كَسر الكلمة - الرسائل -47- عيد تجلّي الربّ

كَسر الكلمة - الرسائل -47- عيد تجلّي الربّ

عيد تجلّي الربّ
الآيات (2 قور 3: 7-17)
7     فإِذَا كَانَتْ خِدْمَةُ الـمَوْت، الَّتي نُقِشَتْ حُرُوفُهَا في أَلْوَاحٍ مِنْ حَجَر، قَدْ ظَهَرَتْ في الـمَجْد، حَتَّى إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَنْظُرُوا إِلى وَجْهِ مُوسَى، بِسَبَبِ مَجْدِ وَجْهِهِ، معَ أَنَّهُ مَجْدٌ زَائِل،
8 فَكَيْفَ لا تَكُونُ خِدْمَةُ الرُّوحِ أَكْثَرَ مَجْدًا؟
9 فإِذَا كَانَ لِخِدْمَةِ الدَّيْنُونَةِ مَجْدٌ، فَكَمْ بِالأَحْرَى تَفُوقُهَا خِدْمَةُ البِرِّ مَجْدًا؟
10 لأَنَّ مَا كَانَ ذَا مَجْدٍ في الـمَاضِي، زَالَ مَجْدُهُ، بِالقِيَاسِ إِلى هـذَا الـمَجْدِ الفَائِق!
11 فإِذَا كَانَ مِنْ مَجْدٍ لِمَا يَزُول، فأَيُّ مَجْدٍ يَكُونُ بِالأَحْرَى لِمَا يَدُوم؟
12 إِذًا، بِمَا أَنَّ لَنَا مِثْلَ هـذَا الرَّجَاء، فَنَحْنُ نَتَصَرَّفُ بِكَثِيرٍ مِنَ الـجُرْأَة،
13 ولَسْنَا كَمُوسَى الَّذي كَانَ يَضَعُ بُرْقُعًا عَلى وَجْهِهِ، لِئَلاَّ يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلى نِهَايَةِ مَجْدٍ يَزُول.
14 ولـكِنْ أُعْمِيَتْ بَصَائِرُهُم؛ فإِنَّ ذلِكَ البُرْقُعَ نَفْسَهُ بَاقٍ إِلى هـذَا اليَوْم، عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ العَهْدَ القَدِيم؛ ولا يُكْشَفُ عَنْ بَصَائِرِهِم، لأَنَّهُ لا يَزُولُ إِلاَّ بِالـمَسِيح!
15 أَجَلْ، إِنَّ ذلِكَ البُرْقُعَ لا يَزَالُ حَتَّى اليَوْمِ مَوْضُوعًا عَلى قُلُوبِهِم، عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ كِتَابَ مُوسَى.
16 وَلـكِنْ عِنْدَمَا يَرْجِعُونَ إِلى الرَّبّ، يُنْزَعُ البُرْقُعُ عَنْ قُلُوبِهِم.
17 فإِنَّ الرَّبَّ هُوَ الرُّوح، وحَيْثُ يَكُونُ رُوحُ الرَّبِّ تَكُونُ الـحُرِّيَّة.

مقدّمة
عيدُ التجلّي مفصلٌ مهمٌّ في حياة يسوع. في العماد على يد يوحنَّا -وقبل أن يدخل يسوع في تجربة البريَّة- دوَّى صوت الآب: "أنتَ هو ابني الحبيب بكَ رضيت" (مر 1: 11)؛ وقبل أن يدخل يسوع في آلامه، تجلَّى، فدوَّى صوت الآب: "هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا" (مر 9: 7)؛ وبعد أن دخل يسوع في آلامه ورُفعَ على الصَّليب، صَمَتَ الآب، وتكلَّم البشر: "حقًّا كان هذا الرَّجل ابن الله" (مر 15: 39).
يأتي التجلّي وسط العماد والآلام، فيُعلن لنا الله من خلاله أنَّه يعلو الألم والموت، وأنَّه ينتصر عليهما حتَّى ولو عاشهما مثلنا. في عيد التجلّي يدور حوارٌ بين يسوع وموسى وإيليَّا على الجبل، ويشهد بطرس، ويعقوب، ويوحنَّا، لحدثٍ يتخطَّى تفكيرهم البشريّ. فقد أظهر الآب صورته الحقيقيَّة في وجه يسوع "ابنه الحبيب الوهَّاب"، الَّذي "جاء يفدي الخَلقَا" (نشيد الدخول في خدمة قدَّاس عيد التجلّي)، من خلال اللقاء بين الماضي والحاضر، بين العهد القديم والعهد الجديد.
يحدّثنا القدّيس بولس في رسالة هذا العيد (2 قور 3: 7-17)، عن هذا اللقاء بين العهدَين من خلال صورة "البرقع"(2 قور 3: 14، 15، 16)، والقدّيس مرقس في الإنجيل (مر 9: 1-7) عن بهاء مجد الرَّبّ في تجلّيه. فهناك رابطٌ قويٌّ بين "البرقع" والتجلّي؛ إذ يمكن أن يكون البرقع على عينيّ الانسان ويرى مجد الله على حقيقته.

شرح الآيات
7 فإِذَا كَانَتْ خِدْمَةُ الـمَوْت، الَّتي نُقِشَتْ حُرُوفُهَا في أَلْوَاحٍ مِنْ حَجَر، قَدْ ظَهَرَتْ في الـمَجْد، حَتَّى إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَنْظُرُوا إِلى وَجْهِ مُوسَى، بِسَبَبِ مَجْدِ وَجْهِهِ، معَ أَنَّهُ مَجْدٌ زَائِل،
8 فَكَيْفَ لا تَكُونُ خِدْمَةُ الرُّوحِ أَكْثَرَ مَجْدًا؟

اختيار بولس لمثل موسى، ضمن دفاعه عن أصالة رسالته، ورسم معايير الرسول الحقيقيّ، يبدو غريبًا للوهلة الأولى؛ فهو لا يُشير إليه في أيّ مكانٍ آخر من رسائله. من المحتمَل أنَّ يكون خصوم بولس يزعمون أنَّهم ذوو مجدٍ ووقار مثل موسى. لذلك، وفقًا لمعايير أعمال موسى الجبَّارة، يبدو بولس هزيلًا، ورسالته – بالمقارنة مع عجائب موسى وأعماله– غير مؤثّرة. فالمقارنة بموسى، يجب أن تذلَّ بولس، وتُظهر كم كانت خدمته ضعيفة ومُخزية.
لم يُنكر بولس مجد خدمة موسى، وهذا واضحٌ من استخدامه لكلمة "مجد" (dóxa باللغة اليونانيَّة) الواردة بإسهابٍ في النصّ، والَّتي تصف "خدمة" (diakonía) موسى. لكنَّ "الخدمة" ليست بشريَّة، بل إلهيَّة.
وفقًا لما سبق، يكشف الرسول بولس هنا عن خدمة العهد الجديد، "خدمة الروح" (2 قور 3: 8)، الَّتي تهب الحياة، لا خدمة الحرف القاتل، "خدمة الموت" (2 قور 3: 7)، في مقارنةٍ بين إنجيل العهد الجديد وحرفيَّة الشريعة، من دون الإساءة إلى الشريعة في ذاتها. يُظهر أيضًا ما لخدمة العهد الجديد من مجدٍ لا يُقارَن بمجد العهد القديم، ويطلب من أهل قورنتس أن يرفعوا البرقع الَّذي لم يعد له حاجة، حتَّى يدركوا أعماق مجد "خدمة الروح" (2 قور 3: 8).
قدَّم العهد القديم رجاءً للمؤمنين ليتمتَّعوا به، لكنَّهم كلَّما مدُّوا أيديهم ليتنعَّموا به، كانوا يعودون فارغين؛ إذ لا يمكنهم الالتزام بشريعةٍ مكتوبة "نُقشت حروفها في ألواحٍ من حجر" (2 قور 3: 7). وبالتَّالي، سادت "خدمة الموت" (2 قور 3: 7) عوضًا عن الرجاء. لكنَّ العهد الجديد قدَّم "خدمة الرُّوح" (2 قور 3: 8) الَّتي تفوق العهد القديم، ولا ترتبطٌ بأمَّةٍ؛ لأنَّ هدفها ليس انتصارًا وطنيًا، بل خلاصًا شخصيًّا، ليكون الانسان على صورة المسيح.

9 فإِذَا كَانَ لِخِدْمَةِ الدَّيْنُونَةِ مَجْدٌ، فَكَمْ بِالأَحْرَى تَفُوقُهَا خِدْمَةُ البِرِّ مَجْدًا؟
10 لأَنَّ مَا كَانَ ذَا مَجْدٍ في الـمَاضِي، زَالَ مَجْدُهُ، بِالقِيَاسِ إِلى هـذَا الـمَجْدِ الفَائِق!
11 فإِذَا كَانَ مِنْ مَجْدٍ لِمَا يَزُول، فأَيُّ مَجْدٍ يَكُونُ بِالأَحْرَى لِمَا يَدُوم؟

"خدمة الدينونة" هي الشريعة الَّتي تتحقَّق من خطيئة الانسان وتدينها، بينما "خدمة البرّ" هي إنجيل العهد الجديد، الَّذي يبرّر من يؤمن بالرَّب يسوع، فيحمل برّ الله فيه. فإن كانت الشريعة عظيمة وذات مجد، لأنَّها تقاوم أسباب الخطيئة، فكم بالحريّ الإنجيل أن يفوقها مجدًا، لأنَّه لا يهب البرّ وحسب، بل يقيم في الانسان مملكة النور. فما تبغيه الشَّريعة وتعجز عن تحقيقه، يعطيه الإنجيل بفيض، لأنَّه لا يجلب إلَّا الحقّ؛ وبينما كانت الشريعة تلمع بشكلٍ ساطع (راجع 2 قور 3: 9)، فقدَت بريقها مقارنةً بالنُّور الأكبر (راجع 2 قور 3: 9).
لذا، يقارن بولس بين "ما كان ذا مجدٍ في الماضي" (2 قور 3: 10)، أي الشريعة وبين "المجد الَّذي لا يزول" (2 قور 3: 11)، أي الإنجيل؛ فالشريعة موقَّتة وتنتهي بحلول الإنجيل، بينما الإنجيل يتخطَّى الزمن و"يدوم" (2 قور 3: 11)، لأنَّه يُدخل الانسان إلى الأبديَّة. بهاء وجه موسى (راجع خر 34: 2-35) زال بموته، أمَّا بهاء مجد المسيح فدائمٌ إلى الأبد.
يعلم بولس أنَّ رسالته معرَّضة للهجمات، وأنَّه يواجه تحدّيًا كبيرًا لإظهار سبب استمرار رسالته، الَّتي تبدو لخصومه، غير مثمرةٍ مع جماعةٍ صعبة في قورنتس. فإن قارن بولس بين "خدمة موسى" و"خدمة الروح"، فهو يُدرك تمامًا أنَّه قد دُعي ليكون خادمًا لله في مهمَّةٍ أعظم من مهمَّة موسى. يدَّعي الآخرون أنَّ بولس غير مؤهَّلٍ ليكون رسولًا بسبب افتقاره إلى "الموهبة" (chárisma) و"المجد" (dóxa)، لكن لخدمة بولس، "خدمة العهد الجديد بالرُّوح"، مجدٌ من نوعٍ آخر.

12 إِذًا، بِمَا أَنَّ لَنَا مِثْلَ هـذَا الرَّجَاء، فَنَحْنُ نَتَصَرَّفُ بِكَثِيرٍ مِنَ الـجُرْأَة،
يعتبر خصوم بولس أنَّ أعمالهم مرئيَّة، و"ذات مجد"، كوجه موسى المشرق. لكنَّ بولس يُشير هنا إلى معيارٍ آخر لقياس المجد، لأنَّ المجد الحقيقيّ تجلَّى في الصَّليب، الَّذي فتح أمام الجميع باب "الرجاء"، وحقَّق الوعود الإلهيَّة.
لا يخاف بولس من مهمَّته المحفوفة بالصَّليب، ولا يخفي شيئًا عن أهل قورنتس، بل يتكلَّم بالحقّ، في بساطة الروح، وبوضح، و"يتصرَّف بكثيرٍ من الجرأة" (parrêsía باللُّغة اليونانيَّة)، لأنَّ الجرأة سمةٌ رئيسيَّة في خدمته، إضافةً إلى "الثقة" (2 قور 3: 4)، و"الحريَّة" (2 قور 3: 17). فحتَّى عندما يتحدَّى الآخرون رسالته، فهو حرّ، لا يغيّر طريقته لتناسب الأذواق السائدة، ولا يسكت أمام مَن هم غير مقتنعين.
"الجرأة" (parrêsía)، الَّتي يُشير إليها بولس هنا، تعني في العالم القديم "حريَّة الكلام" أو "حريَّة التعبير"، وهي سمةٌ يوصف بها الرجل الحكيم الَّذي يقف بلا خوفٍ أمام الملك أو الطاغية، ويقول الحقيقة، حتَّى ولو كانت هذه الأخيرة غير سارَّة. 

13 ولَسْنَا كَمُوسَى الَّذي كَانَ يَضَعُ بُرْقُعًا عَلى وَجْهِهِ، لِئَلاَّ يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلى نِهَايَةِ مَجْدٍ يَزُول.
لم يستطع "بنو إسرائيل" أن يتطلَّعوا إلى بهاء وجه موسى، وهو مجدٌ موقَّتٌ زائل؛ لكنَّ الله سمح بذلك، في العهد الجديد، عندما أعطانا في يسوع المسيح ما هو أعظم: المجد الأبديّ الَّذي "لا يزول". لذا، لم نعد بحاجةٍ إلى أن "نضع برقعًا على وجوهنا" مثل موسى (راجع خر 34: 33)، إذ نحن قادرون أن نرى المجد، كما رآه بطرس، ويعقوب، ويوحنَّا في التجلَّي، أكثر بهاءً من "وجه موسى".

14 ولـكِنْ أُعْمِيَتْ بَصَائِرُهُم؛ فإِنَّ ذلِكَ البُرْقُعَ نَفْسَهُ بَاقٍ إِلى هـذَا اليَوْم، عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ العَهْدَ القَدِيم؛ ولا يُكْشَفُ عَنْ بَصَائِرِهِم، لأَنَّهُ لا يَزُولُ إِلاَّ بِالـمَسِيح!
"أُعميَت بصائرهم" لأنَّهم تمسَّكوا ب"الحرف" لا بـ"الروح" (2 قور 3: 6)، وأغمضوا أعينهم حتَّى لا يروا نور الله، وكأنَّ البرقع الَّذي يحجب بهاء وجه موسى عنهم لا زال قائمًا "إلى هذا اليوم"؛ و"برقع" الظلمة والجهل هذا باقٍ على قلوبهم، "ولا يكشف عن بصائرهم، لأنَّه لا يزول إلَّا بالمسيح".
ما يقوله بولس ليس امتهانًا للشريعة، ولا انعكاسًا سلبيًّا على موسى الَّذي وضع "البرقع"؛ إنَّما هو موجَّهٌ ضدَّ ضيق أفق الَّذين يهتمَّون "بحرف" الشريعة "عندما يقرأون العهد القديم". للشريعة مجدٌ لائقٌ بها، وإنَّما لم يكونوا قادرين على معاينته.

15 أَجَلْ، إِنَّ ذلِكَ البُرْقُعَ لا يَزَالُ حَتَّى اليَوْمِ مَوْضُوعًا عَلى قُلُوبِهِم، عِنْدَمَا يَقْرَأُونَ كِتَابَ مُوسَى.
كان اليهود يغطُّون رؤوسهم بالكامل بـ"برقع" عندما "يقرأون كتاب موسى"، أي الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم. لكن هذا البرقع يبطل ويزول بالشركة مع المسيح، الَّذي يزيل الظلمة، وفيه يتجلَّى الحقُّ بفكرٍ روحيٍّ صادق. لم تكن استمراريَّة وجود البرقع، بسبب موسى، بل بسبب أذهانهم الـمُغلَقة.
فإن كان، عند صلب يسوع، تمزَّق حجاب الهيكل، وما قد حُجب صار مكشوفًا لكلّ الأمم، فكيف لا يُرفع "البرقع" عن وجوه "بني إسرائيل" عندما يقرأون الكتاب المقدَّس؟ يعطي بولس هنا الجواب: "لا يزال (البرقع) حتَّى اليوم موضوعًا على قلوبهم"، أي إنَّهم يقرأون، لكنَّهم لا يفهمون، لأنَّ قلوبهم تقبع في ظلامها ولا تقدر أن تستنير بالحقّ. 

16 وَلـكِنْ عِنْدَمَا يَرْجِعُونَ إِلى الرَّبّ، يُنْزَعُ البُرْقُعُ عَنْ قُلُوبِهِم.
لا يقطع بولس الأمل في أن "يرجعوا إلى الرب"، لــ"يُنزع البرقع عن قلوبهم"، وعمى ذهنهم، فيُشرق عليهم النور الحقيقيّ، ويروا الحقّ بكلّ وضوح. هذا ما يستلزم قوَّةً إلهيَّة ترفع السحابة الغامضة القاسية، الَّتي تجعل القلب متحجّرًا، كي يستطيع أن يرى مجد الله.

17 فإِنَّ الرَّبَّ هُوَ الرُّوح، وحَيْثُ يَكُونُ رُوحُ الرَّبِّ تَكُونُ الـحُرِّيَّة.
ما تمنَّاه بولس في الآية السابقة، ليس بمستعصٍ، لأنَّ "الرَّبُّ هو الروح" عوض "الحرف"، وروح الرَّبّ يمنح "الحريَّة"، ويجعل مؤمني العهد الجديد سعداء لثلاثة أسباب: (1) التمتُّع بالنُّور عوض الظلمة؛ (2) التمتُّع بالحريَّة الداخليّة عوض الخوف؛ (3) تجديد الطبيعة ليصير الانسان صورة المسيح.

خلاصة روحيَّة
في العهد القديم، تسلم موسى الشريعة، فأشرق وجهه ببهاءٍ سماويٍّ فائق. وضع الشَّعب برقعًا على وجه موسى، إذ لم يستطيعوا معانية إشراق وجهه. أمَّا في العهد الجديد، فتجلَّى مجد الرَّبّ على جبل طابور، لتمتلئ "القلوب اللحميَّة" (2 قور 3: 3) بأنوار الله الفائقة، حيث لا تقدر قوَّةٌ أن تحجب بهاء مجد الله عن بصيرة الانسان، ولا يمكن لأحد أن يخفي الحقَّ الإلهيَّ عن أعماقه، لأنَّ ما "تاق لقياه الأبرار والقدّيسون الأطهار في كلّ دهرٍ ودار" تمَّ في "الابن المحبوب" (نشيد الدخول في خدمة قدَّاس عيد التجلّي).
صحيحٌ أنَّنا نؤمن ونعلن إيماننا بالله، ولكن أكثر من برقعٍ يغطّي قلوبنا في علاقتنا به وبإخوتنا البشر. فالبرقع هو كلُّ ما قد يعيق نموّنا الروحيّ ويؤخّر انطلاقة حياتنا المسيحيَّة، وقد ينتج عن الأحكام المسبقة أو التقاليد البالية، أو حتَّى عن بعض العادات الاجتماعيَّة، الَّتي "إلى هذا اليوم" (2 قور 3: 14)، تسبّب الخلافات بين النَّاس. وقد يكون البرقع ناتجًا عن رذيلةٍ كالحسد أو الحقد، وهنا قد يصعب انتزاعه على من اعتاده وجهًا من وجوهه الكثيرة. لكنَّنا لا نقطع الأمل، لأنَّ جبل التجلّي "شعَّ بالوعد"، والله لم يُخلف بوعده، لأنَّه تمَّم الفداء في "الابن الآتي ملءَ الأزمان" (لحن البخور في خدمة قدَّاس عيد التجلّي).


تحميل المنشور