مريم والمئويّة وعَرف زهور لبنان...

مريم والمئويّة وعَرف زهور لبنان...

في المئويّة الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، نقف إجلالًا واحترامًا أمام من كانت له اليد الطولى في هذا الإنجاز، عنيت به المكرّم البطريرك الياس الحويّك، الّذي أوكل وطنه إلى حماية الأمّ العذراء، وأنشد لها الترنيمة الأحبّ إلى قلوب اللبنانيّن :"يا مريم، سلطانة الجبال والبحار، ومليكة لبناننا العزيز"...

في هذه الترنيمة، يعود الحويّك إلى جذور لبنان، ويماثل نقاوة مريم العذراء بثلوج وطنه، وعرف أطيابه، وتساميه، فيقول لها: "يا عذراء، ضارعت نقاوتها ثلج لبنان، وفاح عرف طهرها كعرف زهور لبنان، وتسامت مرتفعة كالأرز في لبنان".

فما هو الرابط بين لبنان ومريم؟

١- لبنان، في علم الأسماء، يشتقّ اسمه من "لِ بَ ن" أي البياض، ويعود ذلك إلى بياض الثلوج الّتي تغطّي قِمم جباله لفترة طويلة من السنة. وبياض الثلج يرمز إلى النقاوة. 

مريم البريئة من الخطيئة منذ تكوينها، هي النقاء بعينه. من هنا، يناجيها صانع لبنان الكبير: "يا عذراء ضارعت نقاوتها ثلج لبنان".

٢- ولبنان أيضًا، يشتقّ اسمه من "لُبان"، أي بخور، لأنّ غابات الأطياب كانت تغطّي الحيّز الأكبر من مساحته، وهو كما يسمّيه سفر نشيد الأناشيد "جبل الطيوب" حيث يعبق شذا المرّ واللُّبان.

 ومريم، السوسنة البهيّة والوردة الفوّاحة العطرة، كما تترنّم بها الليتورجيا، يتغنّى بها من أعطي له مجد لبنان مشيدًا بها: "وفاح عرف طهرها كعرف زهور لبنان".

٣- ولبنان، بالتالي، هو جبل الإله الجبّار، برأي المحلّلين. لذا، نرى المعابد، والمناسك، والكنائس، والأديار، تعلو قممه. وإن شاهدنا أديارًا في قعر الوديان، فلأنّ الوادي، وبحسب العلّامة الخوري ميشال الحايك، هو الصورة المعاكسة للجبل. على قمم جبال لبنان، انتصب أرز لبنان بشموخه وخلوده. 

ومريم، الّتي حلّ الروح عليها وظلّلتها قوّة العليّ، فأصبحت مسكن الكلمة الّذي أشرق من حشاها، أعطي لها جناحا النسر، "وتسامت مرتفعة كالأرز في لبنان" كما صوّرها من هو على أبواب التطويب، المكرّم البطريرك الياس الحويّك.


أمّا بعد، فكيف علينا أن نُخرِجَ لبنان من أمجاد الماضي في مئويّته الأولى، لنطلّ به إلى مشارف المستقبل نُعِدّ لمئويّته الثانية؟ وأيّ دور نؤدّيه للحفاظ على وطن الرسالة؟

كنيسة لبنان مؤتمنة، مع سائر المكوّنات الروحيّة، على الحفاظ على الثوابت المذكورة أعلاه. 

والمؤمن المسيحيّ، وعلى صورة الأمّ البتول، مدعوّ إلى:

١-  الحفاظ على نقاوة الثوب الأبيض الّذي لبسه يوم عماده، مجدّداً إيمانه بالثالوث، وملتزمًا الابتعاد عن الشرّ وكلّ من استسلم له وسار وراءه.

٢- الأمانة لسرّ الميرون الّذي التزم بنشر عطره من خلال أعماله الصالحة.

٣- رفع أفكاره وعقله وقلبه إلى العلى، وجعل حياته وكيانه مسكنًا حقيقيًّا للربّ وهيكلًا له في سرّ الافخرستيا.


وإيمانًا منّا بأنّ لبنان لا يكون كبيرًا إلّا بنقاوتنا وشفافيّتنا، بأعمالنا الصالحة وشهادتنا الصادقة، بتسامينا على كلّ الصغائر وبغفراننا، نجّدد مع المكرّم صلاتنا إلى سيّدة لبنان، ضارعين إليها، هاتفين: "نسألكِ أن ترمقي بنظرِكِ الوالديّ جميع بنيكِ، وتبسطي يديكِ الطاهرتين، وتباركيهِم. آمين."