كَسر الكلمة -43- الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة

كَسر الكلمة -43- الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة

الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة
توبة زكّا العشّار
(لو 19/ 1-10)
1. دَخَلَ يَسُوعُ أَرِيْحا وَبَدأَ يَجْتَازُها،
2. وإِذَا رَجُلٌ ٱسْمُهُ زَكَّا، كانَ رَئِيسًا لِلْعَشَّارِينَ وَغَنِيًّا.
3. وكَانَ يَسْعَى لِيَرَى مَنْ هُوَ يَسُوع، فَلَمْ يَقْدِرْ بِسَبَبِ الجَمْعِ لأَنَّهُ كانَ قَصِيرَ القَامَة.
4. فَتَقَدَّمَ مُسْرِعًا وَتَسَلَّقَ جُمَّيْزَةً لِكَي يَرَاه، لأَنَّ يَسُوعَ كانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ بِهَا.
5. وَلَمَّا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى المَكَان، رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَيْهِ وقَالَ لَهُ: "يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وٱنْزِلْ، فَعَلَيَّ أَنْ أُقِيمَ اليَومَ في بَيْتِكَ".
6. فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وٱسْتَقْبَلَهُ في بَيْتِهِ مَسْرُورًا.
7. وَرَأَى الجَمِيعُ ذلِكَ فَأَخَذُوا يَتَذَمَّرُونَ قَائِلين: "دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئ".
8. أَمَّا زَكَّا فَوَقَفَ وَقَالَ لِلرَّبّ: "يَا رَبّ، هَا أَنَا أُعْطِي نِصْفَ مُقْتَنَياتِي لِلْفُقَرَاء، وَإنْ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ أَحَدًا بِشَيء، فَإِنِّي أَرُدُّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف".
9. فقَالَ لَهُ يَسُوع: "أَليَومَ صَارَ الخَلاصُ لِهذَا البَيْت، لأَنَّ هذَا الرَّجُلَ هُوَ أَيْضًا ٱبْنٌ لإِبْرَاهِيم.
10. فإِنَّ ٱبْنَ الإِنْسَانِ جَاءَ لِيَبْحَثَ عَنِ الضَّائِعِ وَيُخَلِّصَهُ".

مقدّمة
لا زلْنا في زمنِ العنصرةِ نتأمّلُ إبتداءً من هذا الأحدِ الحادي عشرَ بثمارِ الرُّوحِ القُدُسِ الَذي يُغيّرُ النُّفوسَ والقُلوبَ بمجرّدِ ان نستسلِمَ لإلهاماتِه كما حدثَ مع زكّا العشّارِ حيثُ كان التَّحوّلُ الجذريُّ في حياتِه عندما التقى يسوعُ الّذي كشَفَ له عن حبِّه ورغبتِه أن يُقيمَ في حياتِه.

شرح الآيات
1. دَخَلَ يَسُوعُ أَرِيْحا وَبَدأَ يَجْتَازُها،
2. وإِذَا رَجُلٌ ٱسْمُهُ زَكَّا، كانَ رَئِيسًا لِلْعَشَّارِينَ وَغَنِيًّا.
3. وكَانَ يَسْعَى لِيَرَى مَنْ هُوَ يَسُوع، فَلَمْ يَقْدِرْ بِسَبَبِ الجَمْعِ لأَنَّهُ كانَ قَصِيرَ القَامَة.
يحتلُّ زكّا مكانةً مرموقةً في المجتمعِ اليهوديِّ غيرِ أنَّه كانَ مكروهًا مِنْ بني قومِه لأنَه كانَ متعامِلاً مع المحتلِّ الرُّومانيِّ. فهو ليْسَ فقط عشَّارًا بل كان رئيسًا للعشّارين وقد اغتنى بالتّأكّيدِ مِنَ الأموالِ الّتي كان يقتطِعُها ممّا يجنيه من تَعَبِ النَّاسِ وأموالِهم. لكنَّه ومع ذلك يُريدُ فقط أن "يرى" يسوعَ فكانَتْ الجموعُ تمنعُه كما هي الحالُ في عدّة أحداثٍ شبيهةٍ في الإنجيلِ. 

4. فَتَقَدَّمَ مُسْرِعًا وَتَسَلَّقَ جُمَّيْزَةً لِكَي يَرَاه، لأَنَّ يَسُوعَ كانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ بِهَا.
5. وَلَمَّا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى المَكَان، رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَيْهِ وقَالَ لَهُ: "يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وٱنْزِلْ، فَعَلَيَّ أَنْ أُقِيمَ اليَومَ في بَيْتِكَ".
6. فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وٱسْتَقْبَلَهُ في بَيْتِهِ مَسْرُورًا.

بالرُّغمِ من قُصْرِ قامتِه أصرَّ زكّا أن يرى فصعِدَ الى جُمَّيزةٍ. هي مبادرةٌ صغيرةٌ إغتنمَها يسوعُ فرصةً ليؤكّدَ أنّه ما أتى فقط من أجلِ الأصحاءِ بل وبخاصةٍ من أجلِ الخطأةِ. لقد فَعَلَتْ نظرةُ يسوعَ في قلبِ زكّا فِعْلَتَها ومسَّتْ كلمتُه وجدانَه فأَسْرَعَ واستقبلَ الرَّبَّ في بيتِه وتحوّلَتْ حياتَه من قلقِ التّفتيشِ الى سرورِ الأمانِ. لقد اعتادَ أنْ يُنظَرَ إليه بازدراءٍ فاكتَشفَ نِظْرةً أخرى، نِظرةَ يسوعَ الّتي تَرفَعُ الإنسانَ ولا تزدريهِ. 

7. وَرَأَى الجَمِيعُ ذلِكَ فَأَخَذُوا يَتَذَمَّرُونَ قَائِلين: "دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئ".
هي حالُ الّذين يسيرون خَلْفَ يسوعَ دون أنْ يفهموا حقيقةَ تجسُّدِه ولا عمقَ محبتِه للنَّاسِ، كلِّ النَّاسِ. لقد فَرِحَ زكّا أمَّا هم فتذمّروا. يسوعُ لا يتوقّفُ في الأشخاصِ على حالتِهم الحاضرةِ فما يهمّه هو ما يصيرون إليه بعدَ أن تلمُسَهُم الكلمةُ. 

8. أَمَّا زَكَّا فَوَقَفَ وَقَالَ لِلرَّبّ: "يَا رَبّ، هَا أَنَا أُعْطِي نِصْفَ مُقْتَنَياتِي لِلْفُقَرَاء، وَإنْ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ أَحَدًا بِشَيء، فَإِنِّي أَرُدُّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف".
هذه هي نتيجةُ أنْ نسْمَحَ ليسوعَ أن يُقيمَ في حياتِنا وأفكارِنا ومنطِقِنا. إنه التَّحوُّلُ الكبيرُ الَّذي يتأسَّسُ على التَّوبةِ المتجسّدةِ بأعمالِ المحبَّةِ ومشاركةِ النَّاسِ بخيراتِنا الخاصّةِ. إكتشفَ زكّا أنّه خاطئٌ ولكنَّه إكتشفَ أيضًا أنّه محبوبٌ ومغفورٌ له. 

9. فقَالَ لَهُ يَسُوع: "أَليَومَ صَارَ الخَلاصُ لِهذَا البَيْت، لأَنَّ هذَا الرَّجُلَ هُوَ أَيْضًا ٱبْنٌ لإِبْرَاهِيم.
10. فإِنَّ ٱبْنَ الإِنْسَانِ جَاءَ لِيَبْحَثَ عَنِ الضَّائِعِ وَيُخَلِّصَهُ".

أصدرَ يسوعُ حكمَه الخلاصيَّ. "اليوم" هو كلُّ يومٍ ألتزمُ فيه بأنْ أجعلَ حياتي مسْكِنًا للرَّبِّ. هذا هو منطقُ الرَّحمةِ، حيْثُ لا يوجُد شيءٌ إجباريٌّ، ولكنْ كلَّ شيءٍ يتمُّ مجانًا وبدافعٍ من الحُبِّ، جوابًا لرحمةِ يسوعَ.

خلاصة روحيّة
هي رغبةُ يسوعَ، المُسْتَعِدُ أن يُعطيَ حياتَه لكلِّ واحدٍ منَّا. يريدُ أنْ يلمُسَ عمقَ قلوبِنا لأنّه يعرفِنُا بخطايانا، بضعفِنا وبهشاشتِنا وبرُغْمِ كلِّ ذلك هو يَرْغَبُ أنْ يُقيمَ عندَنا. فلنُسْرِعْ ونشرِّعْ له قلوبَنا ونسمحْ له أنْ يغيِّرَ حياتَنا فنجدَ الفرحَ والسَّلامَ ونخرجَ بالتّالي من منْطِقِ الإحباطِ والقلقِ.


تحميل المنشور