بين حبّ مترجم بالفعل والحنان، وعدالة زائفة أمام الحقّ الحقيقي: وجه رحمة يتجلّى!

بين حبّ مترجم بالفعل والحنان، وعدالة زائفة أمام الحقّ الحقيقي: وجه رحمة يتجلّى!

امام مشهد حمل الصّليب، استوقفتني دروسٌ أغنتني من فيضها، فعلّمتني اوّلًا كيف أحمل الصّليب وماذا استنظر من الآخر،

في النّص، نتأمّل أولًا بسمعان القيرواني. هذا الغريب الذي قَبِل ان يشارك المسيح صليبه والمضيّ خلفه. أنه رمز كلّ شخص أحبّ وعبّر بالفعل عن حبّه. هذا الانجيل يدعوني أولًا أن أكون هذا الشّخص المتحمّس لمساعدة الآخر على حمل صليبه، ويعلّمني أيضًا كيفيّة تتميم ذلك بحسب قلب الرّب: يجب أن أمشي دائمًا خلف صاحب الصّليب فلستُ أنا قائد هذه المسيرة بل إرادة "المصلوب"، كما ويجب أن أقبل أن دوري، كسمعان، سينتهي عند أقدام الصلب.

أمّا موقف المصلوب أنار قلبي وعقلي لأعرف أولوياتي: هل نظري متجّه نحو القيامة؟ أي نحو تتميم مشيئة أبي؟ أو مازال الصّليب أمامي يعميني وأظنّه الهدف بحدّ ذاته؟ هل أنا جاهز أن اتنازل عن كبريائي فأُشرك الآخر بصليبي.

ثانيًا، لنتأمّل النّسوة. كيف كنّ، من فيض حبّهن، ينُحن عندما تأمّلن المسيح مُتعبًا تحت الصّليب متألّمًا. فشاركهنّ من حبّه، الفيّاض عزاء، فواسى قلوبهنّ، رغم ألمه وتعبه، قائلًا لهنّ "لا تبكين عليّ". هذا المشهد المملوء من الصّدق والحنان، يدعوني لأتأمّل أولًا بقدر محبّة النّاس لي وأشكر الرّبّ عليهم، إنهم من يشاركني بحبّه صليبي. وأنا بدوري مدعوّ، رغم تعبي، أن أثق بالله القادر ان يقوّيني، حتّى خلال مسيرتي وألمي، لأزرع بنفوس من حولي القوّة والعزاء.

ثالثًا، لنتأمّل بموقف الجيش الروماني، الذي ساق المخلّص الى الموت، بين جموعٍ أرادت الخلاص. إنّه موقف تصادم العدالة الزّائفة بالحق الحقيقيّ. يشبه هذا الموقف صراع كلّ إنسان داخلي، بين القيام بعمل الخير وبين تبرير الشرّ من أجل القيام به. فيدعوني الانجيل لعيش فحص ضمير صادق أميّز من خلاله إرادة الله من إرادتي، وأميّز صوت الله من بين أصوات هذا العالم.

مشهدٌ واحدٌ، والوجوه عديدة، والدّعوة الأسمى هي للتأمّل بوجه يسوع المليء رحمة وحنان.

هو الحامل الكون بأسره وخطيئته، تنازل للمرّة المليون وتواضع وسمح للإنسان أن يشاركه بصليبه...

هو الذي بكى أمام خطايا العالم وموته وقساوة قلبه، تألّم عند الشّعور بدموع محبّيه فمسح دموع النسوة المتألّمات أمام ألمه...

هو الذي أتي ليصلب روح الشرّ معطيًا الخلاص للجميع، صلبه الشّرُّ نفسه، فلم يتردّد أن يشركه بمشروع خلاصه ويطلب له غفران الخطايا من أبيه...

صلاتي لكلّ سمعان التقيته بحياتي شاركني صليبي، لكلّ خليل بكى أمام ألمي، ولكلّ جنديّ قتلني دون أن يدري ماذا يفعل. امنحهم ربّي تعزياتك وحكمتك فيكونوا أمناء تجاه مشيئتك. آمين.