الشفاعة... ثمارٌ وافرة!

الشفاعة... ثمارٌ وافرة!

"بشفاعتك يا مار افرام اشفيلي ابني"

"يا مار شربل صلّيلي تإنجح بفحصي"

تعابيرٌ عديدة نردّدها في صلواتنا للقدّيسين من دون إدراك معناها الحقيقي والعميق. ويظنّ البعض أن الشفاعة هي في طلب المعجزات من القدّيسين، فتتحوّل أحياناً إلى نوعٍ من عبادةِ القدّيسين لأجل قدراتهم الخاصّة. ويعتقدُ البعض أحيانًا أُخرى أنّ الشفاعة هي نفسُها الوساطة، فيلتبس مفهوم الشفيع ويصبح في نظر البعض هو نفسُهُ الوسيط. علمًا أنّ بيننا وبين الآب وسيطٌ واحد، وهو يسوع المسيح. فما هي حقيقةُ الشفاعة؟ 

 من أجل تقريب مفهوم الشفاعة ننطلق من حدث اهتداء بولس الرسول (أع 9/ 1-19) ومن مثل الكرمة والأغصان (يو 15/ 1-10) . كان شاول/بولس يضطّهد المسيحييّن عندما سمع صوتًا يناديه قائلاً: "شاول شاول لماذا تضطهدني؟" ( أع 9/ 4) لم يكن شاول يضطهد الله مباشرةً بل المسيحيّين الذين كانوا في ظنّه أعداء شريعة الله. فاكتشف الإرتباط الوثيق بين الله وشعبه. يتابع المسيحيّيون رسالة المسيح وينقلون إلى العالم أجمع الحياة التي تأتي بالمسيح ومن المسيح. إنّهم تمامًا كالأغصان الثابتة في الكرمة. فعندما أسّس المسيح الكنيسة قال: " إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (مت 28/ 19)، "من غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم، أُمسكت عليهم" (يو 20/ 23). الكنيسة إذاً، بأبنائها وبناتها، وسيلة الإرتباط التي أقامَها الله بينَهُ وبينَ شعبِهِ. 

 فالله حاضرٌ معنا وبيننا. ولكن ليس حضورُهُ فقط متعاليًا ومُتساميًا، بل في كنيسته وبكنيسته التي هي نوعٌ من امتدادٍ لعمل التجسّد الخلاصي. ألم يقُل بولس: "أُكمل في جسدي ما نقُص من آلام المسيح"؟ ( قول 1/ 24). ومن هنا القول: إنَّ كلّ مسيحيٍّ مؤمنٍ في حالة النعمة هو بمثابة بيت قربان، يحمل الله. فعندما نتناول القربان المقدّس نحمله معنا، وعلينا أن نكون وجه الله، أي حضور الله أمام الآخرين ومع الآخرين.

ويزداد مفهوم الشفاعة اتضّاحاً من خلال مثل الكرمة والأغصان، فالمسيح الكرمة يفيض ثماره في العالم بواسطة الأغصان الحيّة (القديسين)، الذين يقتربون منه أكثر ويثبتون فيه، فيدخلهم في هذا السرّ العظيم، سرّ عمل الله الشفائي والخلاصي المستمرّ بيننا، وفي تاريخ شعب الله. فالله صار إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا. هذا ما نردّده في الليتورجيا المارونيّة: "أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك، أخذت موتنا وأعطيتنا حياتك، لتحيي وتخلّص نفوسنا". 

 

الشفاعة، إذًا، هي الطريقة الّتي من خلالها يمنحنا الربّ الثمار. أوليس هو القائل :" أنا الكرمة وأنتم الأغصان. فمن ثبت فيّ فذاك الّذي يُثمر ثمرًا كثيرًا، وبمعزل عنّي لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا" (يو 15/ 5)؟ "قولوا: ما نحن إلّا عبيدٌ بطّالون" ( لو 17/ 10) . وكما يقول المزمور: "باطلٌ بنو آدم وزورٌ بنو البشر" (مز 62/ 10) . لا يساوي الإنسان شيئًا من دون الحياة الّتي يمنحها إيّاها الله، بثباته في كرمته هو، ويمنحه إيّاها ليس لذاته بل لأجل خلاص جميع البشر.

وهكذا، عندما نطلب شفاعة القديّسين، نطلب منهم كأغصانٍ أثمرت بوفرة، أن يحملونا إلى الحياة بيسوع المسيح، كما حمل الأربعة المخلّع (مر 2/ 3)، فنصبح بدورنا ثابتين بالمسيح، وأغصانًا تحمل ثمارًا وافرة، تنقل بدورها الحياة لآخرين، فنصبح طريقًا يسلكها الآخرون نحو الله.