كيف أختار النصيب الأفضل

كيف أختار النصيب الأفضل

كلُّنا قرأنا أو سمعنا نصّ الإنجيل الّذي جلست فيه مريم، أختُ مرتا، على أقدام يسوع لتسمع كلامه، في حين أنّ أختها كانت منشغلة في أمور الضيافة. وكلّنا نعرف ما فعله يسوع حين انزعجت مرتا من تصرّفِ أختها، كيف أثنى على مريم وأشاد بها، لأنّها اختارت النصيب الأفضل. ولكنّ هذا الأمر قد يطرح علينا سؤالين أساسيّين: لماذا اعتبر المسيح أنّ مريم قد اختارت النصيب الأفضل؟ وكيف أميّز أنا اليوم نصيبي الأفضل؟ 

إختارت مريم أن تصغي لكلام يسوع المعلّم، وخسرت بالمقابل شرفيّةَ أنْ تخدمَ المسيح وتهتمّ بضيافته، فاعتبر المسيح تخلّيها عن هذا الشرف، واتخاذها موقعَ التلميذ المنصت لكلام المعلّم، هو أفضل ما اختارته في تلك اللحظة، لأنّها بإصغائها لكلمة الحياة ستستطيع أن تميّز في حياتها روح الله من روح العالم. وهذا التمييز هو موهبةٌ يجبُ أن نطلبهاّ
يقول البابا فرنسيس، وإذا طلبناها بثقةٍ من الروح القدس، واجتهدنا في تنميتها بالصلاة والتفكير والقراءة والمشورة الصالحة، يمكننا بالتأكيد أن ننمو في هذه القدرة الروحيّة. (رسالة البابا فرنسيس "إفرحوا وابتهجوا"، التمييز، الفقرة 166). 

ويعلّمنا الحبرُ الأعظم أيضًا، أنّهُ عندما يتأتّى علينا أيضًا جديدٌ في حياتنا الخاصّة، يجب بالتالي أن نميّز إن كان هو الخمر الجديدة الآتية من الله أم جديدًا خادعًا من روح العالم و من روح الشرّير. وقد يحدث العكس، إذ تقودنا قوّة الشرّير إلى عدم التغيير، وترك الأمور على حالها، واختيار الجمود والصلابة، فنمنع الروحَ بالتالي أن يعمل فينا.
 (رسالة البابا فرنسيس "إفرحوا وابتهجوا"، حاجة ملحة، الفقرة 168).   


أمام هذا الواقع، وفي ظلِّ ما يقدّمُهُ لنا العالم من إمكانيّاتٍ هائلةٍ من الأمور من جهة، وسلسلةٍ من المقاييس البشرية للتمييز على أساسها من جهةٍ أخرى، يدعونا المسيحُ لاعتمادِ مقياسٍ واحدٍ أساسيٍّ لتمييز روح الله من روح العالم. لننطلق من أمرٍ بسيطٍ سيقودنا ربّما لفهمِ مقياس المسيح. حينَ أرغبُ في اقتناء سيارةٍ ما، ينبغي عليَّ اختيار نوع السيارة، إذًا، لا بدّ من التفكير بإمكانياتي، والأمور التي أحتاجها في السيارة، والهدف من اقتنائها. فسائقٌ في سباق لا يختار سيارته باعتماد المقياس نفسه الذي يختار على أساسه رجل أعمالٍ سيارته، أو أمُّ عائلةٍ لسيّارتها، أو طالبُ جامعةٍ لسيّارته. فإذا كان ينبغي أن نكون حكماء في هذا الدهر، وننطلق من مقياسٍ محدّدٍ ودقيقٍ، أوليس علينا أن نتأنّى في تمييز الأمور الروحيّة، ونختار ما يفيدنا وينفعنا؟ وهذا المقياس هو الإصغاء لتعليم الربِّ بحكمةٍ وشغفٍ، والّذي خلاصته: المحبّة والرّحمة. فكلُّ قرارٍ نتّجهُ صوبَهُ ينافي المحبّة علينا استبعادُه، والتقرّبُ بالتالي من الله بالصلاة لنتجرّد من كلّ الحيَل البشريّة والأفكار الكاذبة الّتي تغلق باب محبّتنا في وجه القريب، وتسدُّ آذانَنا عن سماعِ كلمةِ الحقّ. وحين ننحازُ لقرارٍ ناجمٍ عن خلافٍ مع أحد، لا بدّ لنا من أن نقتربَ من سرّ التوبة لنرحمَ قريبَنا ونتبنّى المحبّة في مواقفنا.

ومتى وُجدنا أمام طريقَين مختلفَين يصعُبُ اختيارُ أحدِهِما للسير فيه، لا بدّ لنا من التأمّلِ في الكتاب المقدّس لتُرشدنا كلمةُ الحكمةِ إلى تمييز ما هو الأفضل لنا. فكما اختارت مريم النصيب الأفضل، يدعوني المسيح لأن أختار معها الإصغاء لتعليمه والعملِ به، لأنّ مشيئة الله هي تقديسُنا. فلنطلبَنَّ من الله نعمة التمييز، ولا نحيدَنَّ عن سماع كلامه المُحيي.