إغتني!

إغتني!

كلّنا مختلفون، لكنّنا لسنا على خلافٍ. كلُّنا معنيّون باختلافِنا كبيضٍ وسودٍ، نساءٍ ورجالٍ، أغنياءَ وفقراء، شرقيّين وغربيّين مثقّفين وأُمِيّين، خَطَئةٍ وأبرار … الإختلافُ يطالُنا جميعاً من دونِ استثناء.

ليسَ مِنَ السَّهلِ تقبُّلَ اختلافِ الآخرِ واستيعابِه، فالآخرُ هو عالَمٌ له ميزاتُه وتفاصيلُه وبصمتُه الخاصّة. كلُنا مختلفونَ لأنَّنا جميعُنا لدينا خصوصيّاتٌ، وأذواقٌ مختلفةٌ، وأساليبُ حياةٍ وثقافاتٍ مختلفة. بالرُّغمِ من كُلِّ هذه الاختلافاتِ، يبقى الناسُ متساوينَ من حيثُ الإنسانيّةِ والكرامةِ والأخوة. 

في الواقعِ، ستكونُ الحياةُ مملَّةً ورتيبةً إذا كُنّا جميعنا متشابهين تمامًا! متشابهين بالفكرِ، والسِّياسة، والحاجاتِ، والشَّخصياتِ  .

هل هذا الاختلافُ ضعفٌ أم غنى؟ 

 ليسَت المُشكِلة في الاختلافِ إنَّما في الزاوية الّتي يراهُ الإنسانُ منها. فالاختلافُ هو تنوّع، وفي تفاصيلِ هذا التَّنوعِ يكمنُ سرّ من أسرار اللهِ الذي أرادَ أن يظهرَ مدى سحرِ غِناهُ بتنوِّعِ مخلوقاتِه. يأتي هذا الاختلافُ في الانسانِ ليعكسَ تنوُّعَ سرِّ علاقةِ الخالق مع المخلوقِ في أوجهٍ وطرقٍ مختلفة. وعلى الانسانَ الذي خُلقَ بمحبةٍ، أن يتناغمَ باختلافِهِ معِ الآخرُ ليعكسَ صورةَ غنى مصدرِ الخلقِ أي الله. وبالتالي فإنَّ البشريّةَ هي فريدةٌ، موحَدةٌ ومتنوِّعَةٌ كخالِقها. 

ولكنَّ كبرياءَ الانسانِ وخوفِهِ على وجودِه شوَّهَ هذه الصُّورة، مُحوِّلًا الاختلافَ إلى خلافٍ، رافضًا بذلك صورةَ وحضورَ الله فيه وفي الآخَر. إنَّ عدمَ التَّأملِ في الاختلافِ واكتشافِ دورِه قادَ العالمَ والإنسانيّةَ إلى حروبٍ وعداوةٍ وخصامٍ، ليصبحَ الاختلافُ العدوَّ الأوَّلَِ. 

إنَّ الآخرَ واختلافَهُ لا يُشكّلانِ خطرًا إنَّما وسيلةً وطريقًا لترتقي الإنسانيةُ وتخرجَ من حدودِها الجغرافيّةَ وقوقعَتِها التَّقليديّةَ وتعكسَ مدى جمالِ الغنى الإنسانيّ، فيكونُ هذا الاختلافُ عنصرَ جذبٍ وتلاقٍ بين أبناءِ الأرض. هكذا، يسوعُ المسيحَُ ابنُ بيئتِه والمختلفِ عنهُم، جذبَ إليه العالمَ بسرِّ اختلافِهِ وجعلَ منهُ سبيلاً للخلاصِ وظُهوراً حقيقياً لله. أظهرَ يسوعُ بأنَّ لهذا الاختلافِ سرٌّ وهو كيفيّةَ عيشِ الحبِّ بدونِ قيودٍ، فيتحوَّلَ الاختلافُ الى نعمةٍ. 

نحنُ كبشرٍ متشابهون بالصيرورة، وأغنياءَ بتنوِّعُنا في اختلافنا، لأنَّنا جميعُنا أُخذنا من نفسِ النَّموذجِ. كلُّنا خُلقْنا على صورةِ اللهِ ومثالِه.

لنتحرَّرْ من مفهومِ الاختلاف الضيق، ولنبحثْ من خلالِه ونكتشِفَ سرّ وجهَ اللهِ الغنيِّ المطلقِ وسرّ الانسانيّة، فاللهُ قد تنازلَ وأخذَ اختلافَنا وضُعفَنا ومحدوديتِنا، هو من قَبِلَ خطيئةَ آدمَ، واختارَ انسانيتَنا الضَّعيفة، وأحبَّ المريضَ والخاطئَ والفقيرَ والغنيَّ والمرفوض حبًّا جمًّا حتى الموت ليوحِّدنَا ويُثمِرَ تنوعَنا.

ويبقى الأهمُّ ألّا تكُونَ قلوبُنا مختلفةً بالرُّؤيةِ وغريبةٌ عن قلبِ الله، وألّا نحاوِل تَغييرَ اختلافنا بل لنغتني به كقوَّةٍ ونعمة، لأنَّ الاختلافَ ليسَ ضعفًا بل هو غنىً إلهيًا وثروةً انسانيّةً، كمرآةً يرى فيها الآخرُ سرَّ غنى وجهِ اللهِ وأشكالِ الحبِّ الغنيّة.