المشروع الكهنوتي للخوري شربل الحلو

المشروع الكهنوتي للخوري شربل الحلو

"فُقراء وَنَحنُ نُغني الكثيرين" (2 كور 6: 10)
في السنة الإعداديّة، وعِندَما طَلَبتُ مِنهُ أن يشرَحَ لِي ما هو الكاهن الأبرشيّ بالنسبة له، أجابنـي ذات يوم "مونسنيور نجيب" رَحِمَهُ الله بكلمات الطّوباويّ أنطوان شفرييه: "الكاهنُ خبزٌ يؤكَل". حينها أُعجبتُ بكلماته هذه، إنّما كان وقعها عليّ سطحيّ أكثر ممّا هو عميق ويلمس إختبارٍ حقيقيّ. اليوم، وبعد ما يُقارب السّبع سنوات، وأنا أتقدّم من درجة الكهنوت المقدّس، تعود كلماته هذه لتطنّ في أذنيّ، وترسم لي مسيرةً كهنوتيّة نابعة لا من تعاليم وكلمات سمعتها عن الكهنوت وتعلّمتها في صفوف الإكليريكيّة والجامعة فقط، إنّما من إختبارٍ شخصيّ وحقيقيّ مع الله ومع شعبه، أراني حقيقة الكهنوت وهدفه، وماهيّة الدعوة التي يدعوني إليها الله: أن أضع كلّ ما أعطاني إيّاه، أنا الفقير الذي اغتنى من نعم الله، والضعيف الذي تقوّى بقوّة الله، في خدمة الآخرين لأغنيهم ممّا وُهب لي. فأصيرُ خُبزًا يؤكَلْ، خُبزًا طيّبًا، يُشبع جوع أبناء رعيّتي وأبرشيّتي ويُروي عطشهم إلى الله.
إنطلاقًا من هذا المبدأ، أضع بين أيديكم يا صاحب السيادة هذا المشروع الكهنوتي الذي فيه أرسم خريطة طريق تطبع خدمتي في كنيستنا المقدَّسة، وبموجبها أسير معكم لخدمة النفوس وبنيان الكنيسة. 

أولًا: رَجُلَ صلاةٍ
الرّب هو النبع الذي منه نشرب لنروي عطش الآخرين، والعلاقة معه جوهريّة في حياة الكاهن. فكما أنّ الرّبّ يبقى أمينًا في جميع وعوده، كذلك أسعى في أن أبقى أمينًا على صلاتي وتأمّلي، واضعًا أمامه كلّ ما عندي من ضعف، وآخذًا من لدنه الحكمة والمحبّة. من هنا، رغبتي بأن أكون كاهنًا يُحبّ الصلاة، يُعلّم الصلاة، ويصلّي أمام شعبه ومعه: فَأَنقُلَ لشعبي حُبّي ليسوع، ويحبّونه هم أيضًا، ويدخلون هُم أيضًا في علاقةٍ معه، ويصيرون هم أيضًا رجال ونساء صلاة. 

ثانيًا: أبٌ وراعٍ 
أن أكون كاهنًا، هو أن أكون رسولًا للمسيح، حاملًا بشارة الخلاص إلى أبناء رعيّتي، فيختبرون هم أيضًا المسيح وخلاصه في حياتهم. ورغبتي هي بأن أكون كاهنًا يبذل كلّ ما له في هذا السبيل، همّه الاوّل رعيّته وخلاص النّفوس التي أوكلت إليه. رغبتي هي أن أكون راعيًا صالحًا، يقود خرافه إلى المراعي الخصيبة. وهذا يتطلّب بذلًا كلّي، أي التشبّه بالمسيح المصلوب الذي أراق دمه لأجلنا ولأجل الكثيرين (ܗܳܢܳܐ ܕܶܝܢ ܐܺܝܬܰܘܗ̱ܝ ܕܡܳܐ ܕܺܝܠܝ ܕܰܚܠܶܦܰܝܟܽܘܢ ܘܰܚܠܳܦ ܣܰܓܺܝ̈ܶܐܐ ܡ̇ܬܶܐܫܶܕ ܘܡ̇ܬܺܝܗܶܒ).

ثالثًا: حبّ الجمال 
لقد أنعم عليّ الله بمواهب وَنِعَم، وأعطاني أيضًا النّعمة والوسائل لِأُنَمِّيها، فنمت تلك المواهب مع نموّ دعوتي، وارتبطت خدمتي في الكنيسة ودعوتي ككلّ بتلك المواهب، أكانت على الصعيد الموسيقي، أم على الصعيد التقنيّ والتكنولوجيّ والتصميم... هذه وزنات أعطاني إياها الله ونمت وكبرت بقوّته، وقد كان أيضًا للأبرشيّة دورًا كبيرًا في تطويرها. من هنا رغبتي بأن أسعى دائمًا في أن أنمو وأنمّيها بهدف أوحد ألا وهو إستثمار جميع ما وهب لي في خدمة الكنيسة.

ختامًا، كلّ ما كُتب هُنا هو وصفٌ لصورة الكاهن الذي لطالما رغبت أن أكونه. كَبُرَت وتطوّرت هذه الصورة بفضل نعمة الله ووحيه، وبفضل عائلةٍ احتضنت دعوتي وساعدت في نموِّها، وبفضل كهنة اختبرت معهم الحياة الكهنوتيّة والعمل الرّعويّ، فكانوا كالمسيح جذّابين إلى الرسالة.
كلّ ما كُتب هنا هو وصفٌ لصورة الكاهن الفقير الذي لا يملك شيئًا إلّا ما أُعطي له من الله، ومن ما أُعطي له، يغني الكثيرين.