أسرارٌ عديدة...خميسٌ واحد!

أسرارٌ عديدة...خميسٌ واحد!

جالس في بستان الزيتون أتأمّل سواد السماء الّليليّ وإذ ألمح ضوءًا بارقًا ينير اللّيل الساكن. رأيته آتٍ من خلف الغيوم يعيدني إلى الماضي. ها هو يسوع في كرم الزيتون يصليّ... ثم رأيته في العليّة وهو يغسل أرجل تلاميذه ويُطعمهم من جسده ودمه. وما لَبِثتُ أن أفهم ما يحدث حتّى رأيته يتعذّب. حينئذٍ شعرت ببرودةٍ في قلبي وفي داخلي أفكارٌ تتنافس على ضميري. فجأة، إستيقظت من الحلم، توجّهت إلى الكنيسة وخاطبت أوّل كاهن رأته عيناي، أخبرته عن حلمي، وبدأت الأسئلة تنهمر على حوارنا كما تنهمر المياه على الأرض اليابسة.

لماذا نزور 7 كنائس؟

هي عادةٌ قديمة، كانت تُقام بالأراضي المقدّسة في ليلة خميس الأسرار حيث يتذكّر الحجّاج المراحل السبع الّتي مرّ بها يسوع: 

1- من العليّة إلى البستان (متّى 26)

2- من البستان إلى حنّان (يوحنا 18)

3- من حنّان إلى قيافا (يوحنا 18)

4- من قيافا إلى بيلاطس (متّى 27)

5- من بيلاطس إلى هيرودس( لوقا 23)

6- من هيرودس إلى بيلاطس ثانيةً( لوقا 23)

7- من بيلاطس (المحاكمة والجلد) إلى طريق الجلجة والصلب (متّى 27، مرقس 15، لوقا 23، يوحنا 19).

ولا شك أنّ الرقم 7 هو رمزٌ للكمال وكما يقول سفر التكوين :"...بارك الله اليوم السابع وقدّسه..." لكنّ الهدف من كلّ ذلك كان السّهر مع يسوع طوال اللّيل.


أمازال هذا التقليد مُطبّقًا اليوم؟

بعد سيطرة المماليك على المنطقة والأحداث الصعبة الّتي شهدتها، لم يستطع المسيحيّون الغربيّون المشاركة في هذا الحدث بسهولةٍ وكان السَفر إلى القدس صعبًا. لذلك، أنشأت روما 7 محطّات، أعطتهم طابعًا روحيًّا إنطلاقًا من إختبار الأراضي المقدّسة. وكان على كلّ محطّةٍ، كنيسة حيث يتم قراءة الإنجيل، ليكملوا المسيرة من كنيسةٍ إلى أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أنّ التأمّل بأسرار الحزن السبعة أو بكلمات يسوع السبع ليست من جوهر هذه اللّيلة، بل الهدف منها هو السّهر مع يسوع بغضّ النظر عن عدد الكنائس الّتي نزور، أكانت واحدة أم مئة.

ولماذا يُسمّى "خميس الأسرار"؟

هذه اللّيلة هي النبع الّذي يسكُب جميع الأحداث الأخرى في روزنامة السنّة الطقسيّة. يتخلّلها رتبٌ عديدة منها رتبة الغسل، تبريك زيت المسحة وزيت العماد وتقديس زيت الميرون... وهناك ترابطٌ كامل بين الخميس والجمعة. فلو لم يمت يسوع الجمعة وتممّ ما قال :" خذوا كلوا هذا هو جسدي...خذوا اشربوا هذا هو دمي للعهد الجديد الّذي يُسفك من أجل كثيرين" (مر14 :22-24) كان سيبقى هذا الكلام شعرًا غامضًا. ولو مات الجمعة دون أن يسلمنا هذه الوصيّة الخميس، كان أمسى ضحيّةً كجميع الضحايا. إنّ يسوع قَرَنَ القول بالفعل، وهو الّذي سُلِّم الموت إليه وليس هو من إستسلم للموت.

وبعد صمتٍ إيمانيّ جميل، وبعد أن عادت التربة إلى خصوبتها، عدتُ إلى بستان الزيتون في مدينة أحلامي، أهمس للقمر:"هذا الخميس، سأسير مع من جُرِّب في هذا الكرم، مسيرة صلاةٍ على دربه وفي داخلي إيمانٌ أنّني بالصلاة سأتغلّب على التجارب كما تغلّب هو على الموت".

نشكر الخوري خليل الحايك من أجل المعلومات الّتي قدّمها لنا