كَسر الكلمة - العهد القديم -7- أحد النسبة

كَسر الكلمة - العهد القديم -7- أحد النسبة

أحد النّسبة

سِفْرِ أشعيا: 11 / 1 – 4أ؛ 6 - 9
1 ويَخرُجُ غُصنٌ مِن جذعِ يَسَّى وَينْمي فَرعٌ مِن أُصولِه ويَحِلُّ علَيه روحُ الرَّب:
2 روحُ الحِكمَةِ والفَهْم، روحُ المَشورَةِ والقُوَّة، روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ،
3 ويوحي لَه تَقْوى الرَّبّ فلا يَقْضي بِحَسَبِ رُؤيةِ عَينَيه، ولا يَحكُمُ بِحَسَبِ سَماعِ أُذُنَيه،
4أ بل يَقْضي لِلضُّعَفاءِ بِالبِرّ ويَحكُمُ لِبائِسي الأَرض بِالِاستِقامة.
6 فيَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل، وَيربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معًا، وصَبِيٌّ صَغيرٌ يَسوقُهما.
7 تَرْعى البَقرةُ والدُّبُّ مَعًا، ويَربضُ أَولادُهما معًا، والأَسَدُ يَأكُلُ التِّبنَ كالثَّور،
8 ويَلعَبُ الرَّضيعُ على حُجرِ الأَفْعى، ويَضَعُ الفَطيمُ يَدَه في جُحرِ الأَرقَم.
9 لا يُسيئونَ ولا يُفسِدون في كُلِّ جَبَلِ قُدْسي لِأَنَّ الأَرضَ تَمتَلِئُ من مَعرِفَةِ الرَّبّ، كما تَغمُرُ المِياهُ البَحْر.

مقدّمة
مَعَ أَحَدِ النِّسْبَةِ، نَكْتَشِفُ غِنَى عَظَمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ فِي الجَسَدِ، وَابْنِ اللهِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ وَقُوَّةِ القِيَامَةِ (روم 1 / 3 - 4). هَكَذَا تَعْمَلُ لِيتُورْجِيَّتُنَا الـمَارُونِيَّةُ عَلَى نُـمُوِّنَا بِـمَعْرِفَةِ الرَّبِّ، أُسْبُوعًا تِلْوَ أُسْبُوع، طِيلَةَ السَّنَةِ اللِّيتُورْجِيَّة.
وَتَعْرِضَ لَنَا فِي نَصِّ إِنْجِيلِ مَتَّى الرَّسُولِ، شَجَرَةَ عَائِلَةِ يَسُوعَ الَّتي تَحْوِي رِجَالاً وَنِسَاءً أَبْرَارًا وَخَطَأَةً، مُؤْمِنُونَ وَغَيرُ مُؤْمِنونَ، لِتُعَلِّمَنَا كَيْفَ نَنْظُرَ إِلَى تَارِيخِنَا الـمَمْلُوءِ نِعَمًا وَخَطَايَا عَلى حَدٍّ سَوَاء، وَكَيْفَ نَقْرَأُ أَحْدَاثَهُ عَلَى نُورِ تَارِيخِ الخَلاصِ القَدِيمِ وَالجَدِيدِ مَعًا.
أمَّا قِرَاءَةَ العَهْدِ القَدِيمِ لِأَحَدِ النِّسْبَةِ، فَتَخْتَارُهَا مِنْ سِفْرِ أَشَعْيَا وَهِيَ نُبُوءَةٌ تُعْلِنُ بِدَايَةً جَدِيدَةً لِأُورَشَلِيمَ، بَعْدَمَا دَمَّرَهَا تِغْلَتْ فَلَاسَّر مَلِكِ أَشُّور بَينَ (736 – 732 ق. م.) فِي عَهْدِ الـمَلِكِ آحَازَ ابْنِ يُوتَام، الَّذي حَكَمَ مَمْلَكَةَ يَهُوذَا وَهُوَ ابنُ عِشْرينَ سَنَةٍ (رَاجِع أَش 7 / 1- 25). مَعَ هَذِهِ النُّبُوءَةِ سَنَتَعَرَّفُ عَلَى وَجْهِ الـمَسِيحِ الرَّاعِي الـمُنْتَظَرِ الَّذي سَيَأْتِي لِيُخَلِّصَ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُ وَمِنْ أَعْدَاءِهِ.

تفسير الآيات
1 ويَخرُجُ غُصنٌ مِن جذعِ يَسَّى وَينْمي فَرعٌ مِن أُصولِه ويَحِلُّ علَيه روحُ الرَّب:
تَتَضَمَّنُ هَذِهِ الآيَةُ قِسْمَيْنِ: أَلأَوَّلُ يَعْرِضُ صُورَةً نَبَاتِيَّةً رَمْزِيَّةً "أَلغُصْن، أَلجِذع، أَلفَرْع وَالأَصْل" وَالقِسْمُ الثَّانِي يُعْلِنُ تَدَخُّلَ الرَّبِّ بِوَاسِطَةِ رُوحِهِ، لِيَنْقُلَ الرَّمْزَ إِلَى الحَيَاةِ، وَالصُّورَةَ إِلَى الحَقِيقَة.
يَبْدَأُ القِسْمُ الأَوَّلُ بِالفِعْلِ "يَخْرُجُ" وَهُوَ فِعْلٌ دِينَامِيكِيٌّ يَسْتَعْمِلُهُ الكَاتِبُ بِطَرِيقَةٍ مَجَازِيَّةٍ لِيَصِفَ ظُهُورَ الغُصْنِ مِن جِذْعِ الشَّجَرَة. بِفِعْلِ ظُهُورِ غُصْنٍ جَدِيدٍ فِي الجِذْعِ، تُعْلَنُ بِدَايَةُ حَيَاةٍ مَعَ شَيءٍ جَدِيدٍ. وَلَنَا مَثَلُ أَغْصَانِ الأَشْجَارِ الـمُتَفَرِّعَةِ مِنْ أَصْلٍ أَو جِذْعٍ وَاحِدٍ، كَيْفَ تَأْخُذُ مَسَارَاتٍ وَاتِّجَاهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِتُصْبِحَ الشَّجَرَةُ كَبِيرَةً بِوِسْعِ امْتِدَادِ أَغْصَانِهَا. إِلاَّ أَنَّ التَّعْبِيرَ العِبْرِيَّ لِكَلِمَة "غُصن" فِي هذا النَّصّ חֹטֶר "خُطِرْ" يَعْنِي "عَصَا" لِلدَّلالَةِ عَلَى عَصا الرِّعَايَةِ وَالقِيادَةِ. لِذَا، فَالنُّبُوءَةُ تُعْلِنُ خُرُوجَ رَاعٍ أَو قَائِدٍ جَدِيدٍ مِنْ بَيْتِ يَسَّى، أَبِي دَاوُدَ الـمَلِكِ.
يَتَعَجَّبُ القَارِئُ أَمَامَ اسْتِعْمَالِ إِسْمِ يَسَّى، فِي حِينِ يَنْتَظِرُ سَمَاعَ إِسْمِ دَاوُدَ الـمَلِكِ. وَلَكِن، سَبَبُ إِبْعَادِ دَاوُدَ يَعُودُ إِلى نَصٍّ سَابِقٍ، فِيهِ تَنَبَّأَ أَشَعْيَا بِقَسَاوَةٍ عَلَى سُلالَةِ الحُكْمِ الدَّاوُدِيَّةِ الـمَلَكِيَّةِ، الَّتي منها خَرَجَ الـمَلِكُ آحَازَ وَاتَّبَعَ مَلِكَ أَشُورَ الوَثَنِيِّ، رَافِضًا الرَّبَّ (رَاجِع أش 7 / 17 - 25). لِهَذَا، فَالرَّاعِي الجَدِيدُ الَّذِي سَيَقُودُ الشَّعْبَ سَيَخْرُجُ مِنْ الأَصْلِ الجَيِّدِ أَي مِنْ أَبِ دَاوُدَ، يَسَّى، وَهُوَ رَجُلٌ مُتَوَاضِعٌ مِن بَيْتَ لَحْمَ، لَمْ يَتَسَلَّمِ الحُكْمَ أَبَدًا، وَلَمْ يَرْتَكِبَ نَجَاسَاتِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا.
رُمُوزُ هَذِهِ الآيَةُ تَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي الطِّفْلِ يَسُوعَ ابْنِ اللهِ الَّذي وُلِدَ فِي بَيْتَ لَحْمَ اليَهُودِيَّةِ، مِنْ جِذعِ يَسَّى أَبِي دَاوُدَ الـمَلِكِ، بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ مِنْ مَرْيَمَ العَذْرَاءِ ابْنَةِ دَاوُدَ، وَهُوَ الرَّاعِي الحَقُّ وَالسَّيدُ الـمُتَوَاضِعُ.

2 روحُ الحِكمَةِ والفَهْم، روحُ المَشورَةِ والقُوَّة، روحُ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ،
يَحِلُّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى القَائِدِ الجَدِيدِ بِمَوَاهِبِهِ الـمُخْتَلِفَةِ: فَالحِكْمَةُ وَالفَهْمُ هِي مَوَاهِبُ عَقْلِيَّةٌ. أَلـمَشُورَةُ وَالقُوَّةُ هُمَا مَواهِبُ عَمَلِيَّةٌ. وَالمعْرِفَةُ وَتَقْوَى الرَّبِّ هُمَا مَواهِبُ رُوحِيَّةٌ.
فَيَتَمَتَّعُ القَائِدُ الجَدِيدُ بِصِفَاتِ الرُّوحِ، لِيُتَمِّمَ إِرَادَةَ الرَّبِّ في كُلِّ عَمَلٍ وَفِكْرٍ وَكَلِمَةٍ.

3 ويوحي لَه تَقْوى الرَّبّ فلا يَقْضي بِحَسَبِ رُؤيةِ عَينَيه، ولا يَحكُمُ بِحَسَبِ سَماعِ أُذُنَيه،
4أ بل يَقْضي لِلضُّعَفاءِ بِالبِرّ ويَحكُمُ لِبائِسي الأَرض بِالِاستِقامة.

وَبِفَضْلِ مَوَاهِبِ الرُّوحِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا رَاعِي الشَّعْبِ الجَدِيدِ، سَيَكُونُ شَخْصًا رُوحَانِيًّا يَلْتَذُّ (רוח رُوخ) بِتَقْوَى الرَّبِّ. أَلعِبَارَةُ "تَقْوَى الرَّبِّ" تَعْنِي مَعْرِفَةُ الرَّبِّ وَمَحَبَّتُهُ، وَهِيَ رَأسُ الحِكْمَةِ كَما يُعَلِّمُنَا سِفْرُ يَشُوعَ ابنِ سِيرَاخ (سي 1/ 11 – 20). وَفِي أَوْقَاتِ التَّجَارِبِ وَالـمِحَنِ، وَحْدَهَا تَقْوَى الرَّبِّ تَحْفَظُ إِيمَانَ الإِنْسَانِ مِنَ عَوَاصِفِ الشَّكِّ وَالاِضْطِّرَابِ، لِأَنَّهُ مَعَهَا، يَنَالُ الإِنْسَانُ مَعْرِفَةَ الرَّبِّ الحَقَّةِ، أَيْ أَنَّهُ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، وَفِيٌّ لِوُعُودِهِ وَمَحَبَّتُهُ أَزَلِيَّةٌ لا تَتَبَدَّلُ وَلا تَتَغَيَّرُ. مَعَ التَّقْوَى، يَكُونُ الإِنْسَانُ صَبُورًا فِي وَسَطِ التَّجَارِبِ، مُؤمِنًا حِينَ تَشْتَدُّ الصِّعَابُ وَالـمَشَاكِلُ، وَمَعَهَا لا يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ إِلاَّ أَنْ يَشْكُرَ الرَّبَّ عَلى كُلِّ شَيءٍ. وأَمَّا مِنْ دُونِ مَوهِبَةِ التَّقْوَى، يَتَعَرَّضُ الإِنْسَانُ إِلَى نُكْرَانِ الرّبِّ وَإِلَى اتِّهَامِهِ بِأَنَّهُ سَبَبُ كُلِّ الـمَشاكِلِ وَالصِّعَابِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ إِلَيْهَا.
إِذًا، يَتَمَتَّعُ الرَّاعِي الجَدِيدُ بِالتَّقْوَى فَيَحْكُمُ إِنْطِلاقًا مِنْهَا، لا بِحَسَبِ تَقَلُّبَاتِ مَشَاعِرِهِ أَو بِحَسَبِ أَهْوَائِهِ الصَّادِرَةِ عَن حَوَاسِّهِ (النَّظَر وَالسَّمَع). وَحُكْمُهُ بِرٌّ وَعَدْلٌ لا غِشَّ فِيهِ وَلا سُوءَ، فَالضُّعَفَاءُ وَالبَائِسُونَ الـمُهَمَّشُونَ مِنَ الـمُجْتَمَعَاتِ يَنَالُونَ بِحُكْمِهِ حُقُوقَهُمْ.

6 فيَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل، وَيربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معًا، وصَبِيٌّ صَغيرٌ يَسوقُهما.
7 تَرْعى البَقرةُ والدُّبُّ مَعًا، ويَربضُ أَولادُهما معًا، والأَسَدُ يَأكُلُ التِّبنَ كالثَّور،
8 ويَلعَبُ الرَّضيعُ على حُجرِ الأَفْعى، ويَضَعُ الفَطيمُ يَدَه في جُحرِ الأَرقَم.

يَسْتَعْمِلُ الكَاتِبُ الفِعْلَ العِبْرِيَّ גור "غُورْ" لِيَصِفَ حَالَةَ السُّكْنَى بَيْنَ الخَلَائِقِ. وَلَكِن، هَذَا الفِعْلُ يَعْنِي النَّزِيلُ وَالغَرِيب (رَاجِع خر 22 / 20؛ 23 / 9؛ مز 94 / 6؛ إر 22 / 3)، فَمَا الـمَقْصُودُ هُنَا مِن اسْتِعْمَالِهِ؟ إِنَّ الكَاتِبَ الـمُلْهَمَ يَضَعُ هَذِهِ الآيَات الثَّلاث فِي إِطَارِ الغُرْبَةِ عَن العَالَم، الَّذِي، فِي الحَقِيقَةِ، يَضْطَّهِدُ الخَلِيقَةَ بِأَعْمَالِهِ السَّيِّئَةِ. أَمَّا الحَيَوانَاتُ الضَّارِيَةُ وَالأُخْرَى الأَلِيفَةُ فَهِيَ رُمُوزٌ لِلنَّاسِ الغُرَبَاءِ عَنِ الشَّرِيعَةِ وَالآخَرِينَ أَبْنَاءَ العَهْدِ وَشَعْبَ اللهِ. وَكَمَا ذَكَرْنَا فِي الـمُقَدِّمَة، أَنَّ كَلِمَاتَ هَذِهِ النُّبُوءَةَ تَصْبُو إِلى مَا بَعْدَ الحَرْبِ الأَشُورِيَّة، الَّتِي خِلاَلَهَا اضَّطَهَدَ سُكَّانُ يَهُوذَا إِخْوَتَهُم فِي إِسْرَائِيلَ (رَاجِع أش 7 / 1)، تَأْتِي هَذِهِ الصُّورَةُ لِتُبَشِّرَ بِرَجَاءِ الْتِئَامِ الإِخْوَةِ مِنْ جَدِيدِ، وَبِحَقِيقَةِ التَّعَايُشِ بَيْنَ كَافَّةِ الشُّعُوبِ بِسَلامٍ وَحُسْنِ العِنَايَةِ وَالاهْتِمَام، كَمَا تُوصِي الشَّريعَةُ بِـمُعَامَلَةِ الغُرَباءِ وَالأَبْنَاء: "تَكُونُ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِـمَولُودِ الأَرْضِ وَلِلنَّزِيلِ النَّازِلِ بَيْنَكُم" (خر 12 / 49).
وَهَذِهِ الآيَاتُ تُظْهِرُ نَتِيجَةَ اسْتِلامِ الرَّاعِي الجَدِيدِ، الحُكْمَ. سَوَاءَ كَانَ اسْتِعْمَالُ أَنْوَاعِ الحَيَوَانَاتِ رَمْزِيًّا أَمْ لا، فَرِسَالَةُ النُّبُوءَةِ تَبْقَى وَاحِدَةً. فَسُكْنَى الحيَوانَاتِ الضَّارِيَةِ مَعَ الأَلِيفَةِ عَلامَةٌ لِزَوَالِ الخِصَامِ وَحُلُولِ السَّلامِ في الخَلِيقَةِ جَمْعَاء، وَهَذِهِ أَيْ الحَيَوَانَاتِ سَيَكُونُ مَصِيرُهَا كَـمَصِيرِ النَّاسِ، أَيْ سَتَنتَقِلُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الفَسَادِ إِلَى الحُرِّيَّةِ (رَاجِع روم 8 / 19 - 23). أَمَّا الصَّبِيُّ وَالرَّضِيعُ وَالفَطِيمُ فَهُم رَمْزٌ لِلإِنْسَانِ الأَوَّلِ الَّذِي خَلَقَهُ الرَّبُّ عَلَى صُورَتِهِ وَمِثَالِهِ، وَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَ (رَاجِع تك 1 / 26- 30). بَيْدَ أَنَّ السُّلْطَةَ الَّتِي تُبَشِّرُ بِهَا النُّبُوءَةُ، هِيَ خِدْمَةٌ وَعِنَايَةٌ وَوِفَاقٌ بَيْنَ الإِنْسَانِ صَاحِبِ السُّلْطَةِ وَالحَيَوَانَاتِ الخَاضِعَةِ لَهُ.
أَلَيْسَتْ هَذِهِ رِسَالَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيحِ؟ أَيْ جَمْعِ شَمْلِ الخَلِيقَةِ، أُمَمًا غُرَبَاءَ وَأَبْنَاءً، لِـمَجْدِ اسْمِهِ؟ (روم 1 / 5). أَلَيْسَ هُوَ رَئِيسُ السَّلامِ؟ (أش 9 / 6) أَلَيسَ هُوَ سَلامُنَا نَحنُ البُعَدَاءَ وَالأَقْرِبَاءَ، كَمَا نَجِدُ فِي نَصِّ إِنْجِيلِ نِسْبَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، أَشْخَاصًا مُؤمِنِينَ وَغَيْرُ مُؤْمِنِينَ، كَرَاعُوتَ الـمُؤَابِيَّةَ مَثَلاً، حَضَّرُوا مَعَ أَبْنَاءِ الشَّعْبِ الـمُخْتَارِ لِـمَجِيئِهِ هُوَ ابْنُ اللهِ وَرَبُّنَا وَمُخَلِّصُنَا؟

9 لا يُسيئونَ ولا يُفسِدون في كُلِّ جَبَلِ قُدْسي لِأَنَّ الأَرضَ تَمتَلِئُ من مَعرِفَةِ الرَّبّ، كما تَغمُرُ المِياهُ البَحْر.
فِي هَذِهِ الآيَةِ الأَخِيرَةِ، يَخْتَصِرُ الكَاتِبُ نُبُوءَتَهُ، مُعْلِنًا الحَالَةَ العَامَّةَ الَّتِي سَتَسُودُ مَعَ وِلادَةِ الرَّاعِي الجَدِيدِ ابْنِ يَسَّى، وَالسَّبَبُ.
ألحَالَةُ العَامَّةُ: يَسْتَعْمِلُ الكَاتِبُ أَفْعَالاً عَامَّةً بِصِيغَةِ الجَمْعِ (هُمْ) لِيَدُلَّ عَلَى الجَمِيع (غُرَبَاءَ/غَيرَ يَهُود وَنُزَلاءَ/يَهُود). فَمَا مِنْ أَحَدٍ عَلَى الإِطْلاقِ يُمَارِسُ السُّوءَ أَوِ الفَسَادَ، فِي جَبَلِ قُدْسِ اللهِ أَيْ فِي جَبَلِ صِهْيُونَ.
وَالسَّبَبُ هُوَ: مَعْرِفَةُ الرَّبِّ الَّتي سَتَمْلأُ الأَرْضَ وَتَعُمُّهَا قَاطِبَةً، كَمَا تَمْلَأُ الـمِيَاهُ البَحْرَ. وَمَا هِيَ مَعْرِفَةُ الرَّبِّ؟ هِيَ الاِعْتِرَافُ وَالإِيـمَانُ بِأَنَّ "الرَّبَّ رَحِيمٌ رَؤُوفٌ، طَوِيلُ الأَنَاةِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالوَفَاءَ" (خر 34 / 6)، كَمَا عَرَّفَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ لِـمُوسَى النَّبِيِّ حِينَ سَأَلَهُ: "مَنْ أَنْتَ"؟ بِالاعْتِرَافِ بِحَقِيقَةِ الرَّبِّ، يَعْرِفُ الإِنْسَانُ أَنَّ الرَّبَّ مَحَبَّةٌ وَرَحْمَةٌ لِلْجَمِيعِ، فَمَا مِنْ حَاجَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِـمُمَارَسَةِ السَّيِّئَاتِ وَالأَعْمَالِ الفَاسِدَةِ، لِأَنَّ الـمَحَبَّةَ أَقْوَى مِنَ كَافَّةِ أَنْوَاعِ الشُّرورِ. كَـمَا يُعَلِّمُنَا الرَّسُولُ بُولُسُ: "الجَمِيعُ مَدْعُوُّونَ لِيَكُونُوا قِدِّيسينَ" (روم 1 / 7).

خُلاصةٌ روحيّة
"أَلقَائِدْ أَو الرَّاعِي" الحَقّ، شَخْصٌ يَبْحَثُ عَنْهُ الجَمِيع. تُخْبِرُنَا نُبُوءَةُ أَشَعْيَا عَنْهُ، تَصِفُهُ، تَعْرِضُ مِيزَاتُهُ، هُوَ بِاخْتِصَارٍ "رَئِيسَ السَّلامِ". سِيَادَتُهُ هِيَ انْتِشَارُ مَعْرِفَتِهِ فِي الأَرضِ كُلِّهَا، سِيَاسَتُهُ هِيَ سَلامٌ وَوِفَاقٌ بَيْنَ الجَمِيعِ مِنْ دُونِ تَميِيزٍ بَيْنَ بَارِّ أَو خَاطِئٍ، قُوَّتُهُ هِيَ مَوَاهِبُ الرُّوحِ الَّتي تُسَاعِدُهُ عَلى التَّميِيزِ الصَّحِيحِ لِلأُمُور، هُوِيَّتُهُ إِنْسَانٌ فِي خِدْمَةِ الرَّبِّ لِأَجْلِ خَلاصِ كُلِّ الخَلِيقَةِ.
تَتَتَالَى الأَجْيَالُ وَالأَشْخَاصُ يَـمُرُّونَ فِي التَّارِيخِ رِبْوَاتٍ رِبْوَاتٍ، هَلاَّ تَسَاءَلْنَا عَنْ دَوْرِنَا فِي هَذَا التَّارِيخ؟ ألأَشْخَاصُ الَّذِينَ حَضَّرُوا لِـمَجِيءِ الرَّبِّ يَسُوعَ، هُمْ مِثْلُنَا خَطَأةً وَأَبْرَارًا، وَلَكِنْ بِـمَجِيئِهِ هُوَ، بَدَّلَ مَسَارَ التَّارِيخِ وَفَتَحَهُ عَلى الأَبَدِيَّةِ لِيَكُونَ الخَلاصُ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنْ بِهِ. وَنَحْنُ اليَومَ، مَا الجَدِيدُ الَّذي نُدْخِلُهُ عَلى التَّارِيخ؟ تَضَعُ نُبُوءَةُ أَشَعْيَا أَمَامَنَا طَرِيقَةً لِلصَّلاةِ وَالتَّمْيِيزِ: طَلَبُ مَواهِبِ الرُّوح القُدُسِ (آ 2)، وَمُمَارَسَةُ القَضَاء بِاسْتِقَامَةٍ وَبِرٍّ (آ 3 – 4أ)، وَنَشْرُ السَّلامِ في الخَلِيقَة (آ 6 - 8) وَنَشْرُ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ في الأَرْضِ (آ 9). فَإِلَى أَيِّ اتِّجَاهٍ يَدُلُّنَا الرُّوحُ القُدُسُ؟


تحميل المنشور