كَسر الكلمة - الرسائل -20- أحد الأبرار والصدّيقين

كَسر الكلمة - الرسائل -20- أحد الأبرار والصدّيقين

أحد الأبرار والصدّيقين
(عب 12: 18-24)
18 فَإِنَّكُم لَمْ تَقْتَرِبُوا إِلى جَبَلٍ مَلْمُوس، ونارٍ مُتَّقِدَة، وضَبَابٍ وظَلامٍ وزَوبَعَة،
19 وهُتَافِ بُوق، وصَوتِ كَلِمَاتٍ طَلَبَ الَّذِينَ سَمِعُوهَا أَلاَّ يُزَادُوا مِنهَا كَلِمَة؛
20 لأَنَّهُم لَمْ يُطِيقُوا تَحَمُّلَ هـذَا الأَمْر: "ولَو أَنَّ بَهِيمَةً مَسَّتِ الـجَبَلَ تُرْجَم!".
21 وكانَ الـمَنْظَرُ رَهِيبًا حَتَّى إِنَّ مُوسَى قال: "إِنِّي خَائِفٌ ومُرْتَعِد!".
22 بَلِ اقْتَرَبْتُم إِلى جَبَلِ صِهْيُون، وإِلى مَدِينَةِ اللهِ الـحَيّ، أُورَشَلِيمَ السَّماوِيَّة، وإِلى عَشَرَاتِ الأُلُوفِ منَ الـمَلائِكَة، وإِلى عِيدٍ حَافِل،
23 وإِلى كَنِيسَةِ الأَبْكَارِ الـمَكْتُوبِينَ في السَّمَاوَات، وإِلى اللهِ ديَّانِ الـجَمِيع، وإِلى أَرْواحِ الأَبْرَارِ الَّذِينَ بَلَغُوا الكَمَال،
24 وإِلى وَسِيطِ العَهْدِ الـجَدِيد، يَسُوع، وإِلى دَمِ رَشٍّ يَنْطِقُ بكَلاَمٍ أَفْضَلَ مِنْ دَمِ هَابِيل!

مقدّمة
هذا المقطعُ من الرِّسالةِ إلى العبرانيّين (عب 12: 18-24) الَّذي يُقرأُ في أحدِ الأبرارِ والصدّيقين، يأتي بعدَ إعلانِ كاتبِ الرسالةِ في فصلٍ سابقٍ، عن وجوبِ اتّباعِ التّعليمِ الصّحيحِ، والابتعادِ عن الخطيئةِ، والتوبةِ، معلنًا في النِّهايةِ معنى ما قد سبَقَ وعبَّرَ عنه قائلًا: "إنَّ اللهَ ليس بظالمٍ حتَّى ينسى عملَكُم، والمحبَّةَ الَّتي أظهرتموها من أجلِ اسمِهِ، حين خدمْتُم القدّيسين وما زِلْتُم تخدمونهم" (عب 6: 10). من هنا تأتي الرِّسالةُ لتُظهِرَ الفَرْقَ بين العهدين، اللَّذين على أساسِهما قامَتْ وتقومُ الخدمةُ الَّتي يتكلَّمُ عليها الكاتبُ. فما هو هذا الفرقُ؟ وكيف يؤثّرُ على تصرُّفِ الانسانِ تجاهَ نفسِه، وتجاهَ اللهِ؟

شرح الآيات
18 فَإِنَّكُم لَمْ تَقْتَرِبُوا إِلى جَبَلٍ مَلْمُوس، ونارٍ مُتَّقِدَة، وضَبَابٍ وظَلامٍ وزَوبَعَة،
19 وهُتَافِ بُوق، وصَوتِ كَلِمَاتٍ طَلَبَ الَّذِينَ سَمِعُوهَا أَلاَّ يُزَادُوا مِنهَا كَلِمَة؛

هذا القسمُ من الرِّسالةِ إلى العبرانيّين هو جزءٌ من عدَّة تحذيراتٍ: الأوَّل، من الإهمال (عب 2: 1-4)؛ الثَّاني، من عدم الإيمان (عب 3: 7–4: 13)؛ الثَّالث، من السقوط (عب 5: 11–6: 20)؛ الرَّابع، من الخطيئة المرتكَبة عمدًا (عب 10: 26-31)؛ الخامس، من عدم الاستعفاء من الكلام (عب 12: 18-29).
امتيازاتنا أعظم بكثيرٍ من الامتيازات الَّتي أُعطيَتْ للَّذين كان لهم اختبارٌ ماديٌّ مع اللهِ في جبلِ سيناء. جاؤوا إلى شيءٍ "ملموسٍ" (عب 12: 18)، حتَّى إلى ما يمكن لمسُه، ولكن كان ذلك محظورًا. "الجبل" الَّذي اقتربوا إليه، كان "يتَّقد بالنَّار" وحوله "ظلامٌ وزوبعة" (عب 12: 18؛ راجع أيضًا خر 19: 16-19). أدَّت الأحداث الَّتي واجهوها إلى الخوفِ الرّهيبِ من اللهِ الحيِّ. "فالنَّارُ، والضَّبابُ، والظَّلامُ، والزَّوبعةُ" (عب 12: 18)، و"هتافُ البوقِ" (عب 12: 19) عناصرُ تؤكّدُ على مدى صعوبةِ الاقترابِ من اللهِ في ذلك الزَّمانِ. بجميعِ بركاتِ العهدِ الجديدِ، يبدو أنَّه أمرٌ لا يُصدَّقُ أنْ يرغَبَ أحدٌ في الرُّجوعِ إلى العهدِ القديمِ، بعد أن وصلَ إلى جبلٍ روحيٍّ لا يُلمَسُ من النَّاحيةِ الماديَّةِ، لأنَّه جبلُ صهيون الرُّوحيّ (عب 12: 22)، الَّذي يأتي بمنافعَ رائعةٍ.
استخدم الكاتب تعبير "تقتربوا إلى" (عب 12: 18)، في كلامه على اقتراب الانسان إلى الله (راجع عب 4: 16؛ 10: 1؛ 11: 6). هذا في تبيانٍ كبير لخوف الانسان في العهد القديم من الاقتراب من الله. في ظلِّ العهد القديمِ، ربَّما كان صوتُ البوقِ نفسِه يؤذي الأذنين؛ فإنَّه أخافَ النَّاسَ بحيثُ ارتعدوا جميعًا. لكنَّ صوتَ بوقِ اللهِ النِّهائيِّ سيَطغى على كلّ الأصواتِ (راجع 1 تس 4: 16). فنحن لا نختبرُ مجرَّدَ مظاهرَ ملموسةً لرهبةِ اللهِ، بل يمكن أن نصلَ فعلًا إلى "الله ديَّانِ الجميعِ" (عب 12: 23).

20 لأَنَّهُم لَمْ يُطِيقُوا تَحَمُّلَ هـذَا الأَمْر: "ولَو أَنَّ بَهِيمَةً مَسَّتِ الـجَبَلَ تُرْجَم!".
21 وكانَ الـمَنْظَرُ رَهِيبًا حَتَّى إِنَّ مُوسَى قال: "إِنِّي خَائِفٌ ومُرْتَعِد!".

كان استعلانُ العهدِ القديمِ أكثرَ اهتمامًا بالأمور الماديَّة (راجع عب 9: 11، 24)؛ ولكنَّ العهدَ الجديدَ أكثر اهتمامًا بالأمور الأسمى والأقدس، مثلَ أورشليم السَّماويَّة، والَّتي يمكنُ لمسُها روحيًّا. إنَّها رمزٌ لحضورِ اللهِ نفسِهِ، الَّذي يمكنُ أن "نتقدَّمَ إليه بثقةٍ" (عب 4: 16؛ 9: 24). تتبعُ الرسالةُ إلى العبرانيّين هنا وفي مكانٍ آخرَ (عب 9: 11، 24 بالمقارنة مع عب 8: 5) التَّقليدَ اليونانيَّ بأنَّ ما هو ماديٌّ يكون أدنى من غيرِ الماديِّ. استمرَّ كاتبُ الرِّسالةِ يحاورُ من الأدنى إلى الأعلى: إذا كان الاحترامُ قد ظهرَ لجبلٍ ماديٍّ وخافَ موسى، فكم بالحَريِّ يكونُ لنا احترامٌ لما هو سماويٌّ.
عبارة "ولو أنَّ بهيمةً مسَّتِ الجبلَ تُرجَمُ" (عب 12: 20)، هي من سفرِ الخروجِ (19: 12، 13). والاقتباسُ الواردُ هنا هو إعادةُ صياغةٍ للجملةِ العبريّةِ. لم يُذكرْ كلام موسى القائل: "إنّي خائفٌ ومُرتعِد" (عب 12: 21) في سفرِ الخروجِ، ولكنَّه جاءَ في سفرِ تثنيةِ الاشتراع ما يلي: "لأنّي خفْتُ من الغضبِ والسُّخطِ الَّذي سَخَطَهُ الرَّبُّ عليكم" (تث 9: 19). وذكَر إسطفانوس أيضًا قائلًا: "فارتعَدَ موسى، وما عادَ يجرؤُ أن ينظُرَ" (أعمال 7: 32؛ راجع خر 3: 6). ورد أيضًا في سفر الخروج (19: 16) أنَّ جميعَ الشَّعبِ ارتعَدَ. كانت هذه الحقيقةُ مقبولةً عمومًا وكثيرًا ما توجدُ في الكتاباتِ اليهوديَّةِ. بدلًا من الاقترابِ إلى الجبلِ، تقَهْقُرُ إسرائيلَ بخوفٍ من مظاهِرِ اقترابِ اللهِ. مثلُ هذا الإعلانِ لحضورِ اللهِ، كانَ ينبغي أن يوضِّحَ لإسرائيلَ بأنَّ الخطيئةَ تُعيقُ الشركةَ مع اللهِ.

22 بَلِ اقْتَرَبْتُم إِلى جَبَلِ صِهْيُون، وإِلى مَدِينَةِ اللهِ الـحَيّ، أُورَشَلِيمَ السَّماوِيَّة، وإِلى عَشَرَاتِ الأُلُوفِ منَ الـمَلائِكَة، وإِلى عِيدٍ حَافِل،
23 وإِلى كَنِيسَةِ الأَبْكَارِ الـمَكْتُوبِينَ في السَّمَاوَات، وإِلى اللهِ ديَّانِ الـجَمِيع، وإِلى أَرْواحِ الأَبْرَارِ الَّذِينَ بَلَغُوا الكَمَال،
24 وإِلى وَسِيطِ العَهْدِ الـجَدِيد، يَسُوع، وإِلى دَمِ رَشٍّ يَنْطِقُ بكَلاَمٍ أَفْضَلَ مِنْ دَمِ هَابِيل!

تعلنُ هذه الآياتُ تفوُّقَ العهدِ الجديدِ على العهدِ القديمِ، وذلك بوصفِ ما قد أتى إليه قدّيسو العهدِ الجديدِ، إذ هم الآن قد "اقتربوا من جبلِ صهيونَ" (عب 12: 22). عبارةُ "اقتربْتُم" باللُّغةِ اليونانيَّةِ (prosérchomai) هي من أصلِ كلمةِ "اهتدى" نفسُه، وقد استُخدمَتْ مرارًا للتكلُّمِ على شخصٍ "اهتدى" أو "تحوَّل". لذلك، من المحتملِ أن يُشيرَ المعنى هنا (عب 12: 22) إلى "لحظةِ الاهتداءِ". الصّيغةُ الفعليَّةُ اليونانيَّةُ prosérchomai هي صيغةُ الجمعِ للفعلِ التامّ، وهذا يعني أنَّ البعضَ قد بدأوا يتحوَّلون وما زالوا يفعلون ذلك. لقد أتى القدّيسون الآن إلى مكانٍ دائمٍ، حيث ينبغي أن يبقوا. لقد انتهتِ الظّروفُ الموقَّتةُ للعهد القديم، وتسودُ الآن الشُّروطُ الأبديَّة للعهدِ الجديدِ. لا تكون هناك أيَّة تغييراتٍ أخرى. والمسيحيّون الَّذين كانوا قد عاشوا في ظلّ الشَّريعة قد تراجعوا عن ذلك النّظام ووصلوا إلى المسيحِ. بمجيئهم إلى المسيحِ، قد تحوَّلوا إلى كلّ ما ينطوي عليه العهدُ الجديدُ:
(1) لقد "اقتربوا من جبل صهيون" (عب 12: 22)، في تباينٍ مع جبل سيناء. كان صهيون هو الجبل الَّذي بُنِيَت عليه أورشليمُ القديمةُ، ولكنَّه أصبحَ يُشير إلى هذه المدينة المقدَّسة بكاملِها. وبصفتِها مقرَّ السُّلطَتَين الحاكمةِ والكهنوتيَّة على حدٍّ سواءَ، كان يُطلق عليها اسم "جبل صهيون المقدَّس" (راجع مز 2: 6)، ولكنَّها كانت موقعًا مقدَّسًا أرضيًّا. أمَّا صهيون في العهدِ الجديدِ فهي رمزٌ "لأورشليم السّماويَّة" (راجع رؤ 3: 12؛ 21: 2)، وتمثّلُ المَسكِنَ نفسَه الَّذي يسكن فيه الله في "أورشليم العليا" (غل 4: 26).
(2) " الكنيسة مدينة الله الحي" لن تكونَ السّماءُ مدينةً على الأرض، ولكن أولئك الإخوة كانوا قد أتوا فعلًا إلى المدينة المقدَّسة بدخولهم إلى الكنيسة، الَّتي هي جسد المسيح. فالشَّخص يُقبل إلى الخلاص من خلال وصوله إلى "صهيون" الحقيقيَّة. سنصل إلى السَّماء في نهاية المطاف، أي إلى كنيسة ربّنا "مدينة الله الحيّ" (عب 12: 22).
(3) بمجيئْنا إلى هذه المدينةِ، قد أتينا أيضًا إلى "عشراتِ الألوفِ من الملائكةِ" (عب 12: 22). كلمةُ "عشراتِ الألوفِ" تعبيرٌ يدلُّ على عددٍ هائل غيرِ محدَّدٍ. يفرحُ الملائكةُ عندما يتوبُ الخاطئُ (راجع لو 15: 7، 10)؛ ويمثّلون باستمرارٍ المسيحيَّ لدى اللهِ الآب ِفي السَّماءِ (راجع متَّى 18: 10)، ويخدمون الَّذين هم ورثةُ الخلاصِ (راجع عب 1: 14). لقد أتينا إليهم في الكنيسةِ لا لنعبدَهم (راجع رؤ 22: 8، 9)، بل ليساعدونا بطرائقَ لا نعرفُها عندما يُرسَلون من عندِ اللهِ ويعودون سريعًا إليه ليسبّحوه (راجع رؤ 5: 11؛ 7: 11؛ 19: 6).
(4) إضافةً إلى ذلك، لقد اقتربنا "إلى عيدٍ حافل" (عب 12: 22). عبارةُ "عيدٌ حافلٌ" تشملُ المخلَّصين في أزمنةِ العهدِ القديمِ. الكلمةُ اليونانيَّةُ panéguris المترجمةُ هنا إلى "عيدٍ حافل"، تدلُّ على احتفالاتٍ وطنيَّة لتكريم إلهٍ ما، وهكذا أصبحَتْ تعني أيَّ تجمُّعٍ احتفاليّ. وهنا في هذا النصّ تتَّصلُ هذه العبارةُ بالكنيسةِ، فيدلُّ هذا التَّجمُّعُ الكبيرُ الحافِلُ على شركةٍ جامعةٍ. وأسماءُ أعضاءِ الكنيسةِ مكتوبةٌ "في السَّماءِ" (راجع لو 10: 20؛ فل 4: 3؛ رؤ 21: 27). كذلك المسيحيُّون هم "أبكارٌ" (protókos) وُلدوا من جديد في المسيح يسوع.
(5) نحن كمسيحيّين قد اقتربنا "إلى الله ديَّان الجميع" (عب 12: 23). لقد أتينا في الكنيسةِ إلى الآبِ، ونقتربُ إليه الآن "بثقةٍ" (عب 4: 16). وبما أنَّنا قد أتينا إلى اللهِ، ينبغي أن نجتهدَ لنعيشَ حياةَ القداسةِ بحيْثُ نبقى قريبين إليه من خلالِ الكنيسةِ.
(6) لقد اقتربنا "إلى أرواح الأبرار الَّذين بلغوا الكمالَ" (عب 12: 23). هؤلاء هم المؤمنون من أيَّامِ ما قبلَ المسيحيَّةِ، والَّذين تمَّ تكميلُهم الآن أيضًا بدمِ المسيحِ (راجع عب 9: 15؛ 10: 14؛ 11: 40)، ويشملُ قدّيسي العهدِ الجديدِ. تكلَّمَ الكُتَّابُ اليهودُ على مكانِ الانتظارِ لأرواحِ الموتى. وبما أنَّ هذا كان المعنى الشَّائعُ، فينبغي أن نفترضَ أنَّه هو المعنى المقصودُ هنا. قد يتحدَّثُ ما وردَ في سفرِ الرُّؤيا (7: 14-17) على المكافأةِ الحاليَّةِ المعطاةِ لهؤلاءِ الأرواحِ.
(7) أخيرًا، اقتربنا "إلى وسيط العهد الجديد، يسوع، وإلى دم رشٍّ ينطق بكلامٍ أفضل من دم هابيل" (عب 12: 24). أتى المسيحُ وسيطُنا بالعهدِ الجديدِ من اللهِ الآبِ (عب 9: 15-17). تمَّ رشُّ الدَّمِ عند تدشينِ العهدِ القديمِ (خر 24: 6-8)، وتمَّ رشُّ دمِ المسيحِ لتطهيرِ ضمائرِنا من الخطيئةِ (عب 10: 22). دمُ المسيحِ "ينطقُ بكلامٍ أفضل من دمِ هابيل" لأنَّ رسالته تُقدّمُ أكثرَ بكثيرٍ. دمُ هابيل يصرُخُ مِنَ أجلِ العدالةِ (تك 4: 10)، بينما دمُ المسيحِ يُطالِبُ بالأفضلِ. هذا العهدُ الجديدُ والأفضلُ، كان قد تمَّ الوعدُ به في نبوءةِ إرميا (31: 31-34)، وهو الفكرةُ الرَّئيسيَّةُ للرِّسالةِ إلى العبرانيّين. لا يمكِنُ أنْ يكونَ هناك عهدٌ جديدٌ ساريَ المفعولِ من دونِ سَفْكِ دمِ يسوعَ على الصَّليبِ لأجلِ فدائِنا.

خلاصة روحيَّة
يُزيل العهدُ الجديدُ الخوفَ ويخلقُ "ترنيمَ التَّمجيدِ في مهرجانِ الأفراحِ" (نشيد الدخول في خدمة قدَّاس أحد الأبرار والصدّيقين). لماذا؟ لأنَّ المسيحيّين قد تحرَّروا من الخوفِ والارتعادِ. لم نأتِ إلى جبلٍ يمثّل عبوديَّةً للخطيئة، بل إلى جبلِ صهيونَ، مدينة ِاللهِ الحيِّ الحرَّةِ، أورشليم السّماويَّةِ. لا بل أتينا إلى يسوع، وفيه نتمتَّعُ بالرَّاحةِ!
لو استطعنا أن نفهمَ كلَّ البركاتِ الَّتي لنا في المسيحِ يسوعَ، من خلالِ الكنيسةِ، لكان َكلُّ يومٍ من أيَّامِ حياتِنا يومَ فرحٍ. يتحدَّث بعضُ المفسّرين عن هذه البركات بأنَّها في المستقبل فقط، كما لو لم نكن قد أتينا إلى "المدينةِ السماويَّةِ". غير أنَّ كاتب الرسالة إلى العبرانيّين يقول: "قد اقتربتم...". ما زلنا نعيشُ على الأرضِ، ولكنَّ موطننا في السَّماءِ (راجع فل 3: 20)، وننتظرُ بلهفةٍ ظهورَ مخلّصِنا.
لنذكُرْ جميعَ الَّذين عاشوا المحبَّةَ بيننا "بعدما اقتاتوا بجسمِ الرَّبّ ونالوا دمَّه وارتاحوا ملءَ الرَّجاء" (نشيد الدخول في خدمة قدَّاس أحد الأبرار والصدّيقين)، وكانوا شهودًا للهِ المحبِّ، وأبطالَ إيمانٍ في وسَطِنا، فنتمثَّلَ بهم، ونطلبَ شفاعتَهم هم الَّذين "لا ينفكُّون يضرعون عنا في الضّيق، يصلُّون يُستجابون" (لحن البخور في خدمة قدَّاس أحد الأبرار والصدّيقين)، لأنَّهم في جوارِ اللهِ. ففي العهدِ القديمِ، كان القُربُ من الرَّبِّ أمرًا مُرعبًا ومخيفًا، وما من إنسانٍ يرى الله ويبقى حيًّا. أمَّا في العهدِ الجديدِ، فمَنْ يبتعدُ عن اللهِ يعيشُ الرُّعبَ والخوفَ من ذاتِهِ ومن بقيَّةِ الخَلْقِ ويخشى الموتَ. لذا، في أحدِ الأبرارِ والصّدّيقين، نحن مدعوُّون لنكونَ "من أهل مدينةِ اللهِ الحيِّ" (عب 12: 22).


تحميل المنشور