"الرحمة: إفتراضيّة أم واقعيّة؟"

"الرحمة: إفتراضيّة أم واقعيّة؟"

" رنا أمٌ لولدين وتعاني الفقر الشديد...إضغط لايك كي تدعم رنا لتأمين منزل لعائلتها"

"كريم صبي في العاشرة من العمر وهو يحتاج إلى 100000 لايك كي يشفى...إضغط لايك وعلّق "الله يشفيه".

"هذا الطفل مُصاب بشلل منذ الولادة، إذا كان حالك أفضل منه قُل الحمد لله واضغط لايك".

هي منشوراتٌ نراها يوميًّا عبر صفحاتنا افي مواقع التواصل الإجتماعي تُربِكُنا وتضعنا في حالةٍ غريبةٍ ممزوجة بالحزن والحيرة. بات من الواضح تأثير مواقع التواصل الإجتماعي على الإنسان على أصعدةٍ عديدة، لكنّ العزف على أوتار العاطفة لم يعد مقبولًا.

فلنتوقّف لحظة عند هذه الصور الّتي تُظهر الإنسان بمواقفٍ ضعيفة بهدف التماس شفقة الآخرين علّ أحدًا يسادعه، ولنطرح على أنفسنا هذه الأسئلة: هل يملك الفقير هاتفًا خليويًّا أم جهاز كومبيوتر كي يرى الدعم ولو كان معنويًّا؟ كيف أساعد شخصًا عبر وسيلة لا يملكها؟ كيف أدعم مريضًا وأنا محبوسٌ خلف شاشةٍ افتراضيّة؟ 

كُلّ "كبسةٍ" على "لايك" تزيد شعبية موقع فيسبوك أو غيره من مواقع التواصل الإجتماعي وتُخفض نسبة المساهمة لأننا نعيش في وهم مساعدة الفقير. بينما في الحياة الواقعيّة نحن نُموّل الأغنياء ونزيد من فَقرِ الفقراء لأننا نبحث عن عمل رحمة في المكان الخطأ.

التواصل الجسدي هو من الأساسيّات الّتي تجمع المُحتاج بالآخر. إن تأمّلنا ليلة ميلاد يسوع المسيح، نرى كيف أنّ الماجوس قطعوا مسافاتٍ طويلة وعددًا لا يُقاس من الكيلومترات وساروا لأيّامٍ عديدة ليقدّموا الهدايا إلى طفلٍ فقيرٍ في مذودٍ حقير. تخلّوا عن ملوكيّتهم وجاؤوا بالجسد وعلى الرغم من صعوبة الطريق الّتي خاضوها ووعرها، وقدّموا الهدايا للطفل يسوع وجلسوا بقربه وانحنوا أمامه.

وقفة أخرى في الكتاب المقدّس وهي أمام السامريّ الصالح الّذي إستثمر نفوذه وأمواله لمساعدة الجريح. لم يكتفِ بإعطائه المال، لم يداوِ جروحه ويرحل. بل جلس إلى جانبه، حمله على كتفَيه وأطعمه وحرص أن يكون بوضعٍ أفضل.

ومثالًا عاصرناهُ على أهميّة التواصل الجسديّ خلال مساعدة المُحتاج، هي أمّ الفقراء، القدّيسة الأم تيريزا الّتي انطلقت فوق جدران الدير وخرجت تنحني لتُساعد الفقير الذي رأت فيه صورة يسوع.

فبأيّ عينٍ تنظر إلى الصورة وتعتبر نفسك ساعدت مُحتاجًا؟ بأيّ ضميرٍ تزعم المساعدة وأنت مقوقع أمام جهازٍ حجب عنك التواصل الجسديّ الواقعي؟ قم، تحرّك، سِر نحو المُحتاج، إجلس إلى جانبه بتواضع! عندها تكون تمّمت ما قالهُ يسوع بفاعلي الرحمة:" كلّ ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فبيَّ فعلتموه" (مت 40:25).