بناءً على القرار الصادر عن مجلس الأساقفة الموارنة في بيان الإجتماع الشهري لهم بتاريخ 4 آذار 2020، والذي يطلب من المؤمنين إعطاء السلام من دون المصافحة باليد ومن الكهنة إعطاء المناولة باليد تحت شكل الخبز فقط وذلك كتدبيرٍ مؤقّت إلى حين إنتهاء ظاهر تفشّي فيروس الكورونا. نسرد في ما يلي بعض التوضيحات التاريخيّة واللاهوتيّة والرعويّة حول هذا الموضوع.
1- جدليّة الموضوع:
يطرح هذا الموضوع جدلاً كبيرًا في الكنيسة الكاثوليكيّة. ولا يمكننا أن نخفي التباينات حوله. هناك تيّار يفضّل المناولة في الفم (يتمثّل حاليًا بالكاردينال سارا رئيس مجمع العبادة الإلهيّة) ويستلهم مثل الأمّ تريزا دي كالكوتا والبابا يوحنا بولس الثاني؛ وهناك تيّار آخر يتمثّل بعددٍ كبير من الأساقفة والمؤمنين الذين يدافعون عن ممارسة المناولة في اليد، وقد اضطرّ البابا فرنسيس شخصيًا للتدخل في هذا الجدل حين أعلن في مقابلته العامّة في ٢١ آذار ٢٠١٨ أنّ على المؤمن التقدّم من المناولة بحسب توجيهات مجالس الأساقفة في كلّ بلد (وقوفًا أو ركوعًا، في الفم أو في اليد) وذلك مستعيدًا مقدّمة كتاب القدّاس اللاتيني.
2- على الصعيد التاريخي:
تاريخيًّا، عرف بعض آباء الكنيسة المناولة في اليد منذ القرن الرابع ميلادي من بينهم كيرلّس الأورشليمي ويوحنا فم الذهب وتيودورس أسقف المصيصة. فقد كتب كيرلّس عام ٣٦٥:
"وعندما تقترب، لا تتقدّم باسط اليدين والأصابع منفردة، ولكن إجعل من يدك اليسرى عرشا ليدك اليمنى، لأنّ هذه ستتقبل الملك، وفي راحة يدك تقبل جسد المسيح قائلا: "آمين". وبعد أن تلمس عينيك بهذا الجسد المقدّس لتقديسهما، تناول. واحرص على ألا يسقط جزءٌ منه على الأرض لأنّك إذا أسقطت جزءًا منه فكأنّما يُبتَر منك أحد أعضائك".
كما أنّ المناولة انّخذت أشكالًا عديدة في مختلف الطقوس ولم تكن موحّدة: مثلاً شكل المناولة في الكنيسة الأورثوذكسيّة...
3- على الصعيد اللاهوتي:
- من غير اللائق جعل اليد نجسة بينما اللسان مقدّسًا. لقد كشف لنا مار بولس قدسيّة الجسد عندما قال: "أو لستم تعلمون أنّ جسدكم هو هيكل للروح القدس فيكم، الذي لكم من الله، وأنّكم لستم لأنفسكم.. فمجّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كورنتس 6: 19، 20).
- كلّ عضو فينا مقدّس: اليد مثل اللسان مثل القلب... النجاسة لا تكمن في أعضاء الجسد إّما في ما يصدر عن القلب أي عن نوايا الإنسان. قال الربّ لبطرس : "ما طهّره الله لا تدنّسه أنت" (أعمال 10: 15، 11: 9)، وأمره ألاّ يقول: "عن إنسان ما أنّه دنِس أو نَجِس" (أعمال 10: 28).
- وقد علّم الربّ تلاميذه أن "ليس ما يدخل الفم يُنجّس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجّس الإنسان" (متى 15: 11 مرقس7: 15).
إذًا، يمكن للإنسان أن يتناول في فمه جسد الربّ وقد يكون لسانه أكثر نجاسة من يده! فالتناول في اليد لا ينجّس جسد المسيح.
- لا ننسى كيف أنّ المسيح لمس الأبرص والأعمى وترك النازفة تلمسه وتناول الطعام أحيانًا بدون اللجوء الى طقس التطهير وغسل يديه... لقد علّمنا أنّ النجاسة في الانسان لا تنجّس المسيح بل على العكس، هو من يُطهّر فينا كلّ دنس.
- لا يكمن الخطر الإيماني في شكل المناولة بل في عدم الإيمان بحضور المسيح الفعلي تحت شكلَي الخبز والخمر.
4- بعض المحاذير:
- لا شكّ أنّ للتناول باليد محاذيره: مثلاً أن يقوم إنسان ما بالاحتفاظ بالقربانة بيده واستخدامها لاحقًا لاحتفالات تدنيسيّة. هذا الأمر قد يتمّ أيضًا من خلال التناول بالفم ولكن ضمن احتمالات أقلّ...
- أضف إلى ذلك الخوف من سقوط فتات القربان على الأرض ودوسه.
- هناك أيضًا صعوبة عمليّة للتناول في اليد عند الأولاد. كيف يمكننا أن نضمن احترامهم للقربان والمحافظة على قدسيّة السرّ؟
- من المحاذير أيضًا التمرّد على قرارات سلطة الكنيسة. إنّ عدم الطاعة لقرار السلطة الكنسيّة (خصوصًا عندما يصدر القرار عن مجلس الأساقفة وليس عن أسقف واحد منفرد) يُعتبر انفصالاً عن الشركة الكنسيّة وتمرّدًا في وجه المسيح نفسه الحاضر في كنيسته عبر سرّ الكهنوت.
- اللّجوء إلى ما يُعرف بالمناولة الروحيّة: هذه المناولة التي لها أسسها الروحيّة وشروطها الخاصّة تشكّل بديلاً في حال كان الشخص عاجزًا عن الحصول على المناولة الأسراريّة لأسباب جغرافيّة أو مرضيّة أو لعدم وجود كهنة أو قداديس ...
5- خلاصة رعويّة
- إنّ تغيير شكل المناولة يخلق العديد من الإرباكات لدى المؤمنين ولدى الكهنة. يجب مراعاة الظروف من دون المسّ في الجوهر. كما يجب تفهّم الظروف التي تحيط بكلّ تغيير في الشكل...
- يحقّ لأيّ مؤمن الاعتراض البنوي على أيّ قرار ولكن من دون أن ينسى أنّه مدعو إلى احترام فضيلة الطاعة في الكنيسة.
- على الكهنة اعتماد الشرح التوضيحي واللاهوتي لهذا التدبير مع أخذ الاحتياطات العمليّة التي تساعد المؤمنين على تناول القربان بكلّ لياقةٍ واحترام وتحاشي كلّ ما قد يُسيء إلى جسد المسيح ودمه. يمكن أن يشكّل كلام القدّيس كيرلس أعلاه نمطًا لطريقة المناولة في اليد مع تشجيع المؤمنين على الحرص بعدم التفريط في القربان وبقاياه في اليد.
- من الكبرياء أن يعتقد أحدهم انّه اكثر كمالاً من غيره إذا ما تناول القربان المقدس في فمه أم في يده (مثل الفرّيسي والعشار – لوقا 18: 10-14).