يا رعاةً خبّرونا...

يا رعاةً خبّرونا...

كلُّ إنسانٍ في هذه الحياة لهُ يومٌ يحبُّه كثيرًا ويعتبرهُ أجملَ يومٍ في حياتِهِ: القربانة الأولى، زواجُه، تخرّجُه من المدرسةِ، إلخ. وإذا سألنا الرّعاة في حدث الميلاد: ما هو أجملُ يومٍ في حياتِكم؟ يجيبون وبدون أي تردّدٍ: "أجملُ يومٍ في حياتِنا هو يومُ لقائِنا بالطّفل ِيسوع، مخلّص العالم". لماذا أيّها الرّعاة؟ ما هو المميّزُ في لقائِكم؟ لندخل في سرّ الميلاِد ولنتأمل بثلاثةِ ميزات تحلّى بها الرعاة في نصّ الإنجيل بحسب القدّيس لوقا (لو 2: 8-20) وثلاثة هدايا منحها الربّ لهم.


الميزة الأولى: الفقر الروحي

في زمنِ ولادة يسوع، كان الرّعاة ينتمون إلى الطّبقةِ الأضعفِ والأفقرِ في المجتمع. وكلّنا نعرفُ نظرة المجتمع القاسيةِ لهم. ولكن هؤلاء الرّعاة لم يكونوا فقط فقراء بالمال بل فقراء الرّوح. فقراء الروح هم الذين يعترفون بمحدوديّتهم وإنّهم بدون الله لا يقدرون أن يفعلوا شيئًا. هو غناهم وهو الذي يملأ فراغهم. نلاحظ أنّ نص الإنجيل لم يذكر أي هديّة قدمّها الرعاة للطفل: لقد قدّموا ذاتهم، فراغهم وفقرهم له. وما كانت هديّة الرب يسوع لهم؟ غنى البشارة. ينطبق على الرّعاة كلمة القدّيس بولس: "كفقراء لا شيء لنا ونحن نغني الكثيرين" (2 كور 6: 10). نعم، لقاؤهم بيسوع المسيح جعلهم أغنياء بحضوره، بفرحه، ببشارته، يشاركون هذا الغنى مع من رفضوهم: الأغنياء بالمال ولكن فقراء من الله. 


الميزة الثانية: السّهر واليقظة

لقد كان الرّعاة ساهرون على قطعانهم خوفًا من الذّئاب الخاطفة ولكنّهم في نفس الوقت كانوا في حالة سهر روحيّة أي اليقظة. الإنسان اليقظ، الصّافي القلب والذّهن هو المنفتح دائمًا على إرادة الله كالقدّيس يوسف، نظره موَجَّهٌ دائمًا إلى السّماء. لماذا لم يستطع سوى الرّعاة أن يروا ويسمعوا بشارة وتسابيح الملائكة؟ الجواب يعطينا إيّاه يسوع: "طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله" (مت 5: 8)، "أحمدكَ يا أبتِ، ربّ السّماوات والأرض، لأنّك اخفيتَ هذه الأمور عن الحكماء وكشفتها للبسطاء" (مت 11: 25). وما كانت هديّة الرّبّ الثّانية لهم؟ التّسبيح بِلُغَة السّماء مع السّاهرين بالسّماء أي مع الملائكة. نعم، الإنسان السّاهر والنّقيّ القلب يرى ما لا يراه الآخرون: عظمة الله في كلّ تفاصيل حياته ويتكلّم ما لا يقدر الآخرون أن يتكلّموه: لغة السّماء، لغة الملائكة: التّسبيح والشّكر.


الميزة الثالثة: الحماس والاندفاع

عند سماع بشارة الملائكة يقول نصّ الإنجيل إنّهم أتوا مسرعين للقاء الطّفل يسوع. وبعد لقائهم الرّائع بيسوع أسرَعوا لإعلان هذا الخبر السّارّ للجميع. ألا يُذَكّرنا هذا الحدث بمريم العذراء الّتي بعد بشارة الملاك، "قامت مسرعةً" (لو1: 39) لحمل يسوع إلى نسيبتها أليصابات ولخدمتها. يكون الانسان عادةً مسرعًا في حالتين: أولًا عندما يسمع خبرًا مهمًّا -كان سلبًا أو إيجابًا- وثانيًا عند وقت بدء الرّاحة كما الأطفال عندما يدقّ جرس المدرسة يسرعون للخروج من المدرسة. وكلتا الحالتان تنطبقان على الرّعاة ومريم. لقاء المسيح وحمل بشارته للآخرين ليست خيارًا بل هو حاجة مٌلِحّة، هي هويّة الإنسان المسيحيّ. راحة المسيحيّ الحقيقيّة ليست في الاسترخاء في أحد المنتجعات السياحيّة بل في خدمة القريب. ومن يخرج من ذاته للقاء المسيح ولخدمة الآخرين يمنحه الرّبّ الهديّة الثالثة: الأولويّة في اللّقاء والبشارة. من يسعى أن يكون المسيح والآخر الأوّل في حياته يجعله الله أولًا في لقائه والتّبشير به. ألم تكن مريم أوّل بيت قربان متنقّل وأوّل من بُشِّر بولادة المسيح المخلّص؟ ألم يكن الرعاة أوّل من زاروا الطّفل يسوع في المزود وأوّل من بشّر به في نصّ الإنجيل بحسب القدّيس لوقا؟." من أراد أن يكون الأوّل فيكم، فليكن عبدًا للجميع" (مر 10: 43) هذا ما اختبرته مريم و عاشه الرّعاة فصار "الأوّلون (هيرودس والكتبة) آخرون والآخرون (مريم والرعاة) أوّلون" (متّ 19، 30). 


في النّهاية، من يسمح للرّبّ أن يغني فقره، يحيي سهرته الرّوحيّة مع السّاهرين بالسّماء في أمسية تسبيح وهتاف ويجعله "العدّاء الأسرع" في لقائه والتّبشير به يختبر الهديّة الرّابعة: الفرح. إنّه فرح المسيح، فرح الميلاد الّذي لا ينزعه أحد منّا، الفرح بهديّة السّماء إلى الأرض: الطّفل يسوع مخلّصنا له المجد الآن وإلى الأبد. أمين