صونيا السمراني
مقالات/ 2016-11-25
شهرٌ واحدٌ يفصلنا عن عيد الميلاد المجيد. هو شهرُ الزينة الميلاديّة الّتي تملأُ الشوارع بالأنوار المُضاءة والأشجار العملاقة اللافتة. وعلى الرغم من أنّ العيد هو ولادة يسوع المسيح مخلّص العالم، غير أنّ عددًا لا بأس به من الزينة لا يرتبط بهذا الحدث ولا وجود ليسوع فيه. وهنا نطرح السؤال: إلى ماذا ترمز الشجرة وسواها من زينة؟ وهل لها علاقة بولادة يسوع؟
شجرة الميلاد
تُباع سنويًّا ملايين الأشجار حول العالم كي تزيّن المنازل بجمالها الخلاّب. ولكي نفهم سبب إستخدام الشجرة فيي العيد، نعود في جولةٍ تاريخيّة إلى آلاف السنين قبل المسيح عندما كانت الشعوب تعبد الأشجار. ويُحكى عن قديس يُدعى بونيفاست هاجر إلى ألمانيا للتبشير بالمسيحيّة. وفي إحدى الأيّام، بينما كانت قبيلة ألمانية تقدّم ولدًا كذبيحة لشجرة البلّوط، قطع بونيفاست الشجرة بفأسه لإيقاف الذبيحة. ويقال أنّ شجرة خضراء أثمرت مكان شجرة البلوط المقطوعة. مع مرور السنوات وتحديدًا في القرون الوسطى، كانت الشعوب تنظّم مسرحيّة تجسّد قصّة آدم وحواء وشجرة الخير والشر المزيّنة بفاكهة التفاح، لتتحوّل بعدها إلى شجرة الحياة مع يسوع المسيح، ويستبدل التفاح بكريات حمراء لامعة. من هنا، يأتي المعنى الروحيّ للشجرة الّتي ترمز إلى الخلود والصمود بوجه العواصف. فالشجرة الوحيدة الّتي تغلبُ الموت هو يسوع المسيح أي شجرة الحياة الّتي أحيت الإنسان من جديد. وكما يقول الكتاب المقدّس عن يسوع في نبوءة أشعيا: " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب....فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض...ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه" (1-5).
سنة 1895، إخترع الأميركي رالف موريس الأضواء الّتي توضع على الشجرة. وذلك نتيجة حريق إندلع في إحدى المستشفيات جرّاء الشموع الّتي تُنير شجرة الميلاد. في القرن العشرين برزت الأشجار الإصطناعيّة بألوانٍ مختلفة بين الأبيض والأحمر والأخضر، لكنّ البعض لا يزال يستخدم الشجرة الطبيعيّة، لا سيّما شجرة الكرز الأكثر مبيعًا.
المغارة
أمّا المغارة الّتي تتدفى بأغصان الشجرة، فبرزت سنة 1223 مع القدّيس فرانسيس الأسيزي الّذي بنى أوّل مغارةٍ في مدينة غريسيو الإيطاليّة، وكانت مغارة حيّة تُعيدٌ تجسيدَ ولادة الطفل يسوع.
بابا نويل
الأكثر شعبيّة في هذه التقاليد هو بابا نويل الّذي ينتظره الأطفال في كلّ سنة كي يتلّقوا الهدايا الّتي تمنوّها. رواية هذا العجوز ليست بالخرافة، بل هي قصّة قدّيس يُدعى نيكولا عُرف بكرمه. ويُحكى عن رجلٍ فقير جدًّا وهو أب لثلاث فتيات، لم يستطع تزويجهن لأنّهُ لا يملك المال الكافي كي يدفع لأهل العريس. وفي إحدى اللّيالي، وضع القدّيس نيكولا كيسًا مليئًا من الذهب في داخون موقدة المنزل، ويصادف أن وقع في كيسٍ معلّقٍ على الموقدة. من هنا أتت فكرة تعليق كيسٍ وانتظار بابا نويل الّذي سيهبط من الموقدة. لكن لماذا لا يشبه بابا نويل، القديس نيكولا؟
تعود الرواية إلى النهضة الألمانيّة مع إنتشار المسيحيّة الّتي مزجت قصّة "أولدن" العجوز ذو اللّحية البيضاء الّذي يساعد الفقراء بقصّة القدّيس نيكولا ليصبح بابا نويل عجوزًا ذو لحيةٍ بيضاء يرتدي قبّعة المطران. في القرنين الثامن والتاسع عشر، صُوِّر بابا نويل ببدلةٍ حمراء كما وصفها الأميركي توماس ناست الّذي رسم كتبًا كاريكاتوريّة عن بابا نويل في اللباس الأحمر. تطوّر اللباس وتغيّرت قبعة بابا نويل في القرن العشرين مع شركات المشروبات الغازية وأبرزها الـ"كوكاكولا" الّتي جعلت من بابا نويل بطلًا في إعلاناتها.هو الّذي ساهم في عمليّة العطاء في هذه المناسبة، فلا ينسى هديّة أحدٍ. لكن، لماذا نتبادل الهدايا تحديدًا في هذا العيد؟
هديّة العيد الحقيقيّة
الجواب بسيط، فأوّل هديّة تلقّاها الإنسان كانت من أبيه السماوّي الّذي قدّم إبنه الوحيد إلينا. ثمّ، الماجوس الّذين قدّموا أغلى ما يملكون آنذاك للطفل المخلّص يسوع. وبدوره، بذل نفسه من أجلنا وأهدانا خلاصًا، رحمة وحبًّا لا ينتهي إلى الأبد.
هي تقاليدٌ حملها الإنسان معه على مرّ السنين، تمامًا كسواها من التقاليد الّتي تُفرحنا. ليس من الخطأ أن نستعمل هذه العناصر كافّة في احتفالاتنا، إذا أدركنا معناها الحقيقي، وشرط ألّا ننسى تقديم قلوبنا إلى الطفل يسوع ورفع الصلاة على نيّة ولادتنا من جديدٍ معه.