المغارة وزمن الميلاد: أسلوب رعويّ تربويّ لإعداد زينة الميلاد

المغارة وزمن الميلاد: أسلوب رعويّ تربويّ لإعداد زينة الميلاد

في أحد تقديس البيعة، تدعونا الكنيسة المارونيّة إلى التأمّل بمقطع من الرسالة إلى العبرانيّين (9: 1-12)، يصف خباء المحضر في صحراء سيناء (1-5)، وقد بُنيَ الهيكل المقدّس في أورشليم بعد ذلك على مثاله. وبعد الكلام على العبادة الكهنوتيّة القديمة غير الفعّالة والمؤقّتة (6-10)، تخلص الرسالة إلى وصف ذبيحة المسيح بأنّها فعّالة ونهائيّة (11-12).

وكما أنّ أحد تقديس البيعة هو بداية السنة الطقسيّة، ومدخل إلى الزمن الأوّل فيها الَّذي يهيّئُنا إلى ميلاد المخلّص المسيح الربّ في مدينة داود، فإنّ مكوّنات خباء المحضر، كما تصفها الرسالة، هي صورة مسبقة عن حقيقة شخصيّات المغارة.

لذا، ارتأينا أوّلًا رسم لوحة مقارنة بين خيمة الموعد والمشهد الميلاديّ كما يصفه الإنجيليّان متّى ولوقا، ليتسنّى لنا بالتالي، أن نقدّم للكنيسة برعاياها وعائلاتها، طريقة روحيّة تربويّة لتهيئة المغارة الميلاديّة على مراحل انطلاقًا من آحاد هذا الزمن المبارك، مع زوّادة روحيّة ترافق كلّ محطّة.

أوّلًا: لوحة المقارنة


خباء المحضر

(خر 25-27؛ 36-37)

المغارة، المكان الأوّل الماديّ لسكنى الكلمة المتجسّد بيننا
1. المنارة
1. السراج الموضوع أمام المغارة يرمز إلى يوحنّا السابق. يسوع هو شمس العدل ويوحنّا هو السراج.
2. المائدة وخبز التقدمة
2. حبوب الحنطة المزروعة في أوانٍ فخّاريّة ترمز إلى يسوع كلمة الآب الَّذي نبت من حضن الأمّ البتول مريم وصار فوق المذبح قوتًا للبيعة وخبز حياة (نشيد نقل القرابين).
3. مجمرة ذهبيّة للبخور
3. الذهب والبخور (اللبان والمرّ)، هدايا المجوس، رمز إلى ملوكيّة يسوع وألوهيّته وبشريّته المائتة.

4. تابوت العهد من ذهب

أ- جرّة من ذهب تحتوي المنّ

ب- عصا هارون الَّتي أفرخت

ج- لوحا العهد (الشريعة القديمة)

4. المذود الخشبيّ

أ- مريم هي الجرّة الجديدة الَّتي حملت في حشاها المنّ السماويّ.

ب- يوسف الحامل العصا في يده، كمال صورة هارون، وكما اؤتُمِن هارون على خدمة بيت الربّ، اؤتُمِن يوسف على خدمة عائلة الناصرة.

ج- يسوع هو كلمة الله، جاء لا لينقض بل ليكمّل

5. كروبا المجد

5. الملائكة الَّذين بشّروا الرعاة بولادة المخلّص

ثانيًا: طريقة تهيئة المغارة الميلاديّة
محطّات ميلاديّة

  الأحد والأسبوع والعيد                                                      الزينة الطقسيّة                                                                   الزوّادة الروحيّة

1- تقديس وتجديد البيعة
الخيمة --> الهيكل والمغارة

تجديد عهد الإيمان بيسوع: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ" (صلاة القلب)

تجديد عهد الإيمان بالكنيسة: "أنا حجرٌ حيٌّ في بنيان الكنيسة"

2- بشارة زكريّا
المبخرة والإنجيل داخل الخيمة (+الملاك)
الصمت والإصغاء
3- بشارة مريم
مريم والإنجيل داخل الخيمة (+الملاك)
تحيّة "الله معكم"
4- زيارة مريم لاليصابات
زرع حبوب الحنطة ووضعها أمام الإنجيل في الخيمة
حمل بركة الربّ وسلامه في الزيارات واللقاءات: "الله يبارك"
5- مولد يوحنّا
المصباح والإنجيل
إظهار حنان الربّ تجاه منكسري القلوب والحزانى
6- البيان ليوسف
يوسف والملاك خارج الخيمة، مريم والإنجيل في الداخل
إتمام ما يأمرنا به الربّ: "لتكن مشيئتك"
7- النسبة
وضع أسماء الآباء والأجداد على شجرة ووضع إسم يسوع على النجمة فوق الشجرة، رمز جزع يسّى، الَّذي منه خرج الغصن "يسوع المسيح". وهذه الشجرة هي رمزٌ إلى شجرة الحياة في الفردوس، والثمار الَّتي تحملها تُشير إلى الإفخرستيّا
الصلاة على نيّة أفراد عائلاتنا الأحياء والأموات
8- الميلاد وثمانيّة العيد وعيد الختانة  (تهنئة العذراء)
المذود (الإنجيل) + الطفل يسوع + الرعاة + المجوس + … (اكتمال المشهد)  مباركة الزروعحمل فرح يسوع إلى الآخرين

9- الدنح (6 كانون الثاني)
بالماء المبارك، نرشّ المغارة وأرجاء البيت وسكّانه
نتذكّر عمادنا (الأهل + العرّابين + الكاهن) ونحملهم بصلاتنا 
10 - عرس قانا (8 كانون الثاني) بحسب المخطوطات المارونيّة القديمة.ختام الاحتفالات الميلاديّة والدنحيّة، نجتمع مساءً حول مائدة محورهاالإنجيل. وأيقونة السيّدة العذراء وكؤوس الخمر وبعض المعجّنات والأجبان. ونودّع العيد ونَنْزع الزينة الميلاديّة من البيوت.

نتذكّر العائلات المسيحيّة ولا سيّما الأزواج الجدد ونحملهم بصلاتنا (ويجدّد المتزوّجون عهود زواجهم)


لا بُدَّ من التذكير أنّ المذود والمغارة نجدهما في بعض التفاصيل الإنجيليّة لميلاد يسوع في بيت لحم (لو 2: 7). ولمّا قام الامبراطور قسطنطين الكبير، شيّد كنيسة كبرى في بيت لحم حيث كان المذود (معلف الحيوانات حيثُ وُلد السيّد المسيح)، وأقام فيها مذودًا أخذَ الناس يتوافدون لتكريمه. وفي القرن السابع للمسيح، أنشأ سكّان روما العائدون من زيارة الأرض المقدّسة وبيت لحم، مذودًا شبيهًا بالمذود البيتلحمي، وعَرَضوه للتكريم في كنيسة القدّيس بطرس.

وفي سنة 1223، أنشأ القدّيس فرنسيس الأسيزي الإيطالي، بعد عودته من زيارة الأراضي المقدّسة، في غابة غراتشيو(Graccio) من أعمال إيطاليا، مذودًا شبيهًا بالمذود البيتلحمي يمثِّل أشخاصه وحيواناته مخلوقات حيّة.

واشتهر هذا المذود في العالم، وأخَذَ الناس من مختلف البلدان يزورونه ويصوِّرونه ويصنعون على مثاله مذاود مجهّزة بالتماثيل. ومن ثمَّ انتشرت المذاود في البلدان، ولم يشعْ استعمالها في لبنان إلاّ مؤخّرًا، متسرّبة إليه من الغرب عن طريق المُرسَلين الأوروبيّين والكَهَنة الذين أتمّوا دروسهم في أوروبا. 

أَلكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا وسَكَنَ بَيْنَنا ورَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدَ ٱبْنٍ وحِيدٍ آتٍ مِنَ الآبْ