الخوري شربل غصوب
مقالات/ 2020-12-11
19. ولَمَّا كَانَ يُوسُفُ رَجُلُها بَارًّا، ولا يُرِيدُ أَنْ يُشَهِّرَ بِهَا، قَرَّرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا سِرًّا.
يوسف هو "رجل مريم"، لأنّ مفاعيل الزواج القانونيّة عند اليهود تبدأ مع الخطبة، فتصبح الفتاة زوجة الخطّيب الشرعيّة. "كان بارًا"، تعـني هذه العبارة بالمعنى الكتابي أنّه كان يحافظ على الشّريعة (أمثال 11: 4 – 6، 12: 28) وبالتّالي يعيشُ السُّلوك المطابق لها، وتعني أيضًا النّقيّ والطّاهر القلب الذي يصدِّق بأعماله الصّالحة ولا يميل إلى السّوء (مز 20 : 3 – 4). في حالة يوسف لا نستطيع القول أنّه بارّ لأنّه حفظ الشريعة وطبّقها، لأنّه بحسب الناموس كان يجب أن يرجم مريم (تث 22: 23 – 24). يختلف الشرّاح في شرح هذا الأمر، منهم من يقول أنّ يوسف كان يعلم بحقيقة مريم، ولم يشكُّ بطهارتها وعرف أنّ هناك أمرٌ يفوقُ ادراكَه، فخافَ من الدّخول في هذا المشروع، فقرّر تركها سرًّا، دون أن يعلنَ السَّبب، ليحميها من الرَّجمِ. شرّاحٌ آخرون يعطون شرحًا أكثـر واقعيّة، إذ يفهمون من موقف يوسف، أنّه أراد ترك مريم لأنّها كانت تحمل ابناً من خارج زواجهما الشّرعيّ، ولم يردْ أن يشَهِّرها لأنّه كان بارّاً أي رحومًا. في كِلْتَي الحالتين نفهم أنّ برارة يوسف تأتي من قدرته على قبول مخطّط الله والخضوعِ لإرادته.
20. ومَا إِنْ فَكَّرَ في هـذَا حَتَّى تَرَاءَى لَهُ مَلاكُ الرَّبِّ في الـحُلْمِ قَائِلاً:"يَا يُوسُفُ بنَ دَاوُد، لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، فَالـمَوْلُودُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس.
حاول يوسف أنّ يفهم سرّ مريم وبالتّالي أنْ يفكّر بحلٍّ بشريّ، بقواه الخاصّة وبمنطقه الإنسانيّ. في قلب الحَيـرة التي كان يعيشها سيتدخّل الله في حياته، ويدعوه للدخول في مخطّطه، فظهور الملاك له يدلّ على تدخّل اللهِ نفسِه (تك 16: 7 – 13). يُذكر "الحلم" خمس مرّاتٍ في متّى 1-2، وهو يدلُّ على الوسيلة التي يكلّم بها الربّ أصفياءَه، هكذا كلّم يعقوب (تك 28:10) وإيليا (1 ملوك 19: 5). الحلم هو إحدى طرق الله لمخاطبة الإنسان، إنّه يعكس الّلقاءَ الحميمَ بين الله والإنسان، الله يدخل في اللّاوعي أيّ في المكان الذي فيه يعيش الإنسان حقيقة رغباته من دون قيود أو شروط أو ضوابط إجتماعيّة. الله يكلّمنا ويدعونا في هذا المكان الأعمق حيث الإنسان نفسه يجهل مكنونات نفسه. في الحلم سيسمع يوسف صوت الله الذي سيحرّكه من الداخل، ويكشف له سرَّ مريم ويشجِّعُه ليأخذها إلى بيته لأنّ المولودَ منها هو من الروح القدس.
21. وسَوْفَ تَلِدُ ابْنًا، فَسَمِّهِ يَسُوع، لأَنَّهُ هُوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم".
لقد سلّم الملاك ليوسف مهمّة تسميةِ الطّفل وكأنّه أبوه. مريم أعطَتْ ليسوع الجسدَ ويوسفُ سيعطيه الإسمَ، أي الوجودَ الشرعيَّ بحسب قوانين البشر. سيعطيه "الكينونة البشريّة"، أيّ محيطًا بشريًّا، عائلة، تقاليد، مهنة،.... يوسف سيعطي يسوع كلّ ما يلزم ليصبح شخصًّا منخرطًا في شعب الله. فالله يدعو يوسف ليساهم ويكون له دور أساسيّ في حدث الخلاص. هذا الأسم هو "يسوع" ومعناه بالعبريّة " الله يخلّص" وهو علامة على حضور الله الخلاصيّ في قلب البشريّة.
22. وحَدَثَ هـذَا كُلُّهُ لِيَتِمَّ مَا قَالَهُ الرَّبُّ بِالنَّبِيّ:
"لِيَتِمَّ" : يُكثـِر متّى في استعمال هذه العبارة، أكثـر من عشرين مرّةً في في إنجيله ( 1: 22، 2: 23 و15، 3: 15، 4: 14، 5: 18، 8: 17، 12: 17، 13: 14 و35، 21: 4، 27: 9) ليؤكّدَ أنّ العهدَ القديمَ قد تمَّ في العهدِ الجديدِ، وأنّ ما أعلنه الربّ بلسان أنبيائه قد تحقّق بتجسّد الابن.
23. "هَا إِنَّ العَذْرَاءَ تَحْمِلُ وتَلِدُ ابْنًا، ويُدْعَى اسْمُهُ عِمَّانُوئِيل، أَي اللهُ مَعَنَا".
هي الآية الأولى من العهد القديم (آشعيا 7: 14) ترِد في إنجيل متَّى، وسوف تلحقها آياتٌ أخرى في الانجيل نفسه وبشكلٍ مباشر( 47 مرّة)، عدا التلميحات غيـر المباشرة. كلمة "عذراء" وبحسب النصّ العبـري تعنـي" فتاة "، لكنَّ التّرجمة السَّبعينيّة اليونانيّة استعملت كلمة "عذراء"، وهذا الأمر يعكس تطورًا لاهوتيًّا في فهم نصّ آشعيا. في الأصل كان الكلام في نبوءة آشعيا عن ملك جديد يخلف الملك آحاز، ثمّ تطوّر المفهوم اللاهوتيّ وصار الكلام عن الحبل البتولي بالـ "عمانوئيل" (الله معنا)، وقد أراد متّـى أن يؤكّد أنّ العذراء مريم بحملها تحقّق هذه النبوءة.
24. ولَمَّا قَامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْم، فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاكُ الرَّبِّ وأَخَذَ امْرَأَتَهُ.
يوسف يفعل ما يأمره به الملاك، كلام الله يحرّكه من الدَّاخل، حرَكتُه لا تنبَعُ من إرادةٍ شخصيّةٍ، إنّها إرادةُ اللهِ الّتي ستتحقّق في حياته. يوسف مثالٌ للانسانِ الّذي يُصغي إلى كلمةِ اللهِ، ويفتحُ قلبَه وعقلَه لها، لتَدخلَ وتنتشلَ منه الخوف والحَيرة وتزرعَ فيه القوةَ وتحثّه على الطّاعة وتتميم مشيئةِ الله.
25. ولَمْ يَعْرِفْهَا، فَوَلَدَتِ ابْنًا، وسَمَّاهُ يَسُوع.
فعل "عرف" في المفهوم الكتابي يدلّ هنا على العلاقات الزوجيّة (تك 4:1 و17: 25، …)، لذا يمكن العودة إلى الأصل اليوناني للنص وترجمة عبارة " لم يعرفها" بـــ " ما كان يمسُّها". أراد متَّـى أن يشدّد على أنّ مريم ظلّت عذراء لمّا ولدت يسوع. أما بعد مولده فبتوليّة مريم ثابتة في نصوص أخرى (راجع لو 2: 41 – 42 و يو 19: 25 – 27). هذه الآيةُ الأخيـرةُ من الفصل الأوّل من متّى تُختتم كما الآيةُ الأولى منه باسم "يسوع"، هذا الفصل بكليّته يريد أن يخبرنا من هو هذا الطّفل الإلهي: إنّه ابنُ داوود، الله معنا، المولود من العذراء بقوةِ الرّوح القدس وابن يوسف بالتَّبني.