ًيا ربّ، إجعلني حمارا

ًيا ربّ، إجعلني حمارا

طيلة هذه الفترة وأنا أتأمّل بدور "الحمار" في تاريخ الخلاص وعمله في الكتاب المقدّس.

كم أنت مهمّ وعظيم أيّها "الحمار"!!!

أنت الّذي توقّفت عندما رأيت الملاك على الطّريق طالبًا منك تغيير طريقك، وصاحبك الذي يدعى بلعام لم يره وأصرّ على على السير في تلك الطّريق التي منعك عنها الملاك. رأيته ثلاث مرات، وتوقفت عن السير ثلاث مرات، وصاحبك مازال أعمى البصيرة والفهم والنظر، وأصرّ على السير في تلك الطريق (سفر العدد 22\ 22-32). يا ليتني مثلك أيّها الحمار، أرى الملائكة التي يضعها الربّ في طريقي يوميًّا كي يحذّرني... آه يا ليتني مثلك ولكن للأسف! إنّني مثل بلعام. نعم، يا ليتني حمارٌ!

أنت الّذي قال عنك أشعيا النبي :"إنّ الحمار عرف صاحبه، والثّور صاحب معلفه، وأمّا شعبي فلم يعرفني" (أشعيا 1\3). نعم، أنت تعرف من صاحبك، ومن يهتمّ بك، ولا تخونه ولا تتخلّى عنه أبدًا. آه أيّها "الحمار" يا ليتني مثلك! يا ليتني مثلك "وفيّ" لصاحبي، وفيّ للّه الّذي يشرق شمسه عليّ كلّ يوم ويطعمني و يحرسني ويهتمّ بكلّ تفاصيل حياتي... وأنا أخونه وأتخلّى عنه وعند أيّ مشقّة أبحث عن صاحب آخر يملكني. نعم، يا ليتني حمارٌ!

أنت الّذي أمضيت الليل أمام مذود يسوع تتأمّل به وتدفأه، كما تصوّرك الإيقونات وصور الميلاد. نعم، لم تتخلّى عنه. أمّا أنا فلا أستطيع السهر ولو ساعة واحدة معه. إذا جلست لأصلّي يتملّكني الملل، وإذا ذهبت إلى القدّاس أتأمّل بكلّ شيء إلّا بيسوع. آه ما أروعك أيّها الحمار! نعم، يا ليتني حمارٌ!

أنت الّذي شاركت يسوع الاضطهاد والألم وتعب السفر عند الهروب إلى مصر (متى 2\14)... شاركته بكلّ شيء ولم تتخلّى عنه. أمّا أنا عند أيّ مصيبة أو اضطهاد قد يحصل بسبب يسوع فلي سهولة النكران والتّخلّي والهروب و... آه ما أعظمك أيّها الحمار! نعم، يا ليتني حمارٌ!

أنت الذي حملت يسوع ودخلت به إلى أورشليم (سفر زكريا 9\9)، و عندما بدأت الناس بالصّراخ والهتاف وفرش الثياب أمامك لم تتكبر، بل أدركت أن عظمتك الآن ليست لقيمتك بل هي بقيمة الذي تحمله، بقيمة من هو عليك. وأنا لا أعرف كيف أقول لك ذلك أيّها الحمار... أنا أغار من تواضعك. و يا ليتني أملك تواضعك عندما تمدحني الناس و عندما تكرّمني أسكر بالعظمة و الغرور والكبرياء و أنسى أن عظمتي ليست مني بل من يسوع الذي يعمل فيّ ومن خلالي. أعتقد أنني أنا القوي والجبّار والمخلّص ويغيب عن ذهني بأنني من دون الله لست سوى "تراباً ورماداً، كلباً ميتاً ونتناً، دودة حقيرة وجثة هامدة قابلة للفساد" (القديس أغسطينوس). آه يا لك من متواضع و يا ليتني حمارٌ.

نعم، أيّها الحمار،كم أتمنّى لو أملك صفاتك في علاقتي مع الرّب، غير ناكر للجميل، وفيَ، مخلص، متواضع، أعمل دون كلل أو تذمّر، أحترم من يطعمني و يسهر عليّ فأسهر أنا أيضًا معه... والصفة الأجمل التي أريد أن أمتلكها هي "حكمتك".

نعم، لماذا أنت متفاجئ؟ 

إنّك تملك حكمة رائعة تجعلك تتجنب الطريق الوعرة التي جرحتك في الماضي، تحيد عن الحفر دون أن تسقط بها، وتعرف دائمًا طريق العودة إلى البيت. هذه الحكمة التي تملكها تنقصنا نحن البشر ذوي "العقول والذكاء و الفهم و الإدراك"، نملك هذه كلها ولا نملك حكمتك: 

فنحن البشر نسقط بالحفرة ذاتها مئات المرّات، ونسلك الطريق الوعرة ذاتها ألوف المرّات منتظرين أن تتغيّر هي بدل أن نحيد نحن، لا نحفظ أبدًا طريق العودة إلى حضن الآب. هذه الطريق التي نسلكها مئات المرّات ومع ذلك صعوبة في حفظها... نحفظ مئات الطرق إلى الخطيئة ولا نحفظ طريق الآب.

يا صديقي الحمار، أنا أغار منك كثيرًا... ليتني أكون مثلك، حمارٌ كبيرٌ...