كَسر الكلمة - الرسائل -5- أحد مولد يوحنّا

كَسر الكلمة - الرسائل -5- أحد مولد يوحنّا

أحد مولد يوحنَّا
(غل 4: 21–5: 1)
21. قولوا لي، أنتُمُ الَّذينَ يُريدُونَ أنْ يكونُوا في حُكمِ الشَّريعَةِ أما تَسمَعونَ الشَّريعَة
22. يقولُ الكِتابُ كانَ لإبراهيمَ إبنانِ، أحَدُهُما مِنَ الجارِيَةِ والآخرُ مِنَ الحُرَّةِ.
23. أمَّا الَّذي مِنَ الجارِيَةِ فوُلِدَ حسَبَ الجسَدِ، وأمَّا الَّذي مِنَ الحُرَّةِ فوُلِدَ بِفَضلِ وَعدِ اللهِ.
24. وفي ذلِكَ رَمزٌ، لأنَّ هاتَينِ الـمَرأتَينِ تُمَثِّلانِ العَهدَينِ. فإحداهُما هاجَرُ مِنْ جبَلِ سيناءَ تلِدُ لِلعُبودِيَّةِ،
25. وجبَلُ سيناءَ في بِلادِ العَرَبِ، وهاجَرُ تَعني أُورُشليمَ الحاضِرةَ الَّتي هِيَ وبَنوها في العُبودِيَّةِ.
26. أمَّا أُورُشليمُ السَّماوِيَّةُ فَحُرَّةٌ وهِـيَ أُمُّنا،
27. فالكِتابُ يَقولُ إفرَحي أيَّتُها العاقِرُ الَّتي لا وَلَدَ لَها. إهتِفي وتَهَلَّلي أيَّتُها التي ما عَرَفَت آلامَ الوِلادَةِ فأبناءُ   الـمَهجُورَةِ أكثرُ عَدَدًا مِنْ أبناءِ الَّتي لها زَوجٌ.
28. فأنتُم، يا إخوَتي، أبناءُ الوَعدِ مِثلُ إسحقَ.
29. وكما كانَ الـمَولودُ بِحُكمِ الجسَدِ يَضطَهِدُ الـمَولودَ بِحُكُمِ الرُّوحِ، فكذلِكَ هيَ الحالُ اليومَ.
30. ولكِنْ ماذا يَقولُ الكِتابُ يَقولُ أ‏طرُدِ الجارِيَةَ وابنَها، لأنَّ إبنَ الجارِيَةِ لنْ يَرِثَ معَ إبنِ الحُرَّةِ.
31. فما نَحنُ إذًا، يا إخوَتي، أبناءَ الجارِيَةِ، بَلْ أبناءُ الحُرَّةِ.
5: 1. فالـمَسيحُ حَرَّرَنا لِنكونَ أحرارًا. فا‏ثبُـتوا، إذًا، ولا تَعودوا إلى نِـيرِ العُبودِيَّةِ.

مقدّمة
أحدُ مولد يوحنَّا المعمدان هو الأحدُ الرَّابع من زمنِ الميلادِ وتدعونا الكنيسةُ فيه، من خلالِ نصَّين من الرِّسالة إلى أهل غلاطية (غل 4: 21–5: 1) ومن إنجيل لوقا (لو 1: 57-66)، إلى تأمُّل وعدِ اللهِ في حياةِ كلِّ من يعملُ بمشيئةِ اللهِ الَّتي تحرّره من أسْر الأعرافِ الباليةِ.
نتأمَّلُ في الرِّسالةِ إلى أهلِ غلاطية في دعوةِ مار بولس لـ "نكونَ أحرارًا" فلا نعود إلى "نير العبوديَّة"، أي أن نتحرَّر من حرفِ الشَّريعةِ لا من روحِها. أمَّا في إنجيل لوقا فنجد أنموذجًا، لدعوة بولس هذه، في شخصَي زكريَّا وإليصابات اللَّذَين تحرَّرا من الأعراف وتقاليد تسميةِ الطّفل "باسمِ أبيه" (لو 1: 59)، في سبيل تحقيق مشيئة الله وكلامه.  

شرح الآيات
21 قولوا لي، أنتُمُ الَّذينَ يُريدُونَ أنْ يكونُوا في حُكمِ الشَّريعَةِ أما تَسمَعونَ الشَّريعَة
بما أنَّ المتمسّكين بالشَّريعة قد ضلَّلوا أهل غلاطية وأسندوا إيمانَهم إلى "حُكم الشَّريعة"، فسيستنجد بولس بإبراهيمَ - الشَّخصيَّةِ الرئيسيَّةِ لديهم – ليبيّن لهم عدمَ صوابِ طرائقِهم. والشَّاهدُ على ذلك هو "الشَّريعةُ" نفسُها الَّتي لا يسمعونها.

22 يقولُ الكِتابُ كانَ لإبراهيمَ إبنانِ، أحَدُهُما مِنَ الجارِيَةِ والآخرُ مِنَ الحُرَّةِ.
يستند كلام بولس هنا إلى سفر التَّكوين (تك 16-21)، الَّذي يسرد قصَّة هاجر "الأمَة" الَّتي ولدت ابنها إسماعيل. ويكشف أيضًا أنَّ سارة "الحرَّة" أنجبت ابنَها إسحق، ابنَ الوعدِ الَّذي طالَ انتظارُه وولدته في شيخوختها.

23 أمَّا الَّذي مِنَ الجارِيَةِ فوُلِدَ حسَبَ الجسَدِ، وأمَّا الَّذي مِنَ الحُرَّةِ فوُلِدَ بِفَضلِ وَعدِ اللهِ.
وُلد إسماعيل بطريقةٍ طبيعيَّة تمامًا بحسب التناسل البشريّ بين إبراهيم وهاجر الَّتي أعطته إيّاها سارة لهذا الغرض. من النَّاحية البيولوجيَّة، ولدت سارة أيضًا إسحق بطريقةٍ طبيعيَّة. غير أنَّ الفرق الحاسم يتمثَّل في أنَّ: إسحق ولد "بفضل وعد الله"، بينما إسماعيل ولد "بحسب الجسد"؛ حيث لم يكنْ رجاءٌ "آمَنَ إبراهيمُ راجيًا على غيرِ رجاءٍ، بأنَّه سيصيرُ أبًا لأممٍ كثيرة" (روم 4: 18)؛ بسبب إيمان إبراهيم بالله وبوعده جُعِل "نسله كنجوم السَّماء كثرةً، وكالرَّمل على شاطئ البحر لا يُحصى" (عب 11: 12).
كلام بولس هذا يذكّرنا بما قاله يسوع لنيقوديموس عندما فرَّق بين الولادةِ الطَّبيعيَّةِ والولادةِ الرُّوحيَّةِ قائلًا: "مولودُ الجسدِ جسدٌ، ومولودُ الرُّوحِ روحٌ" (يو 3: 6). لا شكَّ في أنَّ الروح كان عاملًا في إحداث ولادة إسحق. علاوةً على ذلك، فإنّ كلَّ من يقرأ العهدَ الجديدَ وما يقولُه عن الولادةِ "من الماءِ والرَّوحِ"، سيُدرِكُ أنَّ التَّغييرَ الَّذي يحدث في حياة الانسان يرجع إلى عمل الرُّوح القدس. 

24 وفي ذلِكَ رَمزٌ، لأنَّ هاتَينِ الـمَرأتَينِ تُمَثِّلانِ العَهدَينِ. فإحداهُما هاجَرُ مِنْ جبَلِ سيناءَ تلِدُ لِلعُبودِيَّةِ،
25 وجبَلُ سيناءَ في بِلادِ العَرَبِ، وهاجَرُ تَعني أُورُشليمَ الحاضِرةَ الَّتي هِيَ وبَنوها في العُبودِيَّةِ.
26 أمَّا أُورُشليمُ السَّماوِيَّةُ فَحُرَّةٌ وهِـيَ أُمُّنا،

أعطى بولسُ المفتاحَ لتفسير هذه الآيات الثلاث عندما قال: "في ذلك الرَّمز". بعدما قامَ بولسُ بتحديدِ تاريخ عيلةِ إبراهيم (راجع غل 3: 22-23)، واصلَ في تقديمِ تطبيقٍ استعاريٍّ. للوهلةِ الأولى، يبدو هذا التَّطبيقُ المجازيُّ مفاجئًا. كيف يمكن لبولس أن يقول إنَّ هاجرَ (الخادمةَ المصريَّةَ لسارة) تمثّل "أورشليم الحاضرة" (عاصمة اليهود) الَّتي "هي وبنوها (اليهود) في العبوديَّة"؟ كيف يمكن تمثيلُ اليهود بإسماعيل (سلف العرب)؟ لفهم استعارة بولس، يجب أن نوضح المقارنة الَّتي استخدمها:

ذريَّة إبراهيم

الواقعات
هاجر
إسماعيل
مولود الطبيعة
والدَتان (غل 4: 22)
ابنان (غل 4: 22-23)
ولادتَان
سارة
إسحق
مولود الوعد

الرَّمز
جبل سيناء
الشريعة
العبوديّة
جَبَلان (غل 4: 24)
الحالة
(غل 4: 25-26)
جبل صهيون (الجلجلة)
المسيح المصلوب
الحريّة
المستقبلأورشليم
الحاضرة
أورشليم
(غل 4: 25-26)
أورشليم 
السماويّة

كانت هاجر خادمة سارة، وهي جارية. لذلك، وفقًا للعادات القديمة، كان إسماعيل، الابن المولود طبيعيًّا لهذه الجارية الأمّ، هو أيضًا عبدًا. لكن لماذا تمثّل هاجر وإسماعيل جبل سيناء (العبوديَّة) و"أورشليم الحاضرة" (اليهود)؟ كان جبل سيناء هو المكان الَّذي أُعطيت فيه الشَّريعة لليهود بواسطة موسى. وكانت أورشليم هي المدينة المقدَّسة لليهود، وكثيرون منهم كانوا يدعُون إلى الالتزام بمبادئ الشَّريعة وكأنَّهم مُستعبَدون لها.

أمَّا سارة، زوجة إبراهيم، فأنجبت إسحق – بالرغم من شيخوختها – نتيجة الوعد الَّذي كان الله قد قطعه مع إبراهيم. وإسحق بصفته ابنًا حرًّا، كان هو وريث إبراهيم. لذلك، استخدم بولس سارة وإسحق كرمزَين للعهد الجديد ولأورشليم السماويَّة. وما الغاية من المقارنة الَّتي أقامها بولس بين القديم والجديد سوى تقديم الفرق بين المعنى الدنيويّ والمعنى الروحيّ.

27 فالكِتابُ يَقولُ إفرَحي أيَّتُها العاقِرُ الَّتي لا وَلَدَ لَها. إهتِفي وتَهَلَّلي أيَّتُها التي ما عَرَفَت آلامَ الوِلادَةِ فأبناءُ الـمَهجُورَةِ أكثرُ عَدَدًا مِنْ أبناءِ الَّتي لها زَوجٌ.
بعد الاستعارة والمقارنة، استعان بولس بما ورد في سفر أشعيا النبيّ (أش 54: 1) لمواصلة شرحه. ذُكِر في سفر التَّكوين أنَّ هاجر أنجبت إسماعيل لإبراهيم بسرعة. عندما تمَّ تأسيس العهد في سيناء، أُنتِج على الفور آلاف من أبناء ذلك العهد. وفي تباينٍ مع ذلك، كانت سارة عاقرًا وبقيت هكذا إلى أن بلغت التّسعين من العمر فحملت بإسحق. وبطريقةٍ مماثلة، استغرق عهد الوعد سنواتٍ عديدة لكي يتمّ. كان على الوعد المعطى لإبراهيم، بأنَّ "في نسله تتبارك جميعُ شعوبِ الأرضِ"، أن ينتظر. وفقًا لبولسَ، مرَّت أربعمائة وثلاثون سنة بين الوعد المُعطى لإبراهيم وبين الشَّريعة المُعطاة على جبل سيناء. وستمرُّ ألف وأربعمائة وأربعون سنةً أخرى قبل مجيءِ "النَّسل" الَّذي هو "المسيح" (غل 3: 16). 

28 فأنتُم، يا إخوَتي، أبناءُ الوَعدِ مِثلُ إسحقَ.
يطبِّق بولس هنا "الرَّمز" على أهل غلاطية. جاء مولد إسحق بوعد الله لإبراهيم بأنَّه سيكون له ولسارة ابنٌ. وبالطَّريقة نفسها، اختبر "الإخوة" الغلاطيّون الولادة الجديدة الَّتي جاءت نتيجة "وعد الله"، حيث قال إنَّه من خلال نسله (المسيح) ستتبارك كلُّ الأرض. يُشير الوعد الَّذي تمثّله سارة إلى "أورشليم السماويَّة" (غل 4: 26)، والغلاطيُّون، لا بل المسيحيّون أجمعون، هم مواطنو "أورشليم السماويَّة"، و"جبل صهيون"، و"مدينة الله الحيّ" (عب 12: 22). 

29 وكما كانَ الـمَولودُ بِحُكمِ الجسَدِ يَضطَهِدُ الـمَولودَ بِحُكُمِ الرُّوحِ، فكذلِكَ هيَ الحالُ اليومَ.
يتوسَّع بولس هنا في الدَّورَين المتباينَين للابنَين في تلك الاستعارة. لم تَرِد صياغة "المولود بحكم الجسد يضطهد المولود بحكم الرُّوح" في العهد القديم، ولكن يبدو أنَّها تشير إلى ما يتعلَّق بالأحداث في الاحتفال بفطام إسحق، بينما كان إسماعيل ما بين ستَّ عشرةَ أو سبعَ عشرةَ سنةً (راجع غل 4: 30 الَّذي يقتبس ما ورد في تك 21: 10). كما كان إسماعيل قد "اضطهد" إسحق بمعنى "اغتاظ منه"، "كذلك هي الحال اليوم". وربَّما كانت هذه العبارة تنطبق، بصفةٍ خاصَّة، على وضع بولس عند كتابته هذه الرّسالة إلى أهل غلاطية. فإذا كانت الرّسالة قد كُتبَت في وقتٍ مُبكِر بين سنتَي 48 و49 ب.م.، أي بعد الرحلة التبشيريَّة الأولى مباشرةً، بينما كان بولس وبرنابا يقضيان بعض الوقت مع الكنيسة الَّتي في أنطاكية (راجع أعمال 14: 26-28)، وربَّما كان بولس لا يزال يُشفى من الجروح الَّتي أُصيب بها عند رجمه في لِسْترة (راجع أعمال 14: 19).
كان اضطهاد إسماعيل لإسحق موازيًا لاضطهاد اليهود القاسي لبولس. على الرغم من أنَّ بولس نفسه كان يهوديًّا من الناحية الإثنيَّة، وبغيرَةٍ مُضلَّلَة اضطهد المسيحيّين، إلَّا أنَّه اختبر بعد ذلك الولادةَ الجديدةَ، وأصبحَ يُحصى مع المسيحيّين الَّذين ولدوا "بحسبِ الرُّوحِ" (غل 4: 29). لذا، وجدَ بولسُ نفسَه في دورِ إسحق، الَّذي كان ضحيَّةً لسخريةٍ من أخيه الأكبر "بحسَبِ الجسدِ". 

30 ولكِنْ ماذا يَقولُ الكِتابُ يَقولُ أ‏طرُدِ الجارِيَةَ وابنَها، لأنَّ إبنَ الجارِيَةِ لنْ يَرِثَ معَ إبنِ الحُرَّةِ.
إنَّ ما طالبت به سارة "بطرد الجارية وابنها"، يُعتبر، من الناحية الإنسانيَّة، غيرَ عادلٍ. لكن إن فهمنا استخدام بولس هنا لسفر التكوين (تك 21: 10)، في ظلّ الاستعارة السَّابقة، نُدرك أنَّ الميراث لن يكون إلَّا للنَّسل الروحيّ لإبراهيم. بمعنى آخر، ما مِن مساومةٍ بين "الجسد" و"الرُّوح"، بين "العبوديَّة" و"الحرّيَّة" (مواضيع أساسيَّة في الرسالة إلى أهل غلاطية). 

31 فما نَحنُ إذًا، يا إخوَتي، أبناءَ الجارِيَةِ، بَلْ أبناءُ الحُرَّةِ.
إنَّنا أبناءُ الحرَّة، لأنَّه "لا يهوديٌّ بعدُ ولا يونانيّ، لا عبدٌ ولا حرّ، لا ذَكرٌ ولا أُنثى، فإنّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع" (غل 3: 28). والَّذين في المسيح هم "أحرارٌ من نير العبوديَّة (غل 5: 1).  

5: 1 فالـمَسيحُ حَرَّرَنا لِنكونَ أحرارًا. فا‏ثبُـتوا، إذًا، ولا تَعودوا إلى نِـيرِ العُبودِيَّةِ.
في العالم القديم، كانت الحريَّة هي المفهوم الَّذي أثار اليونانيّين وشجَّعهم. كانوا على استعدادٍ فوريّ للقتال من أجل حرّيَّتهم. كانوا يفضّلون الموت بدلًا من تحمُّل العبوديَّة. كانت مدن جنوب غلاطية قد جُعِلَت هلّينيَّة تمامًا. وكانت معتادةً على اللّغةِ والثّقافةِ اليونانيَّتين المعاصرَتَين. لم يكنْ أهلُ غلاطية قد أصبحوا هلّينيّين فحسبُ، بل بولس نفسُه نشأَ في مدينة طرسوس المجاورة والمعتادة على الأدبِ والفكرِ الهلّينيَّيْن.استخدم بولس هذه الصورةَ الحضاريَّةَ ليشير إلى قوَّة تغييرٍ أعظم بكثير من الهلّينيَّة؛ حرّيَّة العقلِ والقلبِ من عبءِ الخطيئةِ "ونيرِ العبوديَّةِ". لم تحملْ هذه الحرّيَّةُ رؤيةَ السَّيطرةِ على العالم – كما فعلَ الإسكندر الكبير – بل رؤيةً لكيفيَّة السَّيطرة على الذَّات، القائمة على حرّيَّة الولادةِ الجديدةِ إلى حياةِ الإيمانِ، والمحبَّةِ، والرَّجاءِ الَّتي تتجاوزُ هذا العالم. ومن يبلغ هذه الحرّيَّة يدخل إلى "أورشليم السَّماويَّة" غير المرئيَّة. 

خلاصة روحيَّة
"آمن إبراهيم راجيًا على غيرِ رجاء" (روم 4: 18)، ومضمون الرَّجاء هو السَّعيُ إلى التحرُّر، والتحرُّر هو في قلبُ التَّغييرِ. فالانسانُ هو كائنٌ قابلٌ للتَّشكيلِ، ويسعى دائمًا لئلَّا يعودُ إلى "نيرِ العبوديَّةِ". لكن ما علاقةُ الكلامِ على الرَّجاءِ والحرّيَّةِ بمولدِ يوحنَّا المعمدان؟ إنَّ الكتاب المقدَّس هو مسيرة اكتشافٍ طويلة لتلك القدرةِ الَّتي تستطيع، وحدَها، تحريرَ الانسانِ. لكن اعتبار الله قدرةً فقط، يَحُولُ دون عيش التحوُّل الحقيقيّ. من الواضح أنَّ الخلاصة كانت في نَظرَة إليصابات إلى الحدث، أن يُزالَ عارُها من بين النَّاس، لأنَّ العقم في تلك الأيَّام كان يُعتبرُ كعقوبةٍ على خطيئة. لكن ما حدثَ، بمولد يوحنَّا المعمدان، لم يكن تغييرًا بسيطًا في حالة إنسانٍ لم يُنجب ولدًا، بل انطلاقةً جديدةً لحياةٍ جديدة تتناسبُ والمشيئةَ الإلهيَّةَ.
تؤكّد على ذلك، الكلمات الَّتي أعلنها زكريَّا (لو 1: 67-79) مباركًا الله: "أنتَ يا طفلُ تُدعى نبيَّ العالي، قدَّام الرَّبّ تسعى هَدْيَ الأجيالِ، تنشرُ عِلْمَ الخلاص، صِدْقَ البرّ والإخلاص" (لحن البخور في قدَّاس أحد مولد يوحنَّا المعمدان)، إذ تُعلن بشكلٍ كبير أنَّ التَّغيير الَّذي كان يرجوه زكريَّا وامرأتُه، قد تحوَّل إلى حياةٍ إلهيَّة، لأنَّ الحياةَ لا يمكنُها أن تأتيَ إلَّا من لدُنِ اللهِ. 


تحميل المنشور