لا تخف من الموت

لا تخف من الموت

أمورٌ كثيرةٌ في هذه الحياة تُخيفني يا ربّ وتجعلُني أضطرب: الخوفُ من المستقبل، الخوفُ من الآخر ونظرته، الخوفُ على الأمن والاستقرار... ولكن يبقى الخوفُ الأكبرُ في قلبي هو خوفي من الموت.

نعم، أخافُ من الموت يا ربّ لأنّني لا أستطيعُ السيطرة عليه فهو يأتي كالسّارق ليلًا (1 تس 5: 2). كم هو ضيفٌ مزعجٌ! فهو يحطّم أحلامي ومشاريعي ويوقِف مسيرتي. فعلًا، هو وحشُ كاسِرٌ كما يصفه يوحنّا في رؤياه يبتلعني ويبتلع أحبّاء لي. فكيف أواجهه يا ربّ؟

ها هي روحُ العالم بأفخاخِها وأضاليلِها تحاول أن تقنعني بأفكارٍ لكي لا أخاف الموت:

فتارةً تدعوني لأرفض الموت: " أنتَ خالدٌ"، " الكلّ يموت وأنت لن تموت". ما أجمل كلمة البابا فرنسيس الّتي تقيني هذا الفخ: " إنّ فكرة الموت تنقذنا من وهمِ أن نصبح أسيادَ الزمن". وحدك يا ربّ سيّدُ الزمان وأنا عاجلًا أم آجلًا سأموت ولكنّ الموت معكَ حياةٌ أبديّة.

تدعوني روح العالم أحيانًا أخرى لتهميش و"تسخيف" الموت وهذا ما نراه في المآتم أحيانٍ كثيرة الّتي تحوّلت إلى لقاءات اجتماعيّة وسياسيّة. لم يعد للموت "رهبة"، أقف فيها أمام ذاتي لأقيّم على ضوء الربّ مسيرة حياتي.

ولكن، يبقى الفخُّ الأكبر هو محاولة روحِ العالم أن "تنسيَني" الموت، فتغرقني في التفكير "باليوم والآن"، في البحث عن تكديس أمجاد هذا العالم: من شهوةٍ ومالٍ وسلطة. 

 

لا يا ربّ، لن أقع في هذه الأفخاخِ بل سأتسلّح بكَ، سأتسلّح بالأسلحة الثلاثة التي منحَتني إيّاها لمواجهة هذا الخوف:

السّلاحُ الأوّل هو الايمان، فالذي يؤمنُ بالله ويثق بوعوده لا يخاف الموت. كلمة المسيح: "أنا هو القيامة واللحياة، من آمن بي وإن ماتَ فسيحيا" (يو 11: 25) ليست مجرّد فكرةٍ أو نظريّةٍ جميلة بل هي حقيقة: المسيح قام وسنقوم معه إذا آمنَّا به وتبعناه.

السلاحُ الثاني هو أعمال المحبّة والرحمة، فالذي يقوم بأعمال محبّةٍ ورحمةٍ بحسب البابا فرنسيس لا يخاف الموت. لماذا؟ لأنّه من يخدم المتألّم، المريض والمنازع يرى الموت في جراحِ إخوته ولكنّه يتخطّاه بقوّة محبّة المسيح.

السلاح الثالث هو الأمانة، فمن كان أمينًا للربّ لا يخاف الموت. التلميذُ المستعدُّ للامتحانِ لا يخاف من الاممتحان، الجيشُ المستعدُّ للحرب لا يخاف العدّو، والعدّاءُ الذي يقوم بالتمارين اللازمة لا يخاف السّباق. لنضع كلمة يسوع في سفر الرؤيا دائمًا نُصب أعيننا: " كن أمينًا حتّى الموت، وأنا أعطيكَ إكليل الحياة" (رؤ 2: 10) 

 

في الختام، مَن يلبسُ المسيح ويتسلّح بإلايمان والأمانة والخدمة لا يخافُ الموت، لأنّ من له يسوع له كلّ شيء، له الحياة الأبديّة. آمين.