إنها اللمسة، وإنه الصمت.

إنها اللمسة، وإنه الصمت.

في أحدى الليالي الباردة، كنت في غرفتي أبكي وحيدًا، مكَلَّلًا بأفكاري السّوداء.. وفجأةً، شعرتُ بحضورٍ غريبٍ في الغرفة رغم أن أبوابي كانت موصدة! كان شعورًا غريبًا إلّا أن صمتًا حضنني وهدّأني، ولمسةً أشعرتني بالدّفء... فاستغربت وبدأت أسأل نفسي من عساه أن يكون؟ ولكن سرعان ما عرفته من لمسته وصمته: إنها اللمسة نفسها التي اختبرها آدم عندما جُبِلَ من تراب وإنّه الصّمت الذي زرع في قلبه السّلام قبل أن يتعدّى على مشيئة الله. إنها اللمسة التي باركت نوح وبنيه وأوصتهم أن ينموا ويكثروا ويملأوا الأرض، وإنّه الصّمت الذي أتى بعد هيجان الفيضان. إنها اللمسة التى ردعت أبراهيم من التّضحية بابنه الوحيد، وإنّه الصّمت الذي حلّ مكان دموع النّدم. إنها اللمسة التي قَدَّمَت الى موسى ألواح الشّريعة، وإنّه الصّمت الذي سيطر على أهل إسرائيل عندما عاينوا وجهه المشِعّ عندما نزل من الجبل. إنها اللمسة التي أفاضت المنّ والسّلوى على شعبٍ جائعٍ، وإنّه الصّمت الذي طمأنهم ليلًا لئلا يخافوا سوءًا. إنها اللمسة التى أشعلت قلب مريم حبٌّا كافيًا لتقبّل مشروع الرّبّ، وإنّه الصّمت الذي حضنها لحظة الولادة في المغارة. إنها اللمسة التى شفت الكثيرين ليكونوا علامةً حيّةً لحضور الله، وإنّه الصّمت أمام أحداثٍ تعجز الكلمات عن وصفها. إنها اللمسة التي كسرت الخبز وأعطته للتلاميذ، وإنّه الصّمت الذي عمّ في جبل الزّيتون. إنها اللمسة التي سلّمت الصّليب الى سمعان القيرواني، وإنّه الصّمت أمام مشهد الصلب والموت. إنها اللمسة التي بلسمت شكّ توما وإنّه الصّمت عندما عرفه تلميذا عمّاوس. إنها اللمسة التي لمست قلبي والتي تريد أن تلمس قلبك وتمسح دمعتك وتداوي جراحك، وإنه الصّمت الذي يعطي للكلام معناه وللحضور قيمته وللحياة رونقها...