالوا على خدمتها المطران يوسف بشارة والمطران كميل زيدان رحمهما الله و سيادتكم المطران أنطوان عوكر كمدبّر للأبرشيّة.
الشكر للجنة الدعوات في أبرشيّة أنطلياس المارونيّة وللمدرسة الإكليريكيّة البطريركيّة في غزير وللمدرسة الإكليريكيّة في كفرا ولكليّة اللاهوت الحبريّة في جامعة الرّوح القدس في الكسليك وللقيّمين عليهم الذين أمّنوا لي التنشئة اللّازمة للتقدّم من سرّ الكهنوت.
الشكر لعرّابي في الشديقة المونسينيور عصام أبي خليل ولعرّابي في الشماسيّة والكهنوت الخوري وليد ملّاح على كلّ الدعم والمرافقة الروحيّة والأخويّة التي قدّماها لي خلال كلّ الفترة السابقة.
الشكر للرعايا التي خدمت فيها والتي حضنتني كلّ فترة وجودي فيها (رعيّة سيدة المعونات- عين الخروبة، رعيّة مار أشعيا - برمانا، رعيّة مار مارون - مزرعة يشوع، رعيّة مار مارون - البوشرية، رعيّة قلب يسوع والسيدة - قرنة الحمرا، وكنيسة سيدة النجاة - رأس الدكوانة).
ويبقى الشكر الأكبر للرّب الذي دعاني الى الحياة الكهنوتيّة وأطلب منه أن يقوّيني لأكون جريئًا في تعليمي وأمينًا في رسالتي ومتواضعًا في خدمتي وأطلب منه الصفح والغفران عن كلّ نقص صدر أو قد يصدر خلال خدمتي الكهنوتيّة.